دليل دراسة الكتاب المُقدَّس - الربع الثاني 2016 - إنجيل مَتَّى
تحميل قوات الدفاع الشعبي - دليل دراسة الكتاب المُقدَّس - الربع الثاني 2016 - إنجيل مَتَّى
مقدمة
١. ابن داود — ٢٦ آذار (مارس) - ١ نيسان (أبريل) ٦
٢. بداية الخدمة — ٢-٨ نيسان (أبريل) ١٤
٣. الموعظة على الجبل — ٩-١٥ نيسان (أبريل) ٢٢
٤. «قُمْ وَامْشِ!» الإيمان والشفاء — ١٦-٢٢ نيسان (أبريل) ٣٠
٥. الحرب المنظورة والحرب غير المنظورة — ٢٣-٢٩ نيسان (أبريل) ٣٨
٦. الراحة في المسيح — ٣٠ نيسان (أبريل) - ٦ أيار (مايو) ٤٦
٧. رب اليهود والأمم — ٧-١٣ أيار (مايو) ٥٤
٨. بطرسُ والصَّخرةُ — ١٤-٢٠ أيار (مايو) ٦٢
٩. أوثان النفس (ودروس أخرى من المسيح) — ٢١-٢٧ أيار (مايو) ٧٠
١٠. المسيح في أورشليم — ٢٨ أيار (مايو) - ٣ حزيران (يونيو) ٧٨
١١. أحداث زمن المنتهى — ٤-١٠ حزيران (يونيو) ٨٦
١٢. أيام المسيح الأخيرة، قبل الصليب — ١١-١٧ حزيران (يونيو) ٩٤
١٣. صُلِبَ وقَامَ — ١٨-٢٤ حزيران (يونيو) ١٠٢
Editorial Office: 12501 Old Columbia Pike, Silver Spring, MD 20904
Come visit us at our Web site: http://www.absg.adventist.org
Principal Contributor
Martin Pröbstle
Co-contributor
Steven Thompson
Editor
Clifford R. Goldstein
Associate Editor
Soraya Homayouni
Middle East and North Africa Union
Publishing Coordinator
Michael Eckert
Translation to Arabic
Ashraf Fawzy
Arabic Layout and Design
Marisa Ferreira and Olivia Adel
Publication Manager
Lea Alexander Greve
Editorial Assistant
Sharon Thomas-Crews
Pacific Press® Coordinator
Wendy Marcum
Art Director and Illustrator
Lars Justinen
Design
Justinen Creative Group
© ٢٠١٦ المجمع العام للأدفنتست السبتيين ®. جميع الحقوق محفوظة. لا يمكن تعديل أو تغيير أو تبديل أو تحويل أو ترجمة أو إعادة إصدار أو نشر أي جزء من دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس للكبار دون الحصول على أذن خطي مسبق من المجمع العام للأدفنتست السبتيين ®. ومصرحٌ لمكاتب الأقسام الكنسية التابعة للمجمع العام للأدفنتست السبتيين ® العمل على الترتيب لترجمة دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس للكبار بموجب مبادئ توجيهية محددة. وتبقى ترجمة ونشر هذا الدليل حقاً محفوظاً للمجمع العام. إن اصطلاح «الأدفنتست السبتيون» وشعار الشعلة هما علامتان تجاريتان للمجمع العالم للأدفنتست السبتيين ® ولا يجوز استخدامها دون الحصول على إذن مسبق من المجمع العام.
إن دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس هو من إعداد مكتب دليل دراسة الكتاب المقدس للكبار التابع للمجمع العام للأدفنتست السبتيين. والناشر والمشرف العام على إعداد هذا الدليل هو لجنة مدرسة السبت، وهي إحدى اللجان الفرعية المنبثقة عن اللجنة الإدارية للمجمع العام للأدفنتست السبتيين. إن دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس المطبوع هو انعكاس لمساهمات اللجنة العالمية للتقييم، وهو يحظى بموافقة لجنة مدرسة السبت للنشر، وبالتالي فهو لا يعكس بالضرورة وجهة النظر المنفردة للمؤلف(أو المؤلفين).
Sabbath School Personal Ministries
إنجيل مَتَّى
أثناء ولادته في مدينة وينشستر بماساشوستس، تعرّض ريك هُوُيِت للاختناق نتيجة التواء الحَبْلِ السُّرِّيّ حول عنقه مما تسبب في إصابته بالشلل الدماغي وجَعْلِه غير قادر على السيطرة على أطرافه وأوصاله. وبعد مرور بضعة أشهر على ولادته، أخبر الأطباء أسرة هُوُيِت بأن ريك سوف يعيش في حالة غيبوبة بقية حياته وأنه ينبغي أن يُوضع في مؤسسة ترعى مثل هذه الحالات.
وبخصوص هذا الأمر، كتب ريك رايلي في نُبْذَة عن عائلة هُوُيِت تم طباعتها في مجلة الرياضة المصورة (٢٠حزيران/يونيو ٢٠٠٥) يقول: «لكن أسرة هُوُيِت لم تقبل بهذا الاقتراح.» فقد لاحظوا أن عينا رِيك كانتا تتبعانهم في جميع أنحاء الغرفة. وعندما كان عمر ريك ١١ عاماً، قامت الأسرة بأخذه إلى قسم الهندسة في جامعة «تافتس» وهناك استفسرت الأسرة عمَّا إذا كان هناك أي شيء يمكن لقسم الهندسة بالجامعة عمله لمساعدة الصبي على التواصل مع المحيطين به.
قال المتخصصون لوالد رِيك، الذي يُدعى دِيك، «ليس هناك طريقة يمكن من خلالها التواصل مع ريك، فإن دماغه لا يستطيع إرسال الرسائل الصحيحة لأعضاء جسمه.»
فَرَدَّ دِيك قائلاً، «قولوا له نكتة.» «وقد فعل المتخصصون بقسم الهندسة ذلك. وعندها ضحك ريك. وهكذا تبيّن أن دماغه كان يعمل بشكل جيد.»
تم تصميم حاسوب خاص يُمَكِّن ريك من الكتابة عليه بمجرد تحريك رأسه وبالتالي يستطيع التعبير عن نفسه؛ كما أن هذا الجهاز كان قادراً على نطق الكلمات المكتوبة. وهكذا استطاع ريك أخيراً التواصل مع الآخرين. وقد مكَّنته هذه التكنولوجيا من بدء حياة جديدة. واشتملت حياته الجديدة، من بين أمور أخرى، على أن يقوم والده بدفعه بينما يجلس ريك على كرسي متحرك في ماراثون خيري. وبعد السباق، طبع ريك على الحاسوب ما يلي، «يا أبي، عندما كنا نركض معاً لم أشعر أنني معاق بعد الآن!»
وقد عزم الأب على جعل ابنه يشعر بهذا الشعور كلما كان ذلك ممكناً. وبعد مرور أربع سنوات، ركض الأب وابنه في ماراثون «بوسطن» معاً. ثم اقترح أحدهم أن يشترك الأب وابنه في «ترياثلون»، وهو سباق ثلاثي أشبه بالماراثون، يبدأ بالسباحة ثم ركوب الدراجات ثم ينتهي بالركض. ومنذ ذلك الحين، اشترك الاثنان في المئات من الأحداث الرياضية، حيث كان يقوم الأب إما بسحب ابنه أو دفعه إلى الأمام أثناء اشتراكهما في السباقات معاً. وقد طبع ريك على حاسوبه الكلمات التالية: «مما لا شك فيه أنَّ أبي هو الأب المثالي للقرن.» نحن لدينا الكثير من القواسم المشتركة مع ريك هُوُيِت، لأن لدينا أباً سماوياً يحبنا محبة تفوق حتى محبة دِيْك لابنه رِيْك. وهو يهتم بنا و قد ضحى بابنه الوحيد من أجلنا. ومثل رِيْك، فقد عملت آثار الخطية المأساوية والمدمرة على إصابتنا جميعاً بالشلل. ولا يمكننا بقوتنا الخاصة أن نحيا بأي شكل من الأشكال حياة قريبة من الحياة التي كان المقصود لنا أن نحياها. ومهما حاولنا جاهدين، فإننا لن نحسِّن أنفسنا بما فيه الكفاية لنُخَلِّصَ أنفسنا. «لقد صيرت الخطية حالتنا حالة غير طبيعية، فالقوة التي تُرجعنا يجب أن تكون فوق الطبيعة، وإلا فلا قيمة لها» (روح النبوة، آفاق عيش أفضل، صفحة ٤٥٢ و ٤٥٣). فلا بد وأن يأتي خلاصنا من خارج أنفسنا لأنه لا بد وأن يكون واضحاً لنا الآن أننا لا نستطيع أن نُخَلِّصَ أنفسنا.
ولهذا السبب ينظر الناس في بعض الأحيان إلى السماء ليلاً طالبين معونة «مُخلِّصٍ» ما. وكان بنو إسرائيل يطلقون على هذا المُخلِّصِ المنتظر اسم «ابن داود» وهو الذي نَعْرِفه باسم يسوع الناصري. وإنجيل متى، موضوع دراستنا لهذا الربع، هو سردٌ، بإلهام من الروح القدس، لقصة المسيح. كان متى واحداً من اليهود الذين آمنوا بالمسيح، وكان واحداً من تلاميذ المسيح الأوائل. ويروي متى قصة المسيح من منظوره الشخصي، ولكن بإلهام من الروح القدس. وعلى الرغم من القواسم المشتركة بين إنجيل متى وأناجيل كلاً من مرقس ولوقا ويوحنا، إلّا أن الموضوع الذي يركّز عليه متى بصورة خاصة هو تجسّد وحياة وموت وقيامة وصعود المسيح. ويركّز متى بقوة أيضاً على حقيقة أن المسيح هو المسيا المنتظر. لقد أراد متى لقرائه أن يعرفوا أن خلاص إسرائيل كان بواسطة المسيح الذي تحدث عنه الأنبياء والذي كانت جميع رموز العهد القديم تشير إليه.
وعلى الرغم من أن جمهور متى كان يهودياً في المقام الأول، إلا أن رسالته الخاصة بالرجاء والفداء تتحدث إلينا نحن أيضاً؛ فإننا أشخاص مثل رِيكي هُوُيِت بحاجة إلى شخص يفعل من أجلنا ما لا يمكننا أبداً القيام به لأنفسنا.
ونقرأ في إنجيل متى قصة المسيح وهو يقوم بذلك العمل من أجلنا.
آندي ناش، دكتوراه في الفلسفة، هو أستاذ جامعي وقس في جامعة «سوثرن» الأدفنتستية في كوليدجال، تينيسي. وقد قام بتأليف العديد من الكتب بما في ذلك «كنيسة أكوام القش» و كتاب بعنوان: «إنجيل متى: ‘خلِّصنا الآن، يا ابن داود.’ »
دليلك في الطريق إلى وطنك السماوي
تواصل مع الله بفعالية أكثر!
إن مبادرة "آمنوا بأنبيائه" هي برنامج مدته خمس سنوات يأخذك في رحلة عبر الكتاب المقدس وقراءات مختارة من مؤلفات الن ج. هوايت. قم بالحصول على قراءات يومية من الكتاب المقدس، وقراءات تفاعلية مع غيرك من القراء، وكذلك بعض المقاطع من مؤلفات روح النبوة.
متحدون في الصلاة: هي مبادرة نلتزم فيها بالصلاة معاً مع الآخرين باستخدام طرق تقليدية أو مبتكرة. احصل على طلبات أسبوعية وشهادات أو أفكار متعلقة بالصلاة من أعضاء كنيستك حول العالم.
قم بالاشتراك في هاتين المبادرتين من خلال التسجيل على الموقع التالي:
http://www.RevivalandReformation.org
وشارك أفكارك والشهادات الخاصة بك.
حلقة عالمية للصلاة
برنامج عالمي لدراسة الكلمة المقدسة
صلاة يومية مع إخوتنا وأخواتنا في المسيح حول العالم
دراسة يومية لكلمة الله ومؤلفات روح النبوة
قم بتحميل
نسختك الإلكترونية المجانية
من دليل دراسة الكتاب المقدس عبر الموقع التالي:
www.menapa.com
اشترك في
رسالتنا الإخبارية
المجانية
تزوّد بآخر المعلومات المتعلقة بكل
إصداراتنا الجديدة!
+961 1 690290 | www.menapa.com
شارع الفردوس، السبتية، جديدة المتن، بيروت، لبنان ١٢٠٢٢٠٤٠
جمعية اتحاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للنشر
الدرس الأول
٢٦ آذار (مارس) - ١ نيسان (أبريل)
ابن داود
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: متى ١؛ مرقس ١٢ : ٣٥-٣٧؛ إشعياء ٩ : ٦ و ٧؛ رومية ٥ : ٨؛ يوحنا ٢ : ٢٥؛ إرميا ٢٩ : ١٣؛ متى ٢ : ١-٤.
آية الحفظ: «لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متى ١ : ٢١).
بإلهام من الروح القدس، بدأ متى إنجليه بسرد سلسلة نَسَب؛ ولكنها ليست مجرد أي سلسلة نَسَب، وإنما هي سلسلة نَسَب المسيح. وعند سرد متى لسلسلة النَسَب هذه قام بالكشف عن بعض الأسلاف الذين قد لا يرغب معظم الناس في الإعلان عن ارتباطهم بهم.
ولأن متى كان هو نفسه منبوذاً، فربما أمكنه الشعور بما يعنيه الانتماء لمثل هذا الأصل والنَّسَب. فقد كان متى جابي ضرائب يهودي، وقد قَبِلَ التعامل مع العدو بل وقد دفع للرومان كي يعيّنوه في هذا المنصب ليُحَصِّل الضرائب من بني شعبه من اليهود. فالمؤكد هو أن متى لم يكن محبوباً مِن قِبَل بني أمته.
ومع ذلك، قد ينظر الناس إلى المظهر، لكن الله يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ. ولا شك في أن المسيح قد نظر إلى قلب متى واختاره ليكون من بين تلاميذه، على الرغم من أنه كان جابياً للضرائب. وقد قبل متى الدعوة التي قدمها له المسيح وتخلى عن حياته الماضية وعاش حياة جديدة في المسيح.
وهكذا تَبِعَ متى الربَ يسوع وقام بتوثيق ما جرى من أحداث ليعيد لبني شعبه وللعالم أجمع شيئاً هو ليس عبارة عن «إيْصال» خاص بالضرائب وإنما سردٌ فريدٌ لحياة المسيح.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢ نيسان (أبريل).
سفر التكوين
«كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ...» (متى ١ : ١).
في البداية، يُطلق متى على ما يقوم بتدوينه اسم «كتاب» (وهي كلمة مأخوذة من اللغة اليونانية «بيبلوس»، والتي يمكن أن تعني «كِتَابَة مقدسة»، إنه «كتاب النَّسَب» المتعلق بأسلاف المسيح. في الواقع، إن الكلمة اليونانية المترجمة «النَّسَب» أو «الجيل» مُشتقة من كلمة يمكن أن تترجم «تكوين». وهكذا فإنه يمكن القول أن متى بدأ إنجيله بـ «كتاب تكوين.»
وكما بدأ العهد القديم نفسه بسفر تكوين يتحدث عن خلق العالم، فإن إنجيل متى (وبالتالي العهد الجديد نفسه) يبدأ بكتاب عن الخالق نفسه وعن عمل الفداء الذي لا يستطيع أحد سوى الخالق أن يقوم به.
ماذا تخبرنا هذه الفقرات الكتابية عن المسيح؟ يوحنا ١ : ١-٣؛ عبرانيين ١ : ١-٣؛ ميخا ٥ : ٢؛ مرقس ١٢ : ٣٥-٣٧.
«فمنذ أيام الأزل كان المسيح ‘واحداً مع الآب’. كان ‘صورة الله’، صورة عظمته وجلاله وبهاء مجده.» «إن المسيح إذ حل بيننا كان لا بد له أن يعلن الله للناس والملائكة. لقد كان هو كلمة الله وفكر الله مسموعاً» (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ١٧).
مع ذلك، فإن ألوهية المسيح لم تكن هي ما يشغل بال متى، وذلك على نقيض يوحنا (انظر يوحنا ١ : ١-٤)، الذي بدأ إنجليه بالكتابة عن لاهوت المسيح مباشرة قبل الخوض في الحديث عن الجانب البشري للمسيح (انظر يوحنا ١ : ١٤). بدلاً من ذلك، يركّز متى كثيراً على ناسوت المسيح بوصفه «ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ». ثم يقوم بعد ذلك بتتبع النَّسَب البشري للمسيح بدءاً من إبراهيم وصولاً إلى ولادة المسيح. وقد فعل متى ذلك رغبة منه في أن يُظهر لقرائه أن يسوع الناصري كان في الحقيقة هو المسيّا الذي تم التنبؤ عنه في نبوات العهد القديم.
نَسَبٌ ملكي
مهما كانت وجهات النظر المختلفة لليهود فيما يتعلق بمجيء المسيا، إلا أنَّ هناك شيئاً واحداً مؤكداً: كان المسيا سيأتي من نسل داود. (فإنَّ الكثيرين من اليهود اليوم الذين ينتظرون المسيا، يؤمنون أنه يجب أن يأتي من نسل داود.) وهذا هو السبب في أن متى قد بدأ إنجيله بالطريقة التي بدأه بها؛ فقد أراد أن يُرَسّخ هَوِيّة المسيح بوصفه المسيا. ولأنه كان من المقرر أن يأتي المسيا من نسل إبراهيم (تكوين ٢٢ : ١٨؛ غلاطية ٣ : ١٦)، الذي يُعتبر أبو الأمة اليهودية، وكذلك من نسل داود، لذا فإن متى كان يسعى بصورة مباشرة إلى إظهار نسب يسوع وإبراز كيف أن المسيح لا يرتبط بإبراهيم فحسب (مثلما يرتبط به معظم الإسرائيليين) لكنه يرتبط كذلك بالملك داود. ويعتقد العديد من المُفَسّرين أن متى كان يضع في الاعتبار جمهور اليهود في المقام الأول عند كتابة إنجيله؛ ومن هنا جاء تركيزه الشديد على ترسيخ أوراق اعتماد يسوع الناصري بوصفه المسيا.
اقرأ الفقرات التالية. كيف تساعدنا على فهم النقطة التي كان متى يحاول التأكيد عليها؟
٢صموئيل ٧ : ١٦ و ١٧
إشعياء ٩ : ٦ و ٧
إشعياء ١١ : ١ و ٢
أعمال الرسل ٢ : ٢٩ و ٣٠
يساعدنا كل هذا على فهم السبب الذي جعل متى يبدأ إنجيله بالطريقة التي بدأه بها: «كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ» (متى ١ : ١). أولاً وقبل كل شيء، يُوصَف المسيح على أنه «ابن داود.» وكما يبدأ العهد الجديد بهذا الوصف المقدّم عن المسيح، نجد المسيح في نهاية العهد الجديد يقول هذه الكلمات أيضاً: «أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ. أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ» (رؤيا ٢٢ : ١٦). وبالإضافة إلى كل شيء آخر يتصف به المسيح، يبقى المسيحُ «أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ.»
يا لها من شهادة قوية لطبيعة المسيح البشرية ولناسوته الذي كان لازماً لإتمام خطة الخلاص؛ فقد ربط خالقنا نفسه بنا بطرق نحن بالكاد يمكننا أن نتصورها.
سِلْسِلَةُ النّسَب الأولى للمسيح
من الذي يأتي في سِلْسِلَةِ نَسَب المسيح قبل داود؟ متى ١ : ٢ و ٣.
عادة، لم تُدْرَجْ النساء تدرجن في سلسلة الأنساب؛ إذاً، ما الذي يجعل اسم امرأة تدعى ثَامَارْ يدرج هنا؟ ومَن هي في الأساس؟
كانت ثَامَارْ امرأة كنعانية تزوجت، بالتتابع، باثنين من ابناء يهوذا، حيث مات زوجها الأول فتزوجت بأخيه. وقد مات كلاً من هذين الابنين في الشر بينما كانت ثامار بدون أطفال. وقد وعدها حماها، يهوذا، بأنه سيزوجها بابنه الثالث عندما يكبر هذا الابن. لكن هذا لم يحدث أبداً.
إذاً، ما الذي فعلته ثامار؟ لقد قامت بتغطية وجهها وتنكرت في زي عاهرة وضاجعت يهوذا الذي لم تكن لديه أدنى فكرة بأن هذه المرأة هي كَنَّتُه ثامار. وبعد بضعة أشهر، وبعد أن اتضح أن ثامار حُبلى، اتخذ يهوذا قراراً بأن تموت حرقاً بسبب فعلتها اللاأخلاقية؛ ذلك بالطبع قبل أن تُعلن ثامار ليهوذا بأنه والد الطفل.
ومهما بدا ذلك وكأنه تمثيلية درامية مُتَدَنٍّيةٌ، إلا أنه لا يزال جزءاً من النَسَب البشري للمسيح.
اقرأ متى ١ : ٤ و ٥. مَن هي أيضاً الشخصية التي يتم إدراجها وتعتبر مستغربة ومُفَاجَأَة إلى حد ما؟
إنها راحاب، الزانية الكنعانية. هذا على الأقل ما كان يبدو فِي ظاهِرِ الأَمْر. فإنه بعد أن ساعدت راحاب في حماية الجاسوسين في كنعان، انضمت إلى شعب الله، ويبدو أنها تزوجت من شخصٍ جاء المسيح من نسله.
من هما أيضاً السيدتان اللتان جاء المسيح من نسلهما؟ متى ١ : ٥ و ٦.
كانت راعوث امرأة فاضلة ولكنها، ولخطأ ليس خطأها، جاءت من أمة موآب المكروهة - وهي الأمة التي جاءت إلى الوجود نتيجة علاقة محرّمة بين لوط الذي كان في حالة سكر وبين إحدى ابنتيه. وبالطبع كانت زوجة أوريا، بثشبع، هي المرأة التي استدعاها داود بأنانية بينما كان زوجها أوريا في المعركة. فقد كان داود، أيضاً، خاطئاً بحاجة إلى مخلّص. ورغم أن داود كان يتمتع بالعديد من الصفات الحميدة المتميزة، لكن من المؤكد هو أنه لم يكن نموذجاً لرَبّ الأسرة المثالي.
ونحن بعد خطاة
ما الذي تقوله الفقرات الكتابية التالية عن الطبيعة البشرية؟ ما هي الأدلة القوية التي لدينا حول صِحّة وصِدْق هذه الأمور المتعلقة بالطبيعة البشرية؟ رومية ٣ : ٩ و ١٠؛ ٥ : ٨؛ يوحنا ٢ : ٢٥؛ إرميا ١٧ : ٩.
إن ما نحتاج إلى أن نؤكد عليه، رغم أنه سبق وتم التأكيد عليه كثيراً ولكنه جديرٌ بالتكرار، هو أن الكتاب المقدس لا يرسم صورة وردية للإنسانية أو للطبيعة البشرية. فإن الحالة المحزنة للبشرية جلية وواضحة منذ السقوط في جنة عدن (تكوين ٣) وصولاً إلى سقوط بابل في الأيام الأخيرة (رؤيا ١٨). وعلى الرغم من أننا نميل، على سبيل المثال، إلى جعل الأيام الأولى للكنيسة قبل «الارتداد» مثالاً لنا (٢تسالونيكي ٢ : ٣)، إلا أن ذلك خطأ (انظر ١كورنثوس ٥ : ١)، فنحن جميعاً بشر ساقطون ومنسحقون، وهذا يشمل النَّسَب الذي جاء منه المسيح.
كتب الباحث مايكل ويلكينز الآتي: «لا بد وأن صِدْق وتَميُّز هذا النَّسَب قد أذهل قرّاء إنجيل متى. فقد كان أسلاف المسيح بشراً لهم نقائصهم البشرية وكذلك الامكانات التي للأشخاص العاديين. وقد عمل الله من خلالهم على تحقيق خلاصه. ليس هناك وَتِيرَةً متواصلة من البِرِّ في نسب المسيح. فإننا نجد في نسبه زناة وزانيات وأبطالاً وأمميين. فقد كان رحبعام الشرير هو والد الشرير أَبِيَّا الذي كان والد الملك الصالح آسَا. وكان آسَا والد الملك الصالح يهوشافاط...، الذي كان والد الملك الشرير يَهُورَامُ. لقد كان الله يعمل على مَرّ الأجيال، الصالحة والشريرة، لتحقيق مقاصده. ويُظهر لنا إنجيل متى كيف أنه يمكن لله استخدام أي شخص- مهما كان مهمشاً أو محتقَراً - لتحقيق مقاصده. أولئك هم الأشخاص الذين جاء المسيح لخلاصهم» [تفسير زوندرفان المصور لخلفيات الكتاب المقدس: متى (غراند رابيدز: زونديرفان، ٢٠٠٢)، صفحة ٩].
تلك هي النقطة التي علينا أن نتذكّرها، ليس فقط عندما ننظر إلى الآخرين ولكن عندما ننظر إلى أنفسنا كذلك. فهل مِن مسيحي لا يشعر بالإحباط في مرحلة ما من مراحل سيره مع الرب؟ وهل من مسيحي لا يتشكك في إيمانه ويتساءل ما إذا كان حقاً قد اهتدى؟ وفي كثير من الأحيان، تكون طبيعتنا الساقطة وخطايانا ونقائصنا هي في الواقع ما يعمل على شعورنا بالإحباط. وبالتالي فإنه يمكننا، بل وينبغي لنا في خضم هذا اليأس، أن نستمد الرجاء من حقيقة أن الله يعرف كل هذه الأمور وبأن المسيح قد جاء إلى هذا العالم من أجل خلاصنا.
ميلاد الابن الإلهي لداود
نقرأ في الأصحاحين الأول والثاني من إنجيل متى الأحداث المتعلقة بميلاد المسيح. من المحتمل أن المسيح لم يُولد في ٢٥كانون الأول (ديسمبر). فاستناداً إلى التوقيت الذي أجرى فيه زكريا الكاهن خدمات الهيكل، يرى علماء الكتاب المقدس أن المسيح ربما يكون قد وُلد في فصل الخريف عندما كانت الأغنام لا تزال في الحقول، وربما كان ذلك في أواخر أيلول (سبتمبر) أو تشرين الأول (أكتوبر).
إن المفارقة الكبيرة هي أن بعضاً من أوائل الناس الذين سعوا إلى عبادة المسيا اليهودي كانوا من الأمم. وفي حين كان معظم الشعب الذي ينتمي إليه المسيح (وكذلك الملك هيرودس، الذي كان نصف يهودي، والذي كان مصاباً بجنون العظمة) كانوا يعتقدون أنهم يعرفون مَن هو المسيا الذي يترقبون مجيئه، إلا أن هؤلاء المسافرين من الشرق كانوا يتسمون بقلوب وأذهان مفتوحة. كان المجوس، أو الرجال الحكماء، فلاسفة موقرين من بلاد فارس، وكانوا مكرِّسين حياتهم للسعي في طلب الحق أياً كانت الجهة التي يأتي منها. فلا عجب إذن في أنهم وجدوا أنفسهم يسجدون لمَن كان هو نفسه «الحق» متجسداً. وعلى الرغم من أن السياق مختلف، إلا أنه يمكننا أن نرى هنا مثالاً على حقيقة الكلمات التي نُطِق بها قبل ذلك بقرون سابقة، «وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ» (إرميا ٢٩ : ١٣).
اقرأ متى ٢ : ١-١٤. ما هو التناقض الذي نجده بين موقف هؤلاء المجوس وبين موقف الملك هيرودس؟
لقد سجد هؤلاء الوثنيون وتعبدوا للمسيح، وذلك على نقيض ملك الأمة الذي سعى بدلاً من ذلك إلى قتل المسيح! وينبغي لهذه القصة أن تكون بمثابة تذكير قوي بأن الانتماء إلى كنيسة ليس ضماناً على أن علاقة المرء بالله على ما يرام. ويجب أن تكون بمثابة تذكير أيضاً بأن الفهم الصحيح للحق هو أمر ذات أهمية بالغة. فإنه لو كان لدى كلاً من هيرودس والكهنة فهماً أفضل للنبوات المتعلقة بالمسيا، لأدرك هيرودس أن المسيح لم يكن ليشكّل الخطر والتهديد اللذين كان هيرودس يخشاهما. ولكان هيرودس سيدرك عندها أن «ملك اليهود» هذا لم يكن شخصاً يدعو للقلق أو مصدراً للإزعاج، على الأقل فيما يتعلق بمسألة اهتمام هيرودس بالاحتفاظ بسلطته السياسية المباشرة.
لمزيد من الدرس
تمعن في هذا الاقتباس المأخوذ من كتابات روح النبوة، «بهذه الكيفية يمكن لكل خاطئ أن يأتي إلى المسيح ‘لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا’ (تيطس ٣ : ٥) . فعندما يأتيك الشيطان قائلا لك إنك خاطئ ولا رجاء لك في الحصول على بركة الله قل له أن المسيح قد أتى إلى العالم ليخلص الخطاة. إننا لا نملك شيئا به يمكننا أن ننال حظوة لدى الله ، ولكن الحجة التي يمكننا أن نقدمها الآن وفي كل وقت هي حالتنا ، حالة العجز التام التي تجعل قوته الفادية أمرا لازما لنا كل اللزوم» (مشتهى الأجيال، صفحة ٢٩٤). يا لها من فكرة قوية: إن «حالة العجز التام» هي التي تجعل من الضروري أن يكون المسيح فادياً لنا. لا يختلف هذا الحق سواء عندما نأتي إلى المسيح لأول مرة، أو إذا كنا نسير معه طوال حياتنا. فإننا مثل أولئك الأشخاص الواردة أسماؤهم في نَسَب المسيح من الجانب البشري، خطاةٌ بحاجة إلى النعمة. رغم أن إطاعتنا للناموس وتغلّبنا على الخطية وعلى التجربة وكذلك نمونا في المسيح، هي من مكونات الحياة المسيحية، إلا أنها نتائج الخلاص وليست سبباً له. فسواء كان اللص على الصليب أو «قديس» سينتقل إلى السماء عند المجيء الثاني للمسيح إلّا أن حالتنا جميعاً هي «حالة العجز التام التي تجعل قوته الفادية أمراً لازما لنا كل اللزوم.» إنه لمن الضروري للغاية عدم نسيان هذه الحقيقة الأساسية.
بداية الخدمة
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: متى ٣ : ١-١٢؛ ٢بطرس ١ : ١٩؛ فيلبي ٢ : ٥-٨؛ متى ٤ : ١-١٢؛ إشعياء ٩ : ١ و ٢؛ متى ٤ : ١٧-٢٢.
آية الحفظ: « ‘هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ’ » (متى ٤ : ١٩).
يسعى البشر جاهدين إلى معرفة المعنى والهدف من حياتهم، وكذلك كيفية عيش هذه الحياة. فعلى كل حال، نحن لا نأتي إلى الحياة وبرفقتنا تعليمات مكتوبة وموضوعة تحت أذرعنا حول كيفية العيش، أليس كذلك؟ قال صبي في السابعة عشرة من العمر، يأتي من عائلة ثرية، «أنا لم أكن أفهم معنى الحياة، وما زلت لا أفهم معناها. ولكني كنت أعتقد أن الجميع كانوا يعرفون معنى الحياة وأنه كان هناك سرٌ كبيرٌ يعرفه الجميع ما عداي أنا. لقد ظننت أن الجميع كانوا يدركون سبب وجودهم هنا على الأرض وبأنهم كانوا في مكان ما يسعدون سراً من دوني.»
اعترف بول فايراباند، المؤلف وفيلسوف العلوم النمساوي، في سيرته الذاتية بالقول: «وهكذا يمر يوم تلو الآخر وليس من الواضح لماذا على المرء أن يعيش.» ولكننا نجد في الكتاب المقدس وبشارة الإنجيل وقصة المسيح وما قام به من أجلنا، إجابة على هذا السؤال. فإننا نجد في المسيح - في وجوده قبل كل الدهور وفي ميلاده وفي حياته وفي موته وفي خدمته في السماء وفي مجيئه الثاني - أجوبة على أكثر أسئلة الحياة إلحاحاً. سنلقي في هذا الأسبوع نظرة إلى بداية حياة المسيح الأرضية وعمله هنا على الأرض. وسنعرف كيف أن حياته وعمله هما الوحيدان اللذان يمكنهما إعطاء معنى تام لحياتنا وعملنا.
*نرجو التعمّق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٩ نيسان (أبريل).
يوحنا المعمدان و «الْحَقِّ الْحَاضِرِ»
يبدأ الأصحاح الثالث من إنجيل متى بالإشارة إلى يوحنا المعمدان، والذي تبدأ أول كلمات مدونة له بفعل الأمر «تُوبُوا!» (متى ٣ : ٢). وبطريقة ما، يُعَد ذلك ملخّصاً لِمَا كان الله يقوله للبشرية منذ السقوط: توبوا، اقبلوا غفراني، تخلصوا من خطاياكم، وستجدون فداء وراحة لنفوسكم.
ومع ذلك، وبغض النظر عن مدى عالمية وشمولية هذه الرسالة، يضع يوحنا تمييزاً واضحاً لها فيقول أنها رسالة «الحق الحاضر» (٢بطرس ١ : ١٢)، لتكون بذلك رسالة لأولئك الناس في ذلك الوقت أيضاً.
اقرأ متى ٣ : ٢ و ٣. ماذا كانت رسالة «الحق الحاضر» التي كان يُبشّر بها يوحنا، بالإضافة إلى دعوته للتوبة والمعمودية والاعتراف؟ (انظر كذلك متى ٣ : ٦).
يقوم يوحنا المعمدان هنا بعمل شيء تم القيام به في كل العهد الجديد. إنه يقتبس من العهد القديم. إننا نجد نبوات العهد القديم تنبعث فيها الحياة في العهد الجديد: فمراراً وتكراراً نجد كلاً من المسيح أو بولس أو بطرس أو يوحنا يقتبسون من العهد القديم للمساعدة في إثبات صحة أو تفسير أو حتى برهنة معنى الأمور التي كانت تحدث في العهد الجديد. لا عجب في أن بطرس، حتى في سياق المعجزات التي كان قد شهدها بصفة شخصية، يؤكد عند حديثه عن خدمة المسيح على أنه «عِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ» (٢بطرس ١ : ١٩).
اقرأ متى ٣ : ٧-١٢. ما هي الرسالة التي وجهها يوحنا المعمدان إلى القادة؟ ورغم كلماته القاسية، ما هو الرجاء الذي يقدمه لهم هنا، كذلك؟
لاحظ كيف كان المسيح محوراً لكل شيء كان يوحنا المعمدان يبشّر به. فإن كل شيء نطق به آنذاك كان يتعلق بالمسيح وبهَويته وبما كان سيقوم به. وعلى الرغم من أن ما نطق به يوحنا كان هو البشارة والأخبار السارة، إلا أنه أوضح أنَّ هناك دينونة أخيرة ستأتي، أي أنه سيكون هناك فصل نهائي بين الحنطة والزَوَانِ، وبأن مَن سيقوم بهذا الفصل هو مَن تم التنبؤ عنه [أي المسيح]. ونجد هنا المزيد من الأدلة على أن البشارة لا تنفصل عن الدينونة. ونجد هنا أيضاً مثالاً على كيف أن حَدَثَاَ المجيء الأول والمجيء الثاني للمسيح يُنظر إليهما في الكتاب المقدس على أنهما حدث واحد. فإننا نرى هنا أن يوحنا، في السياق المباشر للمجيء الأول للمسيح، يتحدث عن المجيء الثاني كذلك.
التباين في البرّية
«ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ» (متى ٤ : ١).
تخيل هذا المشهد من منظور الشيطان نفسه. فإن الإله المُمجّد الذي عَرَفَه الشيطان على أنه ابن الله قد وضع نفسه آخذاً صورة البشر كي يخلّص الجنس البشري. كان هذا هو نفس المسيح الذي حارب الشيطان ضده في السماء وهو نفسه الذي طرح الشيطانَ وملائكته إِلَى الأَرْضِ (انظر رؤيا ١٢ : ٧-٩). لكن، مَن كان المسيح الآن في نظر الشيطان؟ لقد كان كائناً بشرياً هزيلاً ووحيداً في البرّية دون دعم واضح؟ ومن المؤكد أن المسيح سيكون الآن هدفاً سهلاً لمكر الشيطان.
«إن الشيطان وابن الله عندما تقابلا ليتحاربا أولا كان المسيح رئيس جند السماء. والشيطان، قائد العصيان في السماء قد طُرِد آنئذٍ، أما الآن فقد انعكست الحالة كما كان يبدو، فالشيطان يفاخر بامتيازاته المزعومة وبحسن استخدامها» (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ١٠٠). يا له من تباين: فعلى الرغم من أن الشيطان قد سعى ذات مرة إلى أن يصير «مِثْلَ الْعَلِيِّ» (إشعياء ١٤ : ١٤)، قام المسيح بإخلاء ذاته من مجد السماء. يمكننا هنا في هذا المشهد الواحد أن نرى الفرق الشاسع بين الأنانية ونكران الذات؛ الفرق الشاسع بين ما هي القداسة وبين ما تفعله الخطية.
قارن إشعياء ١٤ : ١٢-١٤ مع فيلبي ٢ : ٥-٨. ماذا تخبرنا هاتان الفقرتان عن الفرق بين صفات المسيح وصفات الشيطان؟
تخيّل كيف نظر الملائكة، الذين عَرفوا المسيح في مجده السماوي، إلى ما كان يحدث عندما كان هذان الخصمان يقفان الآن وجهاً لوجه في جو صراع من هذا النوع، صراع لم يختبره أياً منهما من قبل. وعلى الرغم من أننا قد حظينا بامتياز معرفة ما آلت إليه الأمور في ذلك الصراع، إلا أن الملائكة - بل وجميع مَن في السماء - لم يكونوا قد حَظَوا بذلك؛ وهكذا فإنه لا بد وأنهم قد تابعوا هذا الصراع باستغراب واهتمام بالغين.
التّجربة
اقرأ متى ٤ : ١-١٢. ما الذي حدث في هذه التجارب؟ لماذا كان يجب أن يَمُرّ المسيحُ بهذه التجارب؟ ما علاقة هذه القصة بالخلاص؟ كيف تَحَمّل المسيح وصمد في وجه هذه التجارب المهولة في مثل هذه الظروف الصعبة، وماذا ينبغي لهذا الأمر أن يخبرنا عن تَحَمُّل التجارب؟
تبدأ الآية في متى ٤ : ١ بما يبدو وكأنه فكرة غريبة: فقد كان الروح القدس هو الذي اقتاد المسيح إلى البرّية ليُجرّب من الشرير. هذا في حين أنه من المفترض أن نصلي بأن لا ندخل في تجربة. « ‘وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ’ » (متى ٦ : ١٣). لماذا، إذن، قاد الروح القدس المسيح بهذه الطريقة؟
إننا نجد إجابة على هذا السؤال في الأصحاح السابق، وذلك عندما جاء المسيح إلى يوحنا ليعتمد. فعندما رأى المسيحُ أن يوحنا لا يرغب في أن يعمِّده لشعور يوحنا بأنه غير مستحق لأن يقوم بذلك، قال له المسيح، « ‘اسْمَحِ الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ’ » (متى ٣ : ١٥). وكان معنى أن يُكَمِّلَ المسيح كل بِرِّ هو أن يقوم المسيحُ بكل ما يلزم من أجل أن يكون المسيحُ مِثَالَ البشرية الكامل، ومُمَثِّلها الكامل أيضاً. ولهذا كان عليه أن يعتمد على الرغم من أنه كان بلا خطية.
وفي تجربة البرّية، كان على المسيح أن يختبر ما اختبره آدم. وكان بحاجة إلى إحراز النصرة على التجربة، وهي النصرة التي فشلنا جميعاً، من آدم فصاعداً، في إحرازها. وهكذا، فإنه من خلال قيام المسيح بذلك «كان عليه أن يعوّض عن سقوط آدم ويفتديه» (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ٩٨). لكن المسيح قد فعل ذلك في ظل ظروف تختلف تماماً عن الظروف التي كانت تحيط بآدم. وقد برهن المسيح بهذا الانتصار أنه لا عذر لدينا للخطية أبداً، وبأنه لا يوجد أي مبرر لارتكابها؛ وعندما نُجرّب فيجب علينا أن لا نسقط في الخطية بل يمكننا بالإيمان والخضوع لله أن نتغلب عليها ونحرز النصرة. وكما قيل لنا: «قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ. اِقْتَرِبُوا إِلَى اللهِ فَيَقْتَرِبَ إِلَيْكُمْ» (يعقوب ٤ : ٧ و ٨).
أَرْضُ زَبُولُونَ، وَأَرْضُ نَفْتَالِيمَ
تخبرنا الآية في متى ٤ : ١٢ عن سجن يوحنا المعمدان، وبالتالي نهاية خدمته. وعند هذه النقطة تبدأ خدمة المسيح «رَسْمِيًّا». لا تخبرنا الفقرة الكتابية عن السبب الذي جعل المسيح يذهب إلى الجليل عندما سمع أنه قد تم إلقاء القبض على يوحنا، لكنها تخبرنا فقط أنه ذهب إلى هناك. (انظر أيضاً مرقس ١ : ١٤-١٦ ولوقا ٤ : ١٤.) ربما أراد المسيح أن يبقى بعيداً عن الأنظار حين كان يوحنا لا يزال يبشّر، كي لا تكون هناك مزاحمة بينهما. إن الفعل اليوناني في متى ٤ : ١٢، والذي غالباً ما يترجم «انْصَرَفَ» يمكن أن يُوحي بفكرة «الانسحاب»، بمعنى تجنّب الخطر. وهكذا، ربما يكون المسيح، بحكمته المعتادة، كان يسعى إلى تجنّب المشاكل.
اقرأ متى ٤ : ١٣-١٦ (انظر كذلك إشعياء ٩ : ١ و ٢)، وهذا ما يتعلق بإقامة المسيح في منطقة زبولون ونفتالي. ما الذي تقوله هاتان الفقرتان الكتابيتان عن خدمة المسيح؟
كان زبولون ونفتالي ابنان من أبناء يعقوب (انظر تكوين ٣٥ : ٢٣-٢٦). وقد أصبح نسلاهما سبطين من الأسباط التي استقرت في المنطقة الشمالية الجميلة في نهاية المطاف.
وللأسف، كان هذان السّبطان من بين الأسباط العشرة الذين تخلوا عن إيمانهم بالله واتجهوا إلى أمور العالم. وقد قام العديد من أنبياء العهد القديم بالتنديد بشدة بالآثام والشرور والنزعات الدنيوية التي لهذه الأسباط الشمالية. وقد تم غزوهم مِن قِبل الآشوريين الذين قاموا بعد ذلك بتشتيتهم في العالم المعروف آنذاك. وفي المقابل، استقر الأمميون في إسرائيل وهكذا أصبحت الجليل خليطاً من السكان. لقد أصبحت مكاناً منحرفا ومظلماً. وكان يونان هو أشهر أنبياء الجليل، وهذا الأمر يخبرنا شيئاً عن مستوى تكريسهم لله.
وأياً كانت المشاكل في الجليل، كانت هناك تلك النبوة الجميلة في إشعياء- بأنه حتى أولئك الذين في أرض زبولون ونفتالي المظلمة «...الْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ الْمَوْتِ وَظِلاَلِهِ...» قد «أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ» (متى ٤ : ١٦). وبعبارة أخرى، جاء المسيح وعاش وخدم في المكان الذي كانت الحاجة فيه إلى خدمة ماسّة ومُلِحّة، وحيث كان يُنظر إلى الناس هناك على أنهم قُساة القلوب ومتخلفين وغير مثقفين.
وعلى الرغم مما كان عليه المسيح من رِفعة وإجلال، إلا أننا نرى استعداده لأن يضع نفسه من أجل الآخرين. ونجد هنا أيضاً مثالاً آخر حول كم كان العهد القديم مركزياً فيما يتعلق بدلالته الدائمة وإشارته إلى خدمة المسيح العتيدة.
دعوة الصيادين لإتباع المسيح
«تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ» (متى ٤ : ١٧). بدأ المسيح خدمته بالدعوة إلى التوبة، تماماً كما فعل يوحنا المعمدان. لقد كان المسيح، كما كان يوحنا، مدركاً للحالة الساقطة للبشر ولحاجة جميع الناس إلى التوبة ومعرفة الله. وبالتالي، فإنه ليس من المستغرب أن يكون أول تَصْرِيح علني أدلى به المسيح، على الأقل ذلك التصريح المدوّن هنا في إنجيل متى، هو عبارة عن دعوة إلى التوبة.
اقرأ متى ٤ : ١٧-٢٢. ماذا تخبرنا هذه الفقرات الكتابية عن التأثير الشامل لدعوة المسيح، على حياتنا؟
هنا، في أرض الجليل المُهملَة، كانت هناك شراكة صغيرة بين أربعة شباب، كان كل اثنين منهما أخوين شقيقين. ويبدو أن هؤلاء الرجال كانوا يرغبون في التعرّف على الله، لأننا نجد أن واحداً منهم قد تبع يوحنا المعمدان لفترة من الوقت. لكن ما أدهشهم هو أن يوحنا المعمدان قد أرشدهم إلى شاب آخر من منطقتهم.
وكان هؤلاء الرجال قد جاءوا إلى المسيح الناصري وطلبوا قضاء بعض الوقت معه (انظر يوحنا ١). والثقافة التي كان سائدة آنذاك هي أن يأتي الرجال إلى أحد معلمي الشريعة ويطلبون أن يتبعوه. لكن القرار النهائي كان يعود لمعلم الشريعة بشأن مَن سيكونون تلاميذه. وكانت لحظة اختيار معلّم الشريعة لشخص ما، كي يكون تلميذاً له تُعَد لحظة رائعة للغاية بالنسبة لذلك الشخص.
يعتقد الكثيرون أن أول لقاء للتلاميذ بالمسيح كان عندما دعاهم عند البحر لإتّباعه. لكننا نعرف من خلال الأصحاحات الخمسة الأولى لإنجيل يوحنا أن هؤلاء الرجال كانوا قد أمضوا سنة مع المسيح، لكن على ما يبدو أنهم لم يكونوا متفرغين بالتمام لإتّباعه وإنما كانوا يتبعونه لبعض الوقت.
«لقد اختار يسوع أولئك الصيادين العديمي العلم لأنهم لم يكونوا قد تعلموا في مدرسة التقاليد والعادات الخاطئة التي كانت شائعة في زمانهم. كانوا ذوي مقدرة فكرية ومتواضعين وقابلين للتعلم - رجالا يمكنه أن يدربهم على عمله. وفي مسالك الحياة المادية كثيراً ما يحدث أن رجلاً يسير في عمله اليومي وهو صابر، دون أن يحس بأنه يملك مواهب لو دربت ونشطت فسترفعه لأن يكون صنوا لأكرم رجال العلم. إن الحال يحتاج إلى لمسة يد ماهرة لإيقاظ القوى الخامدة والملكات العظيمة الهاجعة. أمثال هؤلاء كان الرجال الذين دعاهم يسوع لمشاركته في عمله وأعطاهم امتياز معاشرته» (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ٢٢٢).
لمزيد من الدرس
جاء أحد المبشرين إلى إحدى المدن وأعلن عن الاجتماعات التي كان مزمعاً أن يعقدها قائلاً: «تعالوا وشاهدوا كيف يقوم القس بتمزيق صفحة من الكتاب المقدس!» وبلا شك، عمل هذا الإعلان على جلب حشد من الناس. ثم وقف المبشِّر أمامهم وفتح الكتاب المقدس. والأمر الذي أدهشهم حقاً هو أنه مَزَّقَ صفحة من الكتاب المقدس. وقال لهم، «إن هذه الصفحة لا تنتمي إلى هذا المكان، فهي الصفحة التي تفصل العهد القديم عن العهد الجديد.» ومهما ظنَّ المرء بشأن التمثيل المسرحي الذي قام به هذا المبشّر، إلا أنه كانت لديه وجهة نظر جيدة. فإن كلاً من العهد القديم والعهد الجديد هما في الواقع كتاب واحد. فإننا نجد العهد القديم مُقْتَبَسَاً في كافة أجزاء العهد الجديد. ونجد بصفة متكررة أن المسيح نفسه أو كَتَبَة العهد الجديد يقومون بتوضيح أو تبرير حدث في العهد الجديد من خلال الإشارة والرجوع إلى العهد القديم. فعلى سبيل المثال، كم مرة أشار المسيحُ بشكل أو بآخر إلى أنه ينبغي «أَنْ يَتِمَّ ...الْمَكْتُوبُ»؟ إنّ العهد الجديد يرتبط باستمرار بالعهد القديم، ويمكننا معرفة ذلك من خلال المسيح نفسه الذي أشار بشكل متكرر إلى كتاباتِ العهد القديم (انظر يوحنا ٥ : ٣٩؛ لوقا ٢٤ : ٢٧؛ متى ٢٢ : ٢٩؛ يوحنا ١٣ : ١٨)، وكذلك من خلال بولس الذي كان دائماً يقتبسُ من العهد القديم (رومية ٤ : ٣؛ ١١ : ٨؛ غلاطية ٤ : ٢٧)، وأيضاً من خلال النظر إلى سفر الرؤيا الذي يشتمل على ما يقدّر بخمسمائة وخمسين إشارة إلى العهد القديم. وعلى الرغم من أنه لا شك في أن بعض أجزاء من العهد القديم لم تعد مُلْزِمَة بالنسبة للمسيحيين، مثل نظام الذبائح، إلا أنه لا يجب علينا أبداً الوقوع بأي شكل من الأشكال، في فَخِّ وضع العهد القديم في مكانة أدنى من تلك التي للعهد الجديد. إنَّ الكتاب المقدس يتكون من العهدين معاً، ومنهما نتعلم الحقائق العظيمة المتعلقة بخطة الله للخلاص.
الدرس الثاني
٢-٨ نيسان (أبريل)
الدرس الثالث
٩-١٥ نيسان (أبريل)
الموعظة على الجبل
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: متى ٥-٧؛ رومية ٧ : ٧؛ تكوين ١٥ : ٦؛ ميخا ٦ : ٦-٨؛ لوقا ٦ : ٣٦؛ متى ١٣ : ٤٤-٥٢؛ رومية ٨ : ٥-١٠.
آية الحفظ: «فَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذِهِ الأَقْوَالَ بُهِتَتِ الْجُمُوعُ مِنْ تَعْلِيمِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ» (متى ٧ : ٢٨ : ٢٩).
في سفر الخروج، نرى الله يقود بني إسرائيل ويُخْرجهم من مصر و «يعمّدهم» في البحر الأحمر ويأتي بهم إلى الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ويصنع عجائب ومعجزات ويلتقي معهم شخصياً على قمة جبل حيث يعطيهم شريعته.
وفي سفر متى، نرى المسيح يخرج من مصر ويعتمد في نهر الأردن ويذهب إلى البرّية لمدة أربعين يوماً، ويعمل عجائب ومعجزات ويلتقي شخصياً ببني إسرائيل على قمة جبل، حيث يقوم بالتأكيد والتشديد على تلك الشريعة نفسها. لقد سار المسيح في التاريخ اليهودي وأصبح يهودياً، وفيه تحققت كل وعود العهد.
إن الموعظة على الجبل هي أقوى موعظة تم وعظها على الإطلاق. فإن كلمات المسيح لم تؤثر بشكل عميق على سامعيها فحسب ولكنها تؤثر تأثيراً عميقاً في كل مَن يسمعون رسائلها المغيّرة للحياة عبر القرون المنصرمة بل وحتى إلى عصرنا الحالي.
ومع ذلك، فلا يجب علينا فقط الاستماع إلى هذه الموعظة؛ بل يجب علينا تطبيقها أيضاً. وفي هذا الأسبوع، وبالإضافة إلى دراستنا لما قاله المسيح في الموعظة على الجبل (متى ٥-٧)، سندرس أيضاً ما قاله المسيح في متى ١٣ فيما يتعلق بتطبيق أقواله على حياتنا.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ١٦ نيسان (أبريل).
مبادئ وقِيَم
اقرأ «الموعظة على الجبل» في متى ٥-٧. لخّص في السطور أدناه ما علق بذهنك من «الموعظة على الجبل».
«ربما ليس هناك خطاب ديني آخر في تاريخ البشرية قد حظي بالاهتمام الذي حظيت به الموعظة على الجبل. فإنَّ الفلاسفة والدّارسين من العديد من غير المسيحيين قد أُعْجِبوا بأخلاقيات المسيح رغم رفضهم الإيمان به والتعبّد له. ففي القرن العشرين، كان المهاتما غاندي أشهر المعجبين غير المسيحيين بالموعظة على الجبل.» [كريغ ل. بلومبرغ، الموسوعة الأمريكية الجديدة (ناشفيل: مجموعة بي آند إتش للنشر، ١٩٩٢)، مجلد ٢٢، صفحة ٩٣ و ٩٤].
يُنظر إلى الموعظة على الجبل بعدة طرق. يرى البعض أنها معيار أخلاقي رفيع يستحيل علينا بلوغه، وهو ما يقودنا إلى أن نجثو على ركبنا تواضعاً، ويُجْبِرُنا على المطالبة بِبِرِّ المسيح بوصفه رجاؤنا الوحيد للخلاص، لأننا جميعاً مقصِّرون جداً في بلوغ المعيار الإلهي الذي يدعونا الرب إلى بلوغه في الموعظة على الجبل. وينظر إليها البعض على أنها خطاب في مجال الأخلاقيات المدنية ودعوة للمسالمة. واعتبرها البعض الآخر بشارة اجتماعية تدعو إلى جلب ملكوت الله إلى الأرض بواسطة الجهد البشري.
وبمعنى آخر، تلمس الموعظة على الجبل كل واحد منّا، لأنها تتعامل مع مجالات هامة من حياتنا، ولهذا نتفاعل معها جميعاً، كلٌ بطريقته الخاصة.
كتبت روح النبوة تقول: «في موعظته على الجبل حاول [المسيح] أن يهدم كل ما بناه التعليم الكاذب ، وأن يعطى سامعيه فكرة صحيحة عن ملكوته وصفاته هو... . لقد علمهم شيئا أفضل بما لا يقاس من كل ما قد عرفوه .... وإن حاجتنا لتعلم أساس مبادئ ملكوت الله ليست أقل من حاجة أولئك الناس» (مشتهى الأجيال، صفحة ٢٧٦ و ٢٧٧).
وهكذا فإنه بالإضافة إلى أي شيء آخر يمكننا استخلاصه من الموعظة على الجبل، تقدم لنا هذه الموعظة المبادئ الأساسية لملكوت الله. وهي تخبرنا عن الله وعن صفاته بوصفه الحاكم لملكوته، وهي تخبرنا بما يريد لنا أن نكون عليه بوصفنا رعايا ملكوته. إنها دعوة للتخلي عن المبادئ والمعايير التي للممالك الزائلة لهذا العالم والتمسّك بمبادئ ومعايير الملكوت الذي سيدوم وجوده إلى الأبد. (انظر دانيال ٧ : ٢٧).
الموعظة على الجبل مقابل الناموس
ينظر بعض المسيحيين إلى الموعظة على الجبل على أنها «الناموس الجديد» للمسيح، وبأنًّ هذا الناموس قد حل محل «ناموس الله». ويقولون أن نظام القوانين قد تم استبداله الآن بنظام النعمة، أو يقولون أن ناموس المسيح يختلف عن ناموس الله نفسه. إنَّ وجهات النظر هذه ما هي إلا مفاهيم خاطئة ومغلوطة بشأن الموعظة على الجبل.
ما الذي تقوله النصوص الكتابية التالية عن الناموس، وما الذي تقوله بصورة غير مباشرة عن فكرة أن الموعظة على الجبل قد حلّت، بطريقة أو بأخرى، محل الناموس ( أي الوصايا العشر)؟ (متى ٥ : ١٧-١٩ و ٢١ و ٢٢ و ٢٧ و ٢٨؛ انظر أيضاً يعقوب ٢ : ١٠ و ١١؛ رومية ٧ : ٧).
كتب كريغ س. كينر: «إن معظم الشعب اليهودي قد فهم الوصايا في سياق النعمة...؛ وفي ضوء متطلبات المسيح التي تقتضي التحلي بمزيد من النعمة العملية...، فإن مما لا شك فيه هو أنه كان يقصد متطلبات الملكوت في ضوء النعمة (قارن متى ٦ : ١٢؛ لوقا ١١ : ٤؛ مرقس ١١ : ٢٥؛ متى ٦ : ١٤ و ١٥؛ مرقس ١٠ : ١٥). في القصص الواردة بالأناجيل، نجد المسيح يقبل مَن يتضعون ويعترفون بحق الله في السيادة والسلطان، حتى وإن كانوا عملياً لا يرْقَون إلى الهدف المتمثل في الكمال الأخلاقي (متى ٥ : ٤٨). لكن نعمة الملكوت التي أعلنها المسيح لم تكن النعمة غير العاملة التي تسود جزءاً كبيراً من العالم المسيحي الغربي؛ فإن رسالة الملكوت وفقاً للأناجيل تعمل على تغيير أولئك الذين يتقبلونها بخشوع وتواضع، هذا في الوقت الذي تسحقُ فيه المستكبرين والذين بسبب غرورهم يشعرون بالاكتفاء الديني والاجتماعي» [إنجيل متى: التفسير الاجتماعي-البلاغي (غراند رابيدز: شركة وليام ب. إيرماندز للطبع والنشر، ٢٠٠٩)، صفحة ١٦١ و ١٦٢].
اقرأ تكوين ١٥ : ٦. كيف يساعدنا ما ورد في هذه الآية على إدراك أن الخلاص كان ولا يزال بالإيمان دائماً؟
إن «إيمان يسوع المسيح» لم يكن إيماناً جديداً؛ لقد كان هو نفس الإيمان منذ السقوط فصاعداً. إن الموعظة على الجبل لم تكن تنادي بالخلاص بالنعمة بدلاً من الخلاص بالأعمال. فإن الخلاص كان دائما بالنعمة. وفي البحر الأحمر، كان خلاص بني إسرائيل بالنعمة، وذلك قبل أن يُطْلب منهم أن يطيعوا في سيناء. (انظر خروج ٢٠ : ٢).
بِرُّ الكتبة والفريسيين
اقرأ متى ٥ : ٢٠. ما الذي يعنيه المسيح عندما يقول إنه «إِنْ لَمْ يَزِدْ» بِرُّنا «عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ» فإننا لن نستطيع دخول مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ؟
على الرغم من أن الخلاص كان دائماً بالإيمان، وعلى الرغم من أن الديانة اليهودية، كما كان يجب أن تُمارس، كانت دائماً ديانة نعمة، إلا أن التزمت قد زحف إلى داخل الديانة اليهودية، تماماً كما يمكنه الزحف إلى داخل أي ديانة تأخذ الطاعة على محمل الجد، كما هو الحال مع الإيمان السبتي الأدفنتستي. في زمن المسيح كان الكثيرون من القادة الدينيين (لكن ليس الكل) قد سقطوا في نوع من «صحة المعتقد الذي كان يتمسك به الفريسيون بعنف وصرامة والخالي من الانسحاق والرقة والمحبة» قد تركهم بلا «قوة لحفظ العالم من الفساد» (روح النبوة، خواطر من جبل البركة، صفحة ٤٨٥).
إن المظاهر الخارجية المجردة، وخاصة تلك التي من صنع البشر، ليس لديها القدرة على تغيير الحياة أو تبديل الصفات. إن الإيمان الحقيقي هو ذلك الإيمان الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ (غلاطية ٥ : ٦)؛ إن هذا الإيمان وحده هو الذي يجعل الأعمال الخارجية الظاهرة مقبولة في نظر الله.
اقرأ ميخا ٦ : ٦-٨. بأية طريقة تُعتبر هذه الفقرة مُلخّصَاً للموعظة على الجبل؟
إنه حتى في أزمنة الكتاب المقدس لم تكن الذبائح نهاية أو غاية في حد ذاتها، بل كانت وسيلة لتحقيق هدف، وكان هذا الهدف هو حياة يعكس فيها أتباع الله محبة وصفات المسيح، وهو شيء لا يمكن عمله إلا من خلال الخضوع التام لله وإدراك اعتمادنا التام على نعمته المخلّصة. وعلى الرغم من مظاهر التقوى والإيمان الخارجيين اللذين كان الكثيرون من الكتبة والفريسيين يتحلون بها، إلا أن الكثيرين منهم لم يكونوا مثالا عن كيف ينبغي لتابع الرب أن يعيش.
مبادئ الملكوت
ربما أن أكثر تعاليم المسيح التي نجد صعوبة في فهمها واستيعابها هي تلك الموجودة في متى ٥ : ٤٨. اقرأ هذه الآية. كيف يفترض أن نقوم بذلك، خاصة ونحن خطاة؟
ربما يكون هذا التعليم، من بين كل تعاليم المسيح في الموعظة على الجبل، هو التعليم الأكثر مَدْعاة للدهشة وأكثرها «تطرفاً.» فما معنى أن تكونوا كاملين «كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ»؟
إن العنصر الأساسي لفهم هذه الآية هو النظر إلى الحرف «فَ» الوارد في بداية الآية ٤٨: «فكونوا»، فهو يعني استنتاج وإسْتِخْلاص للكلام الذي جاء قبله. وما الذي جاء قبله؟
اقرأ متى ٥ : ٤٣-٤٧. كيف تساعدنا هذه الآيات على أن نفهم بشكل أفضل ما الذي كان يعنيه المسيح بما ورد ذكره في متى ٥ : ٤٨؟ انظر أيضاً لوقا ٦ : ٣٦.
هذه ليست المرة الأولى التي تُعْلَن فيها فكرة من هذا القبيل في الكتاب المقدس. فإننا نجد الرب في سفر اللاويين (١٩ : ٢) يقول لشعبه، « ‘تَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّي قُدُّوسٌ الرَّبُّ إِلهُكُمْ.’ » وفي لوقا ٦ : ٣٦، قال المسيح، «فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ.»
إن السياق كله هنا، في متى ٥ : ٤٣-٤٨، لا يتعلق بخُضُوعٍ شكلي للقوانين والمعايير، رغم ما لهذا الأمر من أهمية. بدلاً من ذلك، التركيز كله في هذا المقطع الكتابي يتعلق بمحبتنا للناس، ليس فقط أولئك الذين يمكن للجميع أن يحبونهم وإنما أولئك الذين، وفقاً لمعايير العالم، لا يمكننا بشكل عام محبتهم (ومرة أخرى نقول أن الأمر يتعلق بمعايير ملكوت الله، وليس معايير البشر).
الشيء الهام الذي ينبغي تذكّره هنا هو أن الله لا يطلب منَّا أي شيء لا يمكنه هو أن يحققه فينا. فإننا إذا تُرِكَنا لأنفسنا، وإذا تم الهيمنةُ علينا مِن قِبل قلوبنا الآثمة الأنانية، فمن مِنّا سيستطيع محبة أعدائه؟ فهذه ليست هي الطريقة التي يعمل ويتعامل بها العالم. لكن، ألسنا مواطني مملكة أخرى؟ فنحن لدينا الوعد بأنه إذا اخضعنا أنفسنا لله فإن «الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (فيلبي ١ : ٦)، وهل من عمل يقوم به الله فينا أعظم من أن يجعلنا، في محيطنا الخاص، نحب الآخرين، كما يحبنا هو؟
قبول كلام الملكوت
لم تكن قمة الجبل هي المكان الوحيد الذي وعظ فيه يسوع. فقد وعظ بنفس رسالة الملكوت في جميع أنحاء إسرائيل. نقرأ في متى ١٣ أن المسيح كان يعلِّم من داخل سفينة، «وَالْجَمْعُ كُلُّهُ وَقَفَ عَلَى الشَّاطِئِ» (متى ١٣ : ٢). ثم قام المسيح بعد ذلك بسرد الأمثال التي كان يُقصد بها التأكيد ليس فقط على أهمية سماع أقواله بل التأكيد كذلك على أهمية تطبيق هذه الأقوال.
اقرأ متى ١٣ : ٤٤-٥٢. ما الذي يُقال هنا في هذه الأمثال ويعد ذات أهمية كبرى بالنسبة لنا فيما يتعلق بفهم كيفية تطبيق الحقائق المعلنة في الموعظة على الجبل في حياتنا؟
هناك نقطتان تبرزان في أول قصتين من هذه القصص. فإننا نجد في كل من هاتين القصتين أن هناك فكرة الانفصال وتخلّص المرء مما لديه، من أجل الحصول على شيء جديد سواء كان ذلك كنزاً في الحقل أو لؤلؤة كثيرة الثمن. النقطة الحاسمة الأخرى هي القيمة الكبيرة التي وضعها كل شخص من هذين الشخصين على ما وجده. وفي كلتا الحالتين، مضى كل واحد منهما وباع كل ما يملك من أجل أن يحصل على هذا الشيء الجديد ذات القيمة الكبيرة. وعلى الرغم من أنه لا يمكننا شراء الخلاص (إشعياء ٥٥ : ١ و ٢)، إلا أن النقطة التي يركّز عليها المثل واضحة: لا شيء مما لدينا في هذه المملكة الأرضية، في هذا العالم، يستحق أن نخسر من أجله الملكوت القادم.
وهكذا، فلكي نتمكن من تطبيق ما يطلبه الله منا في حياتنا، نحتاج إلى اتخاذ قرار بفصل أنفسنا عن كل أمور العالم، الأمور الجسدية، والسماح بدلاً من ذلك لروح الله بأن يملأنا (انظر رومية ٨ : ٥-١٠). وقد لا يكون هذا سهلاً؛ فإنه سيتطلب موتاً عن الذات وحَمْل المرء لصليبه. لكن إذا كنا دائماً نضع نصب أعيننا القيمة والقَدْر اللذين وُعِدنا بهما فإنه ينبغي أن يكون لدينا كل ما نحتاج إليه من دوافع تجعلنا نُقْدم على اتخاذ القرارات التي يجب علينا اتخاذها.
لمزيد من الدرس
اقرأ الفصل الذي بعنوان «أسرار السعادة» في كتاب مشتهى الأجيال، صفحة ٢٧٥-٢٩١.
في الأمثال الواردة في متى ١٣ : ٤٤-٤٦، نجد في كل مَثَل منها إنساناً وجد شيئاً ذات قيمة كبيرة. وبالنظر إلى السياق، خصوصاً بعد أن سَرد المسيحُ المَثَلَ الثالث (متى ١٣ : ٤٧-٥٠)، نلاحظ أن ما وجده كل واحد منهم كان هو الحق الذي يقود إلى الحياة الأبدية، على نقيض الهلاك الأبدي «في أتون النار.» ويُعَد ذلك أمراً غاية الأهمية لأننا نعيش في عصر تُعتبر فيه فكرة «الحق» في حد ذاتها طرازاً قديماً في أحسن الأحوال؛ أما في أسوأ الأحوال، فتُعتبر فكرة «الحق» أمراً خطيراً. وللأسف، فإن كثيراً من المسيحيين قد اقتنعوا بهذا المفهوم الزائف. ومع ذلك، فإن الرسالة التي تتضمنها كل هذه الأمثال هي أن الحق ليس موجوداً فحسب لكنه (أي الحق) سوف يُحدِث فرقاً بالنسبة لأبدية حياة كل إنسان. لا ينبغي أن يكون هذا مفاجئاً. فإن الكتاب المقدس مرتكزٌ على فكرة الحق المُطْلق. فقد قال المسيح، « ‘أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي’ » (يوحنا ١٤ : ٦). وما لم يكن هذا إعلاناً عن الحق المُطْلق، فماذا عساه يكون؟ وبطبيعة الحال، فإنه عندما يقول شخص ذات قدر كبير من المعرفة كبولس إننا «نَعْلَمُ بَعْضَ الْعِلْمِ وَنَتَنَبَّأُ بَعْضَ التَّنَبُّؤِ» (١كورنثوس ١٣ : ٩)، فسيتضح لنا أن هناك الكثير الذي لا نعرفه أو نعلمه. لكن مجرد تصريح بولس بأننا «نَعْلَمُ بَعْضَ الْعِلْمِ» يتضمن أن هناك المزيد لنتعلمه. وهذا المزيد هو الحق الذي يُحْدث فرقاً حرفياً وفعلياً يقود إما للحياة الأبدية أو للموت الأبدي. وإذا كان الأمر متعلقاً بالحياة الأبدية أو الموت الأبدي، فهل يمكن أن يكون الأمر أكثر أهمية وخطورة من ذلك؟
الدرس الرابع
١٦ـ ٢٢ نيسان (أبريل)
«قم وامش!» الإيمان والشفاء
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: متى ٨؛ لاويين ١٣ : ٤٤-٥٠؛ دانيال ٧ : ٧ و ٨؛ يوحنا ١٠-١٠؛ متى ٩ : ١-٨؛ ١يوحنا ١ : ٩.
آية الحفظ: «أَيُّمَا أَيْسَرُ، أَنْ يُقَالَ: مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَامْشِ؟» (متى ٩ : ٥).
إذا كنت ستقوم بإعداد قائمة بأكثر الأمور المرعبة في الحياة، فماذا عساها تكون تلك الأمور؟ بالنسبة للكثيرين منا، قد تشتمل تلك القائمة على موت أحد أفراد العائلة أو حتى موت المرء نفسه. وعلى الرغم مِن أنّ أمراً كهذا مبرر تماماً، إلا أنه يمكنك أن تلاحظ مدى التركيز والاهتمام بالأمور الدنيوية في هذه القائمة. فالأمر كله يتعلق بحياتنا الآن. فهل ينبغي أن يكون ذلك هو أكثر ما يشغلنا ويخيفنا؟ هل نخشى من أن نخسر حياتنا هنا على الأرض، وخصوصاً وأنها حياة لن تدوم طويلاً على أية حال؟
وإذا كان الله هو مَن سيقوم بإعداد هذه القائمة المتعلقة بأكثر ما يخشاه هو، فإن هذه القائمة ستتضمن بالتأكيد خوف الله من أن يخسر أفراد عائلاتنا أو نخسر نحن الحياة الأبدية. من المؤكد أن الله يكترث بشأن أمراضنا الجسدية وموتنا، لكن أكثر ما يحزنه ويؤلمه هو مرضنا الروحي وموتنا الأبدي. وعلى الرغم من أن المسيح قد شفى الكثيرين، وعلى الرغم من أنه أعاد الحياة إلى كثير من الموتى، إلا أن تلك الأمور كانت مؤقتة فقط. فبطريقة أو بأخرى، مات جميع مَن شفاهم المسيح ومات ثانية جميع مَن أقامهم مِن الموت، باستثناء القديسين الذين أقامهم المسيح عند قيامته. (انظر كتاب مشتهى الأجيال، لالن هوايت، صفحة ٧٤٣ و ٧٤٤.) وعلى الرغم من كل ما حققه المسيح نيابة عنا، إلا أن خطة الخلاص لا تُجَنِّبنا المرض والموت الأرضيين. ومع وضع هذا في الاعتبار، دعونا نلقي نظرة إلى عدد من قصص الشفاء، الجسدي والروحي، لنرى ما هي الدروس الهامة المتعلقة بالإيمان والتي يمكننا استخلاصها من قصص الشفاء هذه.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢٣ نيسان (أبريل).
لمس المنبوذين
بعد أن نطق المسيح بالموعظة على الجبل، حيث وصف مبادئ ملكوت الله، قام بعد ذلك بمواجهة «ملكوت الشيطان»، الذي هو عبارة عن مكان مظلم وبارد مملوء بأشخاص فاسدين يئنون ويتأوهون طلباً في الخلاص. إن مبادئ هذا المكان المظلم والبارد هي في الغالب مناقضة لكل شيء كان المسيح يُنادي به ويدافع عنه. وفي ذلك الوقت، كان مرض البَرَصِ من أحد أقوى الأمثلة التي تُظهر مدى ما أصبح عليه عالم الشيطان من بؤس وسقوط. وعلى الرغم من أن مرض البَرَصِ كان يُستخدم في بعض الأحيان كشكل من أشكال العقاب الإلهي، كما في حالة مريم أخت موسى وهارون (انظر سفر العدد ١٢ : ٩-١٢)، إلّا أن البَرَص يُعَد، في السياق الأوسع للكتاب المقدس، مثالاً قوياً ومرعباً لما يعنيه أن تعيش في عالم ساقط ومتصدع.
اقرأ متى ٨ : ١-٤. ما هي أهمية الحقيقة التي مفادها أن المسيح، عند شفائه للرجل الأبرص، قد قام بلمسه؟ (انظر على سبيل المثال، لاويين ١٣ : ٤٤-٥٠)
لقد ركع الأبرص أمام المسيح وقال، « ‘إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي’ ». والكلمة اليونانية التي تعني «تَقْدِرْ» هي كلمة قوية جداً في معناها ككلمة «الديناميت». وهي تعني مليئاً بالقوة. فكما لو أن الأبرص قد قال للمسيح، «إِنْ أَرَدْتَ فأنت مليء بالقوة ويمكنك تغيير حياتي». وقال المسيح أنه قادر على شفاء الأبرص وقام على الفور بعمل ذلك عينه.
ولا بد وأن حقيقة أن يسوع قد لمس الأبرص قد كان لها تأثير كبير على الجموع الذين رأوا ما حدث. فالمؤكد هو أن المسيح (وكما فعل في معجزة الشفاء التي تلي تلك المعجزة) كان قادراً على أن يقول كلمةً فيُشفى على أثرها الرجل من بَرَصه. فلماذا، إذاً، لمس المسيحُ الرجلَ؟
«إن عمل المسيح في تطهيره للأبرص من ذلك المرض المخيف هو مثال لعمله في تطهير النفس من الخطية. كان الرجل الذي أتى إلى يسوع (مملوءا برصا) . لقد نفذ سم ذلك الداء الوبيل إلى كل جسمه. فحاول التلاميذ الحيلولة بين معلمهم وملامسة الأبرص، لأن كل من يلمس أبرص يصير هو نفسه نجسا. ولكن يسوع لم يتنجس عندما لمس ذلك الأبرص. بل إن لمسته منحته قوة حياة فطهر من برصه. وهكذا الحال مع برص الخطية، فهي متأصلة في القلب ومميتة، ومن المستحيل أن يطهر أحد منها بقوة بشرية» (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ٢٤٠). ربما أن المسيح، ومن خلال لمسه للأبرص، قد أظهر أنه بغض النظر عن مدى سوء خطايانا، فإنه سوف يقترب من أولئك الذين هم على استعداد لأن ينالوا المغفرة والشفاء والتطهير من الخطية.
الرومان والمسيّا
هناك سبب وجيه يجعل سفر دانيال يصرف الكثير من الوقت في الحديث عن روما (انظر دانيال ٧ : ٧ و ٨ و ١٩-٢١؛ دانيال ٨ : ٩-١٢ و ٢٣-٢٥). والسبب في ذلك هو القوة الهائلة التي كانت تتمتع بها الإمبراطورية الرومانية، والتي كانت سائدة حتى في زمن المسيح. ومع ذلك، فقد جاء إلى المسيح ضابطاً رومانياً، لم يكن رمزاً لقوة روما فحسب ولكنه كان تعبيراً عن تلك القوة كذلك. وقد كان هذا الرجل عاجزاً في مواجهة التجارب والمآسي والشائعات التي تعصف بنا جميعاً. وإننا نجد في ذلك درساً حول مدى محدودية ما يمكن للقوى والسلطات الأرضية أن تفعله. فإن أعظم القادة وأكثرهم تأثيراً، أغنى الرجال والنساء، يقفون عاجزين في وجه العديد من صراعات الحياة الشائعة. في الواقع، إنه بدون العون الإلهي لن يكون هناك رجاء لأي واحد منا؟
اقرأ متى ٨ : ٥-١٣. ما هي الحقائق الهامة التي يتم إعلانها في هذه القصة فيما يتعلق بالإيمان وما يعنيه أن يكون لدينا إيمان؟ ما الذي ينبغي لهذا الأمر أن يقوله لنا، كأدفنتست سبتيين، في ضوء ما لدينا من امتيازات؟
كان قائد المئة ضابطاً عسكرياً رومانياً يقوم عادة بالإشراف على ما بين ٨٠ إلى ١٠٠ جندياً. ولكونه قد خدم في الجيش حوالي عشرين عاماً فإنه لم يكن مسموح له بأن تكون لديه عائلة تتكون من زوجة وأولاد. وهكذا، فربما كان خادم قائد المئة هو الفرد الوحيد في عائلة هذا القائد العسكري.
وفي تلك الثقافة، كان الشخصُ المصابُ بالبَرص هو الشخص الوحيد الذي يلقى احتقاراً مِن قِبل اليهود يفوق احتقارهم للأممين؛ لذلك، ربما يكون قائد المئة هذا قد تَصَوّرَ أن المسيح لم يُرِدْ دخول بيته لأنه أممي، على الرغم من أن المسيح قد قال أنه سيفعل. وقد أظهر قائد المئة إيماناً قوياً ينبغي الاقتداء به اليوم، وذلك عندما طلب من المسيح أن ينطق بكلمة بدلاً من حضوره الفعلي إلى بيته ليشفي غلامه. فإن في ما فعله قائد المئة إشارة إلى إيمانه بأن كلمة المسيح هي بنفس قوة لمسته. فبالنسبة لقائد المئة هذا، لم يكن شفاء المسيح لشخص ما أمراً صعباً. فقد كان شبيهاً بقيام ضابط عسكري بإعطاء الأوامر إلى جندي ما للقيام بعمل ما، وهو ما كان يحدث دائماً.
أيضاً، أنظر إلى ما يقوله المسيح في متى ٨ : ١١ و ١٢. إنه تحذير شديد لأولئك الذين اُعطوا امتيازات عظيمة. وكأدفنتست سبتيين، نحن قد حظينا بامتيازات عظيمة إلى حد كبير، ويجب علينا أن نكون حذرين.
الشياطين والخنازير
اقرأ متى ٨ : ٢٥-٣٤. ما الذي تعلِّمنا إياه هاتان القصتان عن قوة الله؟ كيف يمكنك استخلاص الراحة والعزاء مما نراه هنا حول قوة الله، خاصة ونحن نتصارع مع أشياء أقوى منا بكثير؟
في الفكر اليهودي، كانت السيادة والسيطرة على الطبيعة والشياطين من اختصاص الله وحده. وبعد أن هدَّأ المسيحُ عاصفة عنيفة بكلمة بسيطة خرجت من بين شفتيه (متى ٨ : ٢٣-٢٧)، انتقل إلى الشاطئ الشرقي لبحر الجليل. ولم تكن هذه منطقة أممية فحسب لكنها كانت مكاناً يعيش فيه بعض الاشخاص الذين تسكنهم الأرواح الشريرة.
تضيف الآيات في مرقس ٥ : ١-٢٠ ولوقا ٨ : ٢٦-٣٩ بعض التفاصيل لقصة الرجال الذين كَانَ فِيهِم شَيَاطِينُ. ويُعرّف الشياطين أنفسهم على أنهم «لَجِئُونُ.» وهي الكلمة التي تعني فيلق. ووفقاً للمصطلح العسكري كان الفيلق يتكون من ٦.٠٠٠ جندياً. وقد تم إرسال هذه الشياطين إلى داخل ٢.٠٠٠خنزيراً.
وقد تساءل كثيرون عن السبب الذي جعل الشياطين تطلب من المسيح أن يرسلها إلى داخل الخنازير. ومن بين ما يُقال هو أن الشياطين تكره التجوّل في فراغ؛ ولذلك فإنهم كانوا يفضّلون مَأوىً من أي نوع، حتى وإن كان ذلك المأوى هو الخنازير النجسة. وينادي تعليم آخر بأن الشياطين كانت خائفة من المياه، ويشير المسيحُ نفسهُ إلى أن الشياطين تمر عبر أماكن لَيْسَ فِيهَا ماء بحثاً عن الراحة (انظر متى ١٢ : ٤٣). وكانت هناك تعاليم يهودية أيضاً تقول بأن الشياطين يمكن هلاكها في الفترة السابقة ليَوْمِ الرَّبِّ المتنبَّأ عَنْهُ.
ومع ذلك، فإن النقطة الأكثر أهمية هي أن حالة الدمار التي كان يعاني منها الرجال في هذه القصة هي بالضبط حالة الدمار التي يرغب الشيطان في أن يعاني منها أبناء الله. لكن المسيح قد غيّر حياة أولئك الرجال تماماً. وكل ما يسعى الشيطان إلى عمله في حياتنا يمكن للمسيح أن يبطله بالنسبة لأولئك الذين يختارون تسليم حياتهم له. وما لم يكن الأمر كذلك فإننا سنكون عاجزين عن الوقوف في وجه الشيطان والتغلّب عليه.
وفيما يتعلق بالصراع العظيم بين المسيح والشيطان، فنحن إما على هذا الجانب أو الجانب الآخر. وقد عَبَّر المسيحُ عن هذه الحقيقة بوضوح شديد جداً عندما قال: « ‘مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ، وَمَنْ لاَ يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ’ » (لوقا ١١ : ٢٣). ونحن مَن نختار الجانب الذي نقف عليه.
«قم وامشِ!»
لاحظنا في درس يوم الاثنين أن المسيح قال أنه لم يجد أحداً في إسرائيل لديه مثل هذا الإيمان العظيم. لكن وخلال تلك الساعات ذاتها في إسرائيل، كان هناك رجلٌ كانت رغبته في أن يشفي المسيح أعماق نفسه، تفوق بكثير رغبته في أن يشفي جسده.
اقرأ متى ٩: ١-٨. ما هو الرجاء العظيم الذي ينبغي أن نستخلصه من هذا لأنفسنا فيما يتعلق بوعد غفران خطايانا، بغض النظر عن طبيعة ما كانت عليه تلك الخطايا أو الضرر الذي سببته لنا؟ انظر أيضاً رومية ٤: ٧؛ ١يوحنا ١: ٩؛ ١يوحنا ٢: ١٢.
الرائع في الأمر هو أن أول شيء قام به المسيح عندما أُحْضِرَ الرجل المفلوج قدامه هو أنه تعامل مع حالة الرجل الروحية. فمن الواضح أن المسيح كان يعرف بالتحديد ما هي المشكلة الحقيقة بالنسبة لهذا الرجل. فعلى الرغم من حالته الجسدية البائسة، عرف المسيح أن المسألة الأخطر والأعمق كانت تتعلق بشعور الرجل بالذنب إثر عيشه لحياة يبدو أنها كانت آثمة جداً. وبالتالي، فإنه نظراً لمعرفة المسيح برغبة الرجل في الحصول على المغفرة، نطق المسيح بما ينبغي أن يكون أعظم الكلمات وأكثرها طمأنة وتعزية لأي شخص يدرك حقيقة وتَكْلِفَة الخطية: «مغفورة لك خطاياك.»
وتضيف روح النبوة قائلة: «فإن ما كان يصبو إليه هذا المريض لم يكن هو شفاء الجسد بقدر ما كان يتوق إلى الراحة من عبء الخطية. فلو أمكنه أن يرى يسوع وينال يقين غفران السماء وسلام الله فسيكون قانعاً بالموت أو بالحياة بحسب ما يريد الله» (مشتهى الأجيال، صفحة ٢٤٢).
كان هناك قس سبتي أدفنتستي يقوم في كثير من الأحيان بالوعظ عن موضوع أن يكون لدى المرء ما يكفي من إيمان أن لا يشفى. هذا هو أعظم أنواع الإيمان: عندما ننظر إلى ما هو أعمق من ظروفنا الجسدية ونركِّز بدلاً من ذلك على ظروفنا الأبدية. في كثير من الأحيان تدور طِلبات صلواتنا حول احتياجاتنا الجسدية، وبالفعل يهتم الله بكل هذه الأشياء. لكن المسيح قال في موعظته على الجبل انه علينا أن «نطلب أولاً ملكوت الله وبره.» وهكذا فإنه من المهم للغاية، وعلى الرغم من احتياجاتنا الجسدية المباشرة،
أن نُبقي نُصب أعيننا دائماً الأمور الأبدية في عالم تكثر فيه الأمور المؤقتة والزائلة.
تَرْك الموتى يدفنون موتاهم
اقرأ متى ٨: ١٨-٢٢. ما الذي يقوله المسيح لهؤلاء الرجال هنا حول ما يعنيه أن تتبعه؟
أولاً، في متى ٨: ١٨-٢٢، نرى رجلين يأتيان إلى المسيح ويبديان رغبتهما في أن يكونا تلميذين له. وقد كان كلاهما صادقين ومُخلِصَين؛ ومع ذلك، فقد بدا أن شيئاً ما كان يعوق رغبتهما هذه. وقد قام المسيح، الذي يعرف كل أفكارنا، بالدخول في صميم الموضوع. وتساءل المسيحُ ما إذا كان الرجل الأول على استعداد حقاً للتخلّي عن كل شيء - بما في ذلك فراشه - من أجل أن يتبع المسيح. وهذا لا يعني بالضرورة أن يخسر الشخص كل ممتلكاته الدنيوية إذا هو تبع المسيح وإنما المقصود هو أن يكون الشخص على استعداد للقيام بهذا.
ثم يسأل المسيح الشخص الثاني ما إذا كان حقاً على استعداد لأن يجعل المسيح الأول في حياته، حتى ولو تعلق الأمر بالأسرة والعائلة. وللوهلة الأولى، تبدو كلمات المسيح للرجل الثاني قاسية جداً. فكل ما أراد ذلك الرجل القيام به هو دفن والده. فلماذا لا يمكنه القيام بذلك أولاً ومن ثم يتبع يسوع، خاصة وأن الديانة اليهودية كانت تعتبر أن جزءاً من إطاعة الوصية الخامسة كان يتعلق بأن يضمن المرء أن كلاً من والديه قد دُفن دفناً لائقاً عند موته؟
ومع ذلك، يرى بعض المفسرين أن والد الرجل لم يكن قد مات بعد، بل ولم يكن حتى موته وشيكاً؛ بدلاً من ذلك، يبدو وكأن الرجل كان يطلب من المسيح أن يسمح له بأن يخطط لكل شيء ويحسب حساب كل شيء مع عائلته، ومن ثم يتبعه.
ومن هنا جاء رد المسيح، أعلاه. هناك دعوة أخرى للتلمذة نجدها في متى ٩: ٩-١٣، وهي الدعوة التي وُجِّهت إلى متى، جابي الضرائب المُحْتَقَر. وقد عرف المسيح قلب هذا الرجل، وهو القلب الذي كان من الواضح أنه مفتوح للحق وهو ما يتضح من ردة فعله على الدعوة. وبالتأكيد، كان المسيح يعرف ما سيترتب على دعوته لشخص مثل متى بأن يتبعه، وأن يكون تلميذاً له. وهذا ما يتجلى في الفقرات الكتابية المتعلقة بدعوة المسيح لمتى. ومن وجهة نظرنا اليوم، فإنه من الصعب أن ندرك مدى عدم الارتياح الذي سببه المسيح للناس آنذاك عندما دعا شخصاً مثل متى لأن يتبعه. إن ما نراه هنا هو حقاً مثال آخر حول مدى شمولية دعوة بشارة الإنجيل.
لمزيد من الدرس
اقرأ لروح النبوة الفصل الذي بعنوان «تقدر أن تطهرني»، صفحة ٢٣٦-٢٤٦، من كتاب مشتهى الأجيال. هناك حكمة ألمانية تقول ما معناه: «مرة واحدة لا تحتسب.» والمقصود من هذا التعبير الاصطلاحي هو أنه إذا حدث شيء ما لمرة واحدة فإنه لا يُحتسب، ولا يُعد ذات أهمية. فإذا كان قد حدث مرة واحدة، فربما ما كان ليحدث على الإطلاق. وسواء كنا نتفق مع هذه المقولة أَمْ لا، تمعّن في هذه الفكرة في ضوء درس يوم الخميس، وذلك عندما قال المسيح للرجل الذي أراد أن يدفن أباه أولاً ومن ثم يكون تلميذاً للمسيح: «اتْبَعْنِي، وَدَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ» (متى ٨ : ٢٢). ما الذي كان يعنيه المسيحُ بقوله ضمناً أن أولئك الناس، الناس الأحياء، كانوا أمواتاً؟ حسناً، إذا كان «حدوث الشيء لمرة واحدة لا يحتسب» إذاً فربما كان العيش على هذه الأرض لمرة واحدة فقط، دون أن يلي ذلك حياة أبدية، يعني أنه من الأفضل أن لا تكون قد وُلِدت بالمرة، بل وربما تكون ميتاً الآن بالفعل (انظر يوحنا ٣ : ١٨). وقد اِشْتَكَى المفكرون العلمانيون، الذين لا يؤمنون بوجود الحياة الآخرة، من عدم جدوى ومعنى الحياة الموجودة هنا على هذه الأرض لمرة واحدة، وهو أيضاً تواجد لفترة قصيرة قبل أن نتلاشى ونتبدد إلى الأبد. وقد تساءل أولئك المفكرون العلمانيون قائلين: ما معنى هذه الحياة إذا كنا بعد فترة قصيرة سوف نَهْلك ونُنْسى إلى الأبد؟ لا عجب إذاً في أن المسيح قال ما قاله بهذا الخصوص. فقد كان يسعى إلى أن يوجِّه الإنسان إلى واقع أعظم مما يقدمه هذا العالم في حد ذاته.
الدرس الخامس
٢٣-٢٩ نيسان (أبريل)
الحرب المنظورة والحرب غير المنظورة
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: متى ١١ : ١١ و ١٢؛ رؤيا ٥ : ٥؛ متى ١٢ : ٢٥-٢٩؛ إشعياء ٢٧ : ١؛ متى ١١ : ١-١٢؛ عبرانيين ٢ : ١٤.
آية الحفظ: «وَمِنْ أَيَّامِ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ إِلَى الآنَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ يُغْصَبُ، وَالْغَاصِبُونَ يَخْتَطِفُونَهُ» (متى ١١ : ١٢).
نُقْدِم يومياً على خيارات هامة تتعلق بنمط الحياة والعلاقات والوظائف والأولويات والتسلية والأصدقاء. ولكي نفهم حقاً أهمية هذه الخيارات، نحن بحاجة إلى إدراك ما يرتبط بهذه الخيارات. إننا نحتاج إلى رفع الستار ورؤية ما هو غير منظور، لأن الكتاب المقدس يعلّمنا أن هناك واقعاً غير منظور يؤثر تأثيراً كبيراً فيما نراه بالفعل.
ولأننا نعيش في عصر العلوم، فإنه ليس من الصعب بالنسبة لنا التيقّن من وجود واقع غير مرئي. فنحن الذين نعرف عن الأشعة السينية وموجات الراديو والاتصالات اللاسلكية، ينبغي أن نصدّق بسهولة في وجود ما لا نستطيع أن نراه. فمَع كل مكالمة نجريها عبر الهاتف الخليوي، أو أي شيء نشاهده عبر الأقمار الصناعية، نحن نُصَدّقُ في وجود واقع يعمل على جعل هذه الاختبارات المرئية (والمسموعة) اختبارات حقيقية.
في الواقع، إن الصراع العظيم بين المسيح والشيطان يشكّل خلفية العالم غير المنظور الذي نختبره كل يوم. سوف ندرس في هذا الأسبوع بعض الفقرات الكتابية من إنجيل متى (وغيره) والتي من شأنها أن تساعد في الكشف عن هذه القوى غير المنظورة، وتبين كيف تؤثر على حياتنا وخياراتنا هنا على الأرض.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٣٠ نيسان (أبريل).
متى ١١ : ١١ و ١٢
إن الكتاب المقدس هو كلمة الله، وفيه يتم توضيح خطة الخلاص. مع ذلك، يمكن أن تكون هناك صعوبة في فهم بعض فقرات الكتاب المقدس. لكن لا ينبغي أن يكون ذلك مستغرباً. فعلى كل حال، نحن نجد في كل جانب من جوانب الحياة الطبيعة أموراً يصعب فهمها. فما بالك ببعض من أجزاء الكتاب المقدس التي تعلن لنا حقائق ووقائع روحية وخارقة؟
وقد عبّرت روح النبوة عن هذا المفهوم بشكل واضح جداً: «فلم يستطع فطاحل العلماء والفلاسفة أن يفهموا كنه الحياة الظاهرة في أبسط مخلوقات الله، وإننا حيثما نلتفت نجد أسراراً لا ندركها، فهل نستغرب إذاً وجود أسرار في العالم الروحي يعسر علينا فهمها؟ والصعوبة ليست في الحقائق نفسها بل في ضعف العقل البشري وقصره، ومع ذلك فقد أعطانا الله في الكتب المقدسة بيانات كافية لإثبات الحقيقة بأنها من مصدر الهي، فلا نشك فيها اذا وجدنا فيها ما ليس في طاقتنا أن ندركه تماما» (طريق الحياة، صفحة ٩٠).
على سبيل المثال، أحد أصعب النصوص في الكتاب المقدس هو ما نجده في متى ١١ : ١١ و ١٢: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ، وَلكِنَّ الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ. وَمِنْ أَيَّامِ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ إِلَى الآنَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ يُغْصَبُ، وَالْغَاصِبُونَ يَخْتَطِفُونَهُ.»
اقرأ هاتين الآيتين مرة أخرى. ما الذي تفهمه منهما؟ وما الذي لا تفهمه؟
هناك ترجمة للآية ١٢ تقول: «من أيام يوحنا المعمدان وحتى الوقت الحاضر، يتقدم مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ بقوة، وكان الغاصبون يهاجمونه» وهناك ترجمة أخرى تقول، «ومن الوقت الذي بدأ فيه يوحنا المعمدان التبشير إلى الآن، يتقدم مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ بقوة والغاصبون يهاجمونه.» ما الذي يقوله المسيح لنا هنا؟
حدود الظلمة
على مر العصور، اختلف دارسو الكتاب المقدس حول ما تعنيه الآية في متى ١١ : ١٢ لأن الكلمات التي تصف الملكوت والناس هنا يمكن أن تستخدم إما بالمعنى السلبي أو المعنى الإيجابي. فالفعل اليوناني «باسماتي» أو «يُغْصَبُ» باللغة العربية، يمكن أن يعني إما أن «تتقدم بقوة» أو أن «تُعاني من العنف.» والكلمة اليونانية «بياستس» أو «الْغَاصِبُونَ» باللغة العربية يمكن أن تعني «رجال أقوياء أو مُنْدَفِعين» أو «رجال بَطَّشٍ»
إذن، هل تعني هذه الآية أن مَلَكُوت السَّمَاوَاتِ الوديع اللطيف يُعاني من العنف، وأن الغاصبون يهاجمونه؟ أَمْ أن مَلَكُوت السَّمَاوَاتِ يتقدم بقوة بالمعنى الإيجابي وأن الرجال الأقوياء المُمْسِكين به هم في الواقع أتباع المسيح؟
هل من الممكن أن يكون أتباع المسيح بهذه العدوانية، بل ويكونوا غاصبين، في سعيهم للملكوت؟
اقرأ الآيات التالية. ما الذي تقوله هذه الآيات ويمكن أن يلقي بعض الضوء على السؤال الأخير أعلاه؟
متى ١٠ : ٣٤
رؤيا ٥ : ٥
ميخا ٢ : ١٣
يرى البعض أنه للوصول إلى التفسير الأكثر احتمالاً للآية التي في متى ١١ : ١٢، علينا تطبيق الاستعمالات الأكثر شيوعاً للمصطلحات الواردة في هذه الآية. فمَلَكُوت السَّمَاوَاتِ هو أمرٌ إيجابي، أما فيما يتعلق بقوى الشر التي تقاوم ملكوت السَّمَاوَاتِ فهي سلبية عادة. وقد فسّر أحدهم هذه الآية كالتالي: «إن الحديث هنا هو عن مَلَكُوت السَّمَاوَاتِ الذي يتقدم بقوة مقدسة وقُدْرَة عظيمة تعمل على قهر تخوم الظلمة»؛ وأثناء حدوث هذا، «يحاول الأشخاص العِدائيون أو الجَّشعون أن ينهبوا ويسلبوا مَلَكُوت السَّمَاوَاتِ» [د. أ. كارسون، موسوعة الكتاب المقدس التفسيرية مع النسخة الدولية الجديدة: تفسير إنجيل متى، (غراند رابيدز: زونديرفان، ١٩٩٥)، صفحة ٢٦٦ و ٢٦٧].
يبدو أن هذا التفسير يتماشى مع مجمل ما ورد في إنجيل متى من تعاليم. في الواقع، إن هذا التفسير يجسِّد الصورة الأكبر، وهي الصورة المتعلقة بالصراع بين النور والظلمة، بين المسيح والشيطان. وهو الموضوع السائد في الكتاب المقدس ولكنه يتضح جلياً في العهد الجديد. في الواقع، هناك حرب، منظورة وغير منظورة، ناشبة. وهي حرب نحن جميعاً منخرطون فيها، وعلينا جميعاً الوقوف في جانب واحد من إحدى جانبي الصراع فيها. وهي حرب نختبرها جميعاً بصفة يومية وبغض النظر عن مقدار ما نفهمه أو لا نفهمه مما يجري. فهذا هو ما يعنيه العيش في خضم الصراع العظيم.
«النظرة العالمية للحروب»
وأياً كان المعنى النهائي للآية التي في متى ١١ : ١٢، كما رأينا بدرس الأمس، فإن ما ورَد في هذه الآية يكشف بالفعل عن حقيقة الصراع العظيم. وهذا الصراع الذي تُصَوِّرَهُ ، كما عرفنا من نصوص كتابية أخرى، هو في جوهره معركة بين المسيح والشيطان.
ماذا تخبرنا الآيات الكتابية التالية حول حقيقة الصراع العظيم؟
متى ١٢ : ٢٥-٢٩
إشعياء ٢٧ : ١
١يوحنا ٥ : ١٩
رومية ١٦ : ٢٠
تكوين ٣ : ١٤-١٩
أفسس ٢ : ٢؛ ٦ : ١٠-١٣
هذا ليس سوى عدد قليل من العديد من النصوص الكتابية، في كل من العهد القديم والعهد الجديد، التي تشير إلى ما أطلق عليه أحد اللاهوتيين (غير الأدفنتست) اسم «النظرة العالمية للحروب»، وهي الفكرة التي مفادها أن هناك معركة دائرة بين قوى خارقة للطبيعة في الكون، حرب يقف فيها كل واحد مِنَّا إما على أحد الجانبين أو الآخر. وهذه الفكرة، بطبيعة الحال، ليست جديدة على الأدفنتست السبتيين. فطالما كانت جزءاً من تعاليمنا اللاهوتية منذ الأيام المبكرة لكنيستنا. في الواقع، لقد تمسك رواد كنيستنا بهذا المعتقد حتى قبل أن تتشكل كنيستنا نفسها بصورة رسمية.
عندما تصبح المعركة بغيضة
كما سبق ورأينا، فإن كلمات المسيح في متى ١١ : ١٢، ورغم عمق معناها، تكشف الحقيقة التي مفادها أن ملكوت الله لن يتأسس دون صراع أو دون معركة. ونحن نعرف أن هذه المعركة هي الصراع العظيم. وقد كان هذا الصراع ولا يزال مستعراً. وسيستمر مستعراً إلى أن يتم الدمار النهائي للخطية والشيطان والأشرار من البشر. وفي بعض الأحيان، يمكن لهذا الصراع أن يكون بغيضاً جداً. ويمكننا أن نرى حقيقة الصراع العظيم، ومدى ما يمكن أن يكون عليه هذا الصراع من مرارة وسوء، في سياق ما قاله المسيح نفسه في إنجيل متى ١١ : ١٢.
اقرأ متى ١١ : ١-١٢. كيف نرى حقيقة الصراع العظيم متجلية هنا على عدد من المستويات؟ بمعنى آخر، كيف تساعدنا حقيقة الصراع العظيم على فهم معنى ما يحدث هنا؟
بداية، وحسب اعتقادك، مَن الذي أَشارَ عَلَى القادة بأن يزجوا بيوحنا في السجن؟ يمكننا أن نرى هنا محاولة الشيطان، لا لأن يمنع يوحنا من التبشير فحسب بل وأن يثنيه عن الإيمان بالمسيح كذلك. فعلى كل حال، إذا كان يوحنا المعمدان، بَشِير المسيح، قد لاقى مثل هذا المصير فما الذي يمكن للمرء أن يرجو حدوثه للمسيح نفسه؟
ثم إنه ليس هناك شك أيضاً في أن الشيطان كان يمكنه أن يجعل أتباع المسيح ويوحنا يسألون أنفسهم السؤال التالي: إذا كان بمقدور هذا المسيح الناصري القيام بالكثير من الأمور الرائعة، وإذا كان لديه الكثير من القدرة والسلطان، فلماذا إذاً يسمح لإنسان صادق وصالح مثل يوحنا المعمدان، ابن خالته، أن يبقى في السجن طويلاً ويتم قتله؟
وعلينا أن نفكر أيضاً في مَن هو الذي كان يضع الشكوك في ذهن يوحنا المعمدان ويجعله يسأل أسئلة مثل: لماذا أنا هنا؟ لماذا لا يقوم المسيح بتحريري؟ ومِن هنا، فإنه لا عجب في أن يوحنا قد طرح السؤال: «أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟» (متى ١١ : ٣). تَذكّرْ أن يوحنا هذا هو نفسه الذي عمَّد المسيح، وهو الذي رأى « ‘رُوحَ اللهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ’ » (متى ٣ : ١٦)، وسمع صوتاً من السماء يعلن قائلاً: « ‘هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ’ » ( متى ٣ : ١٧). مع ذلك، فها هو الآن، ومع كل ما حدث، قد أصبح مملوءً بالشكوك؟ وبالطبع، ورغم ما كانت عليه حالة يوحنا المعمدان من سوء، إلا أنّها (على الأقل على المدى القصير) كانت ستزداد سوءاً، وهو الأمر الذي كان مِن شأنه خلق المزيد من الشكوك في ذهن أتباع المسيح فيما يتعلق بالسبب وراء عدم تدخله لإنقاذ يوحنا المعمدان من الموت (مرقس ٦ : ٢٥-٢٨).
قضية خاسرة
على مر التاريخ، انخرط البشرُ في الحروب. فهناك شيء في الطبيعة البشرية يتسبب في أن ترغب مجموعة ما من الناس في نهب وسلب وذبح أناساً ينتمون لمجموعة أخرى من الناس. قامت الفيلسوفة البريطانية كاثرين تيت برتراند راسل، بتأليف كتاب تتحدث فيه عن قلق والدها، قبيل اندلاع الحرب العالمية، إزاء الفرحة التي عمَّت شوارع إنجلترا إثر احتمال نشوب حرب مع ألمانيا. تقول كاثرين تيت متحدثة عن أبيها: «لقد نشأ وترعرع على الفكر» الڤكتوري «المتفائل الذي كان يؤمن بالارتقاء والتَقَدّم التلقائيين، مع الثقة بأن العالم كله سوف يقوم في الوقت المناسب بإتّباع النمط الإنجليزي الحكيم، فيتحول من الوحشية القديمة إلى الحكم الذاتي المتحضّر [الذي كانت تمتاز به إنجلترا]. ثم فجأة وجد أبي بني وطنه الأعزاء يرقصون في الشوارع إزاء احتمالية قتل أعداد غفيرة من إخوانهم من البشر الذين تصادف أنهم يتحدثون الألمانية.» [والدي برنارد راسل (إنجلترا: ثوميس بريس، ١٩٩٧)، صفحة ٤٥]. ونجد أن هذه الفكرة ذاتها تتكرر مراراً عبر التاريخ، بين جميع البشر تقريباً. وهكذا نرى حقيقة الطبيعة البشرية الساقطة متجلية في شكل من أكثر أشكالها مأساوية وإيذاءً.
وفي معظم هذه الحروب الإنسانية، لم يكن أحد يعرف النتائج مسبقاً. فقد خرج الناس إلى أرض المعارك وهم لا يعرفون ما إذا كانوا سيكونون على جانب الفوز أو الخسارة. وفيما يتعلق «بنظرتنا العالمية للحروب» الخاصة بكوكبنا، نحن لدينا ميزة عظيمة: فنحن نعرف الجانب الذي انتصر بالفعل. فقد انتصر المسيح انتصاراً حاسماً لأجلنا. فبعد الصليب لم يعد هناك سؤال حول مَن هو المنتصر وحول مَن يمكنه المشاركة في تلك النّصرة. فإنَّ قضية الشيطان هي في الواقع قضية خاسرة.
ماذا تخبرنا الآيات الكتابية التالية حول نتائج الصراع العظيم؟ عبرانيين ٢ : ١٤؛ ١كورنثوس ١٥ : ٢٠-٢٧؛ رؤيا ١٢ : ١٢ و ٢٠ : ١٠.
وكما خسر الشيطان الحرب في السماء، خسر الحرب على الأرض، كذلك. لكنه لا يزال، بكل كراهية وانتقام «يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ» (انظر ١بطرس ٥ : ٨). وعلى الرغم من كمال وتمام نُصرة المسيح، إلا أن المعركة لا تزال محتدمة. وحصانتنا الوحيدة هي في أن نضع أنفسنا، عقلاً وجسداً، على الجانب الفائز. ويمكننا عمل ذلك من خلال الخيارات التي نتخذها كل يوم. فهل نتخذ خيارات تضعنا على الجانب الفائز، حيث النصرة مؤكدة لنا، أَمْ نتخذ خيارات تضعنا على الجانب الخاسر حيث الهزيمة مؤكدة؟ إن مصيرنا الأبدي متوقف على الإجابة على هذا السؤال.
لمزيد من الدرس
مَن منا لا يعرف واقع وحقيقة الصراع العظيم؟ نحن نعرف عن هذه الحرب لأننا نشعر بها في داخلنا بصفة يومية. فنحن نعيش في عالم متصدع ومحطم، عالم ملعون بالاضطراب والألم. عالم لا تتقيد الحيّة فيه بشجرة واحدة في وسط الجنة، بل هو عالم أشجاره كلها تجتاحها الحيّات. عالم مليء بهمسات ووساوس التجربة التي تأتي بكل الأنواع والطرق، وهي تُوقِعُ في أشراكها أولئك الذين ليسوا مجتهدين في الإيمان وفي الصلاة. لا عجب في أن المسيح طلب مِنّا قائلاً: «اسهروا وصلوا» لئلا نقع في الأشراك العديدة التي تنتظرنا. ومن بين جميع الأشراك، ربما أن أكثرها خطورة بالنسبة للمسيحي هي الكذبة التي تقول: «عندما تستسلم للتجربة فستكون بذلك قد ابتعدت كثيراً جداً، وليس هناك إله نعمة يقبلك مجدداً ويضمك بين ذراعيه.» مَن منَّا لم يشعر في وقت أو في آخر بأن ذلك الصوت يهمس في أذنيه؟ ومن ناحية أخرى، يُعَدْ هذا الشعور صحيحاً: فعندما تسقط في التجربة، حتى ولو مرة واحدة، فإنك تبتعد كثيراً جداً بحيث لا تستطيع إعادة نفسك مرة أخرى. ولهذا السبب نفسه جاء المسيح وأحرز النصرة من أجلنا، في الوقت الذي أخفقنا فيه جميعاً. هذا هو كل ما تدور بشارة الإنجيل حوله. ففي الصراع العظيم، أحرز المسيح من أجلنا ما لم نكن لنحرزه لأنفسنا أبداً. مع ذلك، وفي الوقت نفسه، فإنّ ما علينا عمله هو أن نختار، كل يوم وكل ساعة وكل لحظة، أن نضع أنفسنا في جانب الرب. ويمكننا القيام بذلك من خلال إطاعة كلمته والمطالبة بوعود نصرته، وهي الوعود التي أكد المسيح لنا أنه يمكننا الحصول عليها. وأيضاً، يمكننا وضع أنفسنا في جانب الرب من خلال الاتكال الدائم على استحقاقاته من أجلنا، بوصفها ضمانة لخلاصنا.
الدرس السادس
٣٠ نيسان (أبريل) - ٦ أيار (مايو)
الرّاحة في المسيح
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: متى ١١ : ٢٨-٣٠؛ ١٢ : ١ و ٢؛ لوقا ١٤ : ١-٦؛ يوحنا ٥ : ٩-١٦؛ متى ١٢ : ٩-١٤؛ إشعياء ٥٨ : ٧-١٣.
آية الحفظ: « ‘تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ’ » (متى ١١ : ٢٨).
«كان المسيح هو الممثل الحي للناموس. وطوال حياته المقدسة لم يوجد أي تعد لمطاليبه، فإذ نظر إلى أمة من الشهود كانوا يبحثون عن علة واحدة لإدانته أمكنه أن يقول لهم دون أن يراجعه أحد: ‘مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟’ » (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ٢٦٣).
لقد عكست حياة المسيح بشكل تام المعنى والقصد من شريعة الله، الوصايا العشر. فقد كان المسيح هو ناموس الله متجسداً في هيئة بشرية. وهكذا فإنه من خلال دراستنا لحياته نتعلم ما يعنيه حفظ الوصايا وكيف نحفظها بطريقة صحيحة تخلو من الفتور، وتخلو كذلك من التزمت. وبطبيعة الحال، من بين تلك الوصايا هناك الوصية الرابعة، الوصية المتعلقة باليوم السابع من الأسبوع، يوم السبت.
في هذا الأسبوع، وإذ نواصل دراستنا لإنجيل متى، سوف نلقي نظرة على عدد قليل من المجادلات المتعلقة بالسبت. وسنرى في حياة المسيح إعلاناً واضحاً لما يعنيه أن تحفظ السبت. فإنه إذا كان الناموس انعكاسا لطبيعة الله، وإذا كان المسيح هو تجسيد لهذا الناموس، فإنه يمكننا من خلال معرفتنا عن كيف حفظ المسيح الوصية الرابعة، ومن خلال معرفتنا بما قاله بشأنها، أن نتعلم المزيد عن طبيعة الله وصفاته. والأهم من ذلك، هو أننا سنتعلم كيف يمكننا أن نعكس تلك الصفات في حياتنا.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٧ أيار (مايو).
نِيْر المسيح الهيّن (الخفيف)
في متى ١١ : ٢٠-٢٧، يبدأ المسيح بتوجيه توبيخ شديد لبعض المدن في الجليل والتي رفض سكانها بشارته. وما جعل التوبيخ الذي نطق به المسيح، وكذلك تحذيراته وإدانته، مفزعاً للغاية هو أن هذه المدن كانت قد اُعطيت فرصاً عظيمة لمعرفة الحق. فقد كان المسيح، الذي هو الحق (يوحنا ١٤ : ٦)، قد سار بينهم في الجسد. ولم يكتفِ المسيح بذلك، بل لقد صنع فيها «أَكْثَرُ قُوَّاتِهِ» (متى ١١ : ٢٠). ومع ذلك، فقد رفضوا أن يتوبوا. في الواقع، لقد قال المسيح «لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي سَدُومَ الْقُوَّاتُ الْمَصْنُوعَةُ» في كَفْرَنَاحُومَ «لَبَقِيَتْ[سدوم] إِلَى الْيَوْمِ» (متى ١١ : ٢٣). وبعبارة أخرى، كان سكان هذه المدن أسوأ من أهل سدوم.
وبعد ذلك مباشرة، في متى ١١ : ٢٥-٢٧، بدأ المسيح يصلي إلى الآب ويتقدم إليه بالشكر، ومن ثم أخذ في الحديث عن العلاقة الوثيقة التي بينه وبين الآب. وقام كذلك بِذِكْرِ كل ما تسلّمه من الآب، وهو الأمر الذي أظهر بطريقة أكثر وضوحاً السبب الذي جعل رفض تلك المدن للمسيح شيئاً مأساوياً ومُحْزناً للغاية.
اقرأ متى ١١ : ٢٨-٣٠. ما الذي قاله المسيح هنا، ولماذا يُعَدْ ما قاله مناسباً لهذا الموقف، خاصة بعد ما كان قد نطق به للتو؟
بعد أن استنكر المسيح عدم إيمان مدن كفرناحوم، وبعد التأكيد على قُربه وعلاقته الوثيقة بالآب، قدّم المسيح لكل المتعبين راحة فيه. وبعبارة أخرى، كان المسيح يطلب من الناس أن لا يرتكبوا الخطأ الذي ارتكبه الآخرون برفضهم له. إن المسيح لديه السلطان والقدرة على عمل ما يقول أنه سيعمله، وهو يقول أنه بمجيئنا إليه سنجد راحة لنفوسنا. وفي سياق حديث المسيح هنا، كانت الراحة تشتمل على كلٍّ من السلام واليقين في الخلاص، إضافة إلى الرجاء الذي لن يحصل عليه أولئك الذين رفضوه، بل هم لا يستطيعون الحصول عليه.
ما الذي يعنيه المسيح أيضاً عندما يقول أنه سَيُرِيِحَنا؟ هل يعني ذلك الكسل؟ هل يعني ذلك التساهل؟ بالطبع لا. إن للمسيح معايير سامية جداً بالنسبة لنا؛ وقد رأينا ذلك في موعظته على الجبل. لكنه ليس المقصود لعلاقتنا مع المسيح أن تضنينا وتتعبنا. فإننا من خلال تعلّمنا منه، ومن خلال محاكاتنا لصفاته، يمكننا أن نجد الراحة من متاعب وهموم الحياة. وكما سنرى، فإن أحد مظاهر تلك الراحة نجده في حفظ السبت.
بلبلة بشأن يوم الراحة
إذا كان سبت اليوم السابع، وفقاً لزعم الكثيرين في العالم المسيحي، قد أُبطل واُستبدل وأُلغي وقُضِي (أو أياً كان)، فلماذا إذاً أمضى المسيح الكثير من الوقت في الحديث عن كيفية حفظ السبت؟
اقرأ الآيات الكتابية التالية. ما هي القضايا محور الخلاف في هذه المشاهد، وما هي القضايا التي ليست محور خلاف؟ متى ١٢ : ١ و ٢؛ لوقا ١٤ : ١-٦؛ مرقس ٢ : ٢٣-٢٨؛ يوحنا ٥ : ٩-١٦.
إن إدراك الفريسيين لحقيقة أنّ تدنيس الأمة للسبت كان من بين أحد الأسباب التي أدت إلى أن يؤخذ بنو إسرائيل إلى السبي البابلي قد جعلهم [أي الفريسيين] يريدون الحيلولة دون حدوث ذلك مرة أخرى. ومن هنا، قاموا بوضع سلسلة من القوانين والأنظمة المتعلقة بما هو مقبول ومُلاَئِم وما هو غير مقبول وغير مُلاَئِم عمله في السبت، وكان القصد من ذلك هو الحفاظ على قدسيته. ما هي بعض تلك القوانين؟
إذا وضعت الدجاجة بيضة في يوم السبت، فهل يحل أكل تلك البيضة؟ كان رأي غالبية الفريسيين هو أنه إذا كان يتم تربية الدجاجة من أجل أن تضع البيض فليس مسموح أكل البيضة التي وضعتها الدجاجة في يوم السبت، لأن الدجاجة تكون بذلك قد عملت عملاً في يوم السبت. ومع ذلك، إذا لم يكن الغرض من تربية الدجاجة هو وضع البيض- إذا كان يتم تسمينها من أجل أن تؤكل- إذاً فقد كان مسموح بأكل البيضة التي تضعها في يوم السبت، وذلك لأن وضع البيض لم يكن العمل الأساسي للدجاجة. (وكان هناك أيضاً اقتراح آخر يقول بأنه يمكن أكل البيضة التي تضعها الدجاجة في يوم السبت، هذا ما دمت ستقوم في وقت لاحق بقتل الدجاجة بسبب كسرها لوصية السبت.)
هل يجوز النظر إلى نفسك في المرآة في يوم السبت؟ الإجابة هي لا، لأنك إذا رأيت شعرة بيضاء في رأسك، نتيجة المشيب، فربما تغوى إلى نتفها، وهذا سيعد حصادا وقطفا، وهكذا يكون تَدْنِيساً للسبت.
وإذا اشتعلت النيران في بيتك في يوم السبت، فهل يجوز الدخول إلى البيت لانتشال ملابسك؟ الجواب: يجب انتشال مجموعة واحدة فقط من الملابس. ومع ذلك، إذا وضعت مجموعة من الملابس على جسمك فإنه يجوز حمل مجموعة أخرى من الملابس معك إلى خارج بيتك المشتعلة فيه النيران. ( وبِالمُنَاسَبَة، إذا اشتعلت النيران ببيتك، إنه لا يجوز أن تطلب من أُممي أن يخمد الحريق، لكن إذا كان الأممي يقوم بإخماد الحريق من تلقاء نفسه على أية حال، فهذا يجوز.)
هل يجوز أن تبصق في يوم السبت؟ الجواب: يمكن البصق على صخرة، ولكن لا يمكنك البصق على الأرض لأن ذلك من شأنه أن يصنع طينة أو مِلاَط [نوع من الطين].