دليل دراسة الكتاب المُقدَّس - الربع الرابع 2017 - الخلاص بالإيمان وحده: سِفْر رُومِيَة

تحميل قوات الدفاع الشعبي  -  دليل دراسة الكتاب المُقدَّس - الربع الرابع 2017 - الخلاص بالإيمان وحده: سِفْر رُومِيَة

 

مقدمة ٢


١. الرسول بولس في رومية — ٣٠ أيلول (سبتمبر)- ٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٦


٢. الصراع — ٧-١٣ تشرين الأول (أكتوبر) ١٤


٣. الحالة الإنسانية — ١٤- ٢٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٢


٤. التبرير بالإيمان — ٢١- ٢٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٣٠


٥. إيمان إبراهيم — ٢٨ تشرين الأول (أكتوبر)- ٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٣٨


٦. آدم والمسيح — ٤- ١٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٤٦


٧. الغلبة على الخطية — ١١- ١٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٥٤


٨. مَن هو إنسان رومية ٧؟ — ١٨ - ٢٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٦٢


٩. لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ — ٢٥ تشرين الثاني (نوفمبر)- ١ كانون الأول (ديسمبر) ٧٠


١٠. أبناء الموعد — ٢- ٨ كانون الأول (ديسمبر) ٧٨


١١. المختارون — ٩- ١٥كانون الأول (ديسمبر) ٩٤


١٢. الغلبة على الشر بالخير — ١٦- ٢٢ كانون الأول (ديسمبر) ١٠٢


١٣. الحياة المسيحيّة — ٢٣- ٢٩ كانون الأول (ديسمبر) ١١٠


Editorial Office: 12501 Old Columbia Pike, Silver Spring, MD 20904


Come visit us at our Website: http://www.absg.adventist.org


Principal Contributor

ABSG Staff


Editor

Clifford R. Goldstein


Associate Editor

Soraya Homayouni


Publication Manager

Lea Alexander Greve


Middle East and North Africa Union


Publishing Coordinator

Michael Eckert


Translation to Arabic

Samy Beshy


Arabic Layout and Design

Marisa Ferreira


Editorial Assistant

Sharon Thomas-Crews


Pacific Press® Coordinator

Wendy Marcum


Art Director and Illustrator

Lars Justinen


Design

Justinen Creative Group



© ٢٠١٧ المجمع العام للأدفنتست السبتيين ®. جميع الحقوق محفوظة. لا يمكن تعديل أو تغيير أو تبديل أو تحويل أو ترجمة أو إعادة إصدار أو نشر أي جزء من دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المُقَدّس للكبار دون الحصول على إِذْن خطي مسبق من المجمع العام للأدفنتست السبتيين ®. ومصرحٌ لمكاتب الأقسام الكنسية التابعة للمجمع العام للأدفنتست السبتيين ® العمل على الترتيب لترجمة دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المُقَدّس للكبار بموجب مبادئ توجيهية محددة. وتبقى ترجمة ونشر هذا الدليل حقاً محفوظاً للمجمع العام. إن اصطلاح "الأدفنتست السبتيون" وشعار الشعلة هما علامتان تجاريتان للمجمع العالم للأدفنتست السبتيين ® ولا يجوز استخدامها دون الحصول على إذن مسبق من المجمع العام.


إن دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المُقَدّس هو من إعداد مكتب دليل دراسة الكتاب المُقَدّس للكبار التابع للمجمع العام للأدفنتست السبتيين. والناشر والمشرف العام على إعداد هذا الدليل هو لجنة مدرسة السبت، وهي إحدى اللجان الفرعية المنبثقة عن اللجنة الإدارية للمجمع العام للأدفنتست السبتيين. إن دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المُقَدّس هو انعكاس لمساهمات اللجنة العالمية للتقييم، ويحظى بموافقة لجنة مدرسة السبت للنشر، وبالتالي فهو لا يعكس بالضرورة وجهة النظر المنفردة للمؤلف (أو المؤلفين).


Sabbath School Personal Ministries



هنا نقف – تعليق لوثر على سِفْر رومية


في مثل هذا الشهر منذ خمسمائة عام، علّق أستاذ اللاهوت البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً، ٩٥ احتجاجاً كان القصد منها، في بادئ الأمر، تفنيد مرسوم بابوي استُخدم ليبتز قطيع مارتن لوثر عن طريق بيع صكوك الغفران. وكانت هذه الاحتجاجات لمعارضة المرسوم البابوي، والتي أجّجت شرارة الإصلاح البروتستانتي- ومن يومها لم يعد العالم كما كان.


بالطبع فقد تغيّر الكثير منذ ذلك اليوم من عام ١٥١٧. إنّما شيء واحد لم يتغيّر وهو كلمة الله والحقّ الذي تتضّمنه، تلك التي أَعطت مارتن لوثر الأساس اللاهوتي الذي تحدّى به روما وقدَّمَ للملايين مفهوماً كتابيّاً عظيماً ألا وهو (الخلاص بالإيمان وحده).


ودراستنا في هذا الربع تركّز على هذا المبدأ من خلال دراسة رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية. كتب مارتن لوثر في تعليقه على الرسالة إلى رومية يقول: «إنّ هذه الرسالة هي مجمل رسالة الإنجيل المقدّس وهي جديرة ليس فقط بضرورة الاطّلاع عليها واستيعابها كلمة بكلمة في القلب فحسب، ولكن بالانشغال بها والحياة بموجبها كلّ يوم كخبزٍ روحي للنفس» [مارتن لوثر، تعليق على رسالة رومية، ترجمة ثيودور مولر (جراند راﭙيدز- ميتشجان: طباعة كريجل ١٩٧٦)، صفحة ٨].


نعم، إنّه في رسالة رومية وجد مارتن لوثر الحقيقة العظيمة «الخلاص بالإيمان وحده». هنا أفصح الرجل عن هذه الحقيقة الثمينة ليس فقط في رومية أو في العهد الجديد بل في الكتاب المقدس كلّه: حقيقة خطّة الخلاص، التي أُعطيت لنا في يسوع المسيح قبل ملء الزمان (٢تيموثاوس ١: ٩). والحقيقة هي أنّ الخلاص يكمن فقط في برّ المسيح. إنّ هذا البرّ يُحسب لنا بالإيمان، إنّه برّ يُمنح لنا بغضّ النظر عن حفظ الناموس، أو كما وضّح الرسول بولس بجلاءٍ في رومية. «إِذًا نَحْسِبُ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ بِدُونِ أعمال النَّامُوسِ» رومية ٣: ٢٨.


وكان لوثر، بسبب هذا المبدأ، يرفض السلطان العالمي والإرث الروماني وقد أعلنه جهاراً في مجلس «ورمز» سنة ١٥٢١م. وصرَّح بالقول: «أنا لا أستطيع أن أتراجع ولا أريد أن أتراجع. لأنه أمر غير مأمون العاقبة أن يتكلم المسيحي ضد ضميره. هنا أنا أقف ولا يمكنني أن أفعل غير هذا» [ج. ه. ميرل دابونية د. د. تاريخ الإصلاح، ترجمة هـ. هوايت (نيويورك مؤسسة تراك الأمريكية ١٨٤٨)، صفحة ٢٤٩.]


واليوم لا يستطيع الأمناء من البروتستانت أن يفعلوا شيئاً إلاّ أن يقفوا راسخين على كلمة الله ضدّ التقاليد والطقوس البالية غير الكتابيّة.


وبدون شك، فقد تقدّمت المسيحية تقدّماً عظيماً منذ عهد لوثر متحررّةً من خرافات دامت قروناً، وتعاليم باطلة أودت بالمفاهيم الكتابية بل وقامرت برسالة الإنجيل وتاجرت بها.


لكن للأسف، فقد تعطّلت النهضة عبر السنين، وقد استُبدل التقدّم في أماكن عدّة بحالة ركود ومراسيم بالية، وفي أماكن غيرها رجع الكثيرون إلى روما. واليوم في عصر يحاول احتواء الكنائس في تجمّعات عالمية، وقد تشوّهت الكثير من الحقائق الكتابية التي كانت قد ألهبت النهضة الإصلاحية، وقد تغطّت بمظاهر لغوية لكي تخفي الخلافات الجوهريّة. وهي لم تحظَ بتقدمٍ اليوم أكثر من أيام لوثر نفسه. إنّ نبوءات دانيال ٧: ٢٣- ٢٥؛ ٨: ٩- ١٢؛ رؤيا ١٣ و ١٤، وكذلك الأخبار الرائعة عن الخلاص بالإيمان التي في رسالة رومية، جميعها يبيّن السبب الذي يحدو بالمؤمنين المخلِصين للكتاب المقدّس أن يلتصقوا بالمبادئ التي دافع عنها أسلافنا البروتستانت بحياتهم.


ونحن الأدڨنتست السبتيون نستند على مبدأ «اَلْكِتَاب المُقَدَّس واَلْكِتَاب المُقَدَّس وحده»؛ ولهذا فإننا نرفض بشدة كل المحاولات الهادفة إلى إرجاع المسيحيين للانضواء تحت لواء روما، وإلى الممارسات الدينية لعصر ما قبل الإصلاح. فإن الكتاب المقدس يقودنا للسير في الاتّجاه المضاد (رؤيا ١٨: ٤). وفي ذلك الاتجاه، نسير معلنين «البِشَارَة الأَبَدِيَّة» (رؤيا ١٤: ٦) للعالم أجمع. إنها نفس البِشَارَة الأَبَدِيَّة التي ألهمت مارتن لوثر منذ خمسمائة عام مضت.


دليلك في الطريق إلى وطنك السماوي


تواصل مع ﷲ بفعالية أكثر!


إن مبادرة "آمنوا بأنبيائه" هي برنامج مدته خمس سنوات يأخذك في رحلة عبر الكتاب المُقَدّس وقراءات مختارة من مؤلفات إلن ج. هوايت. قم بالحصول على قراءات يومية من الكتاب المُقَدّس، وقراءات تفاعلية مع غيرك من القراء، وكذلك بعض المقاطع من مؤلفات روح النبوة.


متحدون في الصلاة: هي مبادرة نلتزم فيها بالصلاة معاً مع الآخرين باستخدام طرق تقليدية أو مبتكرة. احصل على طلبات أسبوعية وشهادات أو أفكار متعلقة بالصلاة من أعضاء كنيستك حول العالم.


قم بالاشتراك في هاتين المبادرتين من خلال التسجيل على الموقع التالي:


http://www.RevivalandReformation.org


وشارك أفكارك والشهادات الخاصة بك.


حلقة عالمية للصلاة


برنامج عالمي لدراسة الكلمة المقدسة


صلاة يومية مع إخوتنا وأخواتنا في المسيح حول العالم


دراسة يومية لكلمة ﷲ ومؤلفات روح النبوة


قم بتحميل


نسختك الإلكترونية المجانية


من دليل دراسة الكتاب المُقَدّس عبر الموقع التالي:


www.menapa.com


 

اشترك في


رسالتنا الإخبارية


المجانية


تزوّد بآخر المعلومات المتعلقة بكل


إصداراتنا الجديدة!


+961 1 690290 | www.menapa.com


شارع الفردوس، السبتية، جديدة المتن، بيروت، لبنان ١٢٠٢٢٠٤٠


جمعية الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للنشر


الدرس الأول


٣٠ أيلول (سبتمبر)- ٦ تشرين الأول (أكتوبر)


الرسول بولس في رومية






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: رومية ١٥: ٢٠- ٢٧؛ أعمال ٢٨: ١٧- ٣١؛ فيلبي ١: ١٢؛ رومية ١: ٧؛ أفسس ١؛ رومية ١٥: ١٤.


آية الحفظ: «أَوَّلاً، أَشْكُرُ إِلهِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، أَنَّ إِيمَانَكُمْ يُنَادَى بِهِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ» (رومية ١: ٨).


من المهم لدارس الرسالة إلى رومية أن يستوعب الخلفيّة التاريخيّة لهذه الرسالة. فالمحتوى ضروري جدّاً لفهم التعليم المقدّم. كان بولس يكتب لفئة خاصّة من المسيحييّن في وقت معيّن وأيضاً لقصدٍ معيّن، مدركاً أن كتاباته هذه ستفيدنا اليوم في فهم دراستنا.


لذا فلنرجع بأدراجنا زمناً إلى القرن الأول في روما حيث أصبحت الجماهير آنئذٍ هي مجمل أعضاء الكنيسة المسيحيّة الأولى، ولنصغي إلى بولس وإلى الكلام الذي أعطاه له الروح القدس كي يقدّمه إلى المؤمنين في رومية.


ومهما يكن من محدوديّة المواضيع المطروحة فإنّ المبادئ المتضمّنة عن كيفيّة خلاص الإنسان هي مألوفة للجميع. نعم، إنّ بولس كان يتحّدث لمجموعة معينة من الناس؛ وكان لديه أيضاً موضوع آخر معيّن عند كتابة هذه الرسالة. وكما نعلم بعد ذلك بقرون عدّة، في عصر يختلف تماماً، بأن الكلمات التي كتبها كانت هامّة بالنسبة لمارتن لوثر كما كانت هامّة لبولس الرسول عندما كتبها أولاً، وهي هامّة بالنسبة لنا اليوم.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٧ تشرين الأول (أكتوبر).




رسالة بولس الرسول


تشير رومية ١٦: ١، ٢ إلى أنّ الرسول بولس لربّما كتب رسالته في المدينة اليونانيّة كَنْخَرِيَا القريبة من مدينة كورنثوس. وذِكْر بولس لاسم فيبي، وهي مواطنة يهودية مقيمة في مدينة كورنثوس الواسعة، يرجّح أن يكون المكان الذي كتب بولس منه رسالته إلى أهل رومية هو كَنْخَرِيَا.


إنّ أحد أسباب الرغبة في معرفة المدن التي كُتِبَت منها رسائل العهد الجديد هو التأكّد من تاريخ كتابة الرسالة. ولأنّ الرسول بولس قد ارتحل كثيراً، فمعرفة موقعه في زمن معيّن يمكن أن يعطينا مفتاحاً لمعرفة تواريخ كتابة رسائله.


أسسّ بولس كنيسةً في مدينة كورنثوس في رحلته التبشيريّة الثانية ما بين ٤٩- ٥٢م. (انظر أعمال ١٨: ١- ١٨). ولقد زار اليونان في رحلته الثالثة ٥٣- ٥٨م، وزار اليونان ثانية (أعمال ٢٠: ٢، ٣) وتسلّم تقدُمة للأخوة في أورشليم قرب نهاية كرازته. (رومية ١٥: ٢٥، ٢٦). لذلك، فرسالته إلى رومية لربّما تكون قد كُتبت في الأشهر الأولى من سنة ٥٨م.


ما هي الكنائس الهامة الأخرى التي زارها بولس الرسول في رحلته التبشيريّة الثالثة؟ أعمال ١٨: ٢٣.


عند زيارة بولس الرسول لكنائس غلاطية، اكتشف أنّ معلمين مزيّفين قد نجحوا في إقناع الأعضاء، أثناء غيابه، بالرضوخ لعمليّة الختان وحفظ تعاليم ناموس موسى. ولجزعه من تجاسر معارضيه واحتمال وصولهم قَبله إلى رومية، كتب رسالته هذه إلى أهل رومية لإيقاف تلك المهزلة ومنع حدوثها في رومية ذاتها. ويُعتقد كذلك أنّ الرسالة إلى أهل غلاطية كانت قد كُتبت أيضا من مدينة كورنثوس أثناء تواجد بولس هناك في رحلته التبشيريّة الثالثة، وقد يكون ذلك بعد وصوله إليها بفترة وجيزة.


«وفي رسالته إلى أهل رومية بسط بولس حقائق الإنجيل العظيمة. وقد حدد موقفه بالنسبة إلى المشاكل التي كانت مثيرة لكنائس اليهود وكنائس الأمم، وأراهم أن الآمال والمواعيد التي كانت قبلاً وقفاً على اليهود وحدهم قُدمت الآن إلى الأمم أيضاً» روح النبوة، أعمال الرسل، صفحة ٣١٩).


وكما سبق وذكرنا، فإن من الضروري عند دراسة أيّاً من أسفار الكتاب المقدّس أن نعرف لماذا كُتب هذا السِّفر، أي أن نعرف القضية التي كان يتعامل معها. وبالتالي، فإنه من المهم لفهمنا لرسالة بولس إلى أهل رومية أن نعرف ما هي المسائل التي كانت تُثير وتُرْبِك كنائس اليهود وكنائس الأمم. إنّ درس الأسبوع القادم سيتناول هذه المسائل.






رغبة بولس في زيارة مدينة رومية


لا بديل للاتصال الشخصي، حيث أنه الطريقة المثلى للتواصل في معظم الحالات. يمكننا الاتصال هاتفياً أو إرسال رسالة بريد إلكتروني أو رسالة نصية، بل وحتى التواصل عن طريق «سكايب»، ولكن الالتقاء المباشر أو وجهاً لوجه هو أفضل وسيلة للتواصل مع الآخرين. وهذا هو السبب الذي حدا ببولس أن يقول في رسالته إلى رومية بأنّه إنّما قصد أن يراهم شخصيّاً، أرادهم أن يعلموا بقدومه وسبب ذلك.


اقرأ رومية ١٥: ٢٠- ٢٧. ما الأسباب التي أعطاها الرسول بولس لعدم تمكّنه من زيارة رومية قبلاً؟ وما الذي دفعه للحضور إليها الآن؟ وما مدى أهميّة المرسلية في تفكيره؟ وما الذي يمكن أن نتعّلمه من كلماته عن المرسلية والشهادة بالكلمة؟ ما هي النقطة الهامّة واللازمة التي شدّد عليها بولس في رومية ١٥: ٢٧ عن اليهود والأمم؟


إنّ هذا المُرسل العظيم إلى الأمم قد شعر دائماً بأنه لِزاماً عليه أن يحمل الإنجيل إلى أماكن جديدة، تاركاً المجال للمرسلين الآخرين كي يعملوا في الأماكن التي قد تأسّس فيها الإنجيل بالفعل. وفي الأيام التي كانت فيها المسيحيّة حديثة والعمَّال قليلين، كان تبشير بولس في الأماكن التي تم تبشيرها مسبقاً سيكون إهداراً لجهود بولس الكرازية. وقد قال بولس، «لكِنْ كُنْتُ مُحْتَرِصًا أَنْ أُبَشِّرَ هكَذَا: لَيْسَ حَيْثُ سُمِّيَ الْمَسِيحُ، لِئَلاَّ أَبْنِيَ عَلَى أَسَاسٍ لآخَرَ.  بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: الَّذِينَ لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ سَيُبْصِرُونَ، وَالَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا سَيَفْهَمُونَ» (رومية ١٥: ٢٠، ٢١).


لم يكن قصد بولس الرسول أن يستقر في مدينة رومية. كان هدفه أن يكرز في إسبانيا وكان يأمل في أن يحظى بدعم المسيحيين في رومية لهذه المخاطرة.


ما المبدأ الهام الذي نأخذه بخصوص مرسلية الكرازة من حقيقة أن بولس قد لجأ إلى كنيسة مؤسّسة لتساعده في الوصول إلى منطقة جديدة كي يقوم بتبشيرها؟






بولس في رُومِيَة


«وَلَمَّا أَتَيْنَا إِلَى رُومِيَةَ سَلَّمَ قَائِدُ الْمِئَةِ الأَسْرَى إِلَى رَئِيسِ الْمُعَسْكَرِ، وَأَمَّا بُولُسُ فَأُذِنَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ وَحْدَهُ مَعَ الْعَسْكَرِيِّ الَّذِي كَانَ يَحْرُسُهُ» (أعمال ٢٨: ١٦). ما الذي يخبرنا به هذا النصّ عن كيفيّة وصول بولس أخيراً إلى رومية؟ ما الدرس الذي نتعلّمه هنا عن المفاجآت غير المتوقّعة والتي تعتري طريقنا في كثير من الأحيان؟


نعم، لقد وصل بولس أخيراً إلى رومية، وإن وصل إليها كأسير. فكم من المرّات لا تأتي خططنا كما نتوقّع ونرجو، حتّى تلك التي وضعناها بأحسن النوايا.


وصل بولس إلى أورشليم في نهاية مُهمته التبشيريّة الثالثة، ومعه التقدمة إلى الفقراء التي جمعها من الجماهير في أوروبا وآسيا الصغرى. ولكنّ أحداثاً غير محببّة وغير متوقّعة كانت بانتظاره. فقد قُبض عليه ووُضع في سلاسل، وبعد أن حُجز سجيناً لمدّة عامين في قيصريّة، قدّم شكايةً إلى القيصر. وبعد حوالي ثلاثة أعوام من الأسر، وصل إلى رومية، وربّما ليس بالطريقة التي كان يعتزم أن يزورها بها حين كتب إلى كنيسة رومية قبل ذلك بسنوات مُعْرِباً عن رغبته في زيارة الكنيسة هناك.


ماذا تخبرنا أعمال ٢٨: ١٧- ٣١ عن المدّة التي قضاها بولس في رومية؟ والأهم، ما الدرس الذي نتعلّمه من ذلك؟


«إن ما كان مزمعاً أن يسترعي انتباه البلاط إلى المسيحية لم يكن هو عظات بولس بل وثقه وقيوده. فكأسير أمكنه أن يحطم قيود نفوس كثيرة قيدتها عبودية الخطية. ولم يكن هذا كل شيء. فلقد أعلن قائلاً: ‹وَأَكْثَرُ الإِخْوَةِ، وَهُمْ وَاثِقُونَ فِي الرَّبِّ بِوُثُقِي، يَجْتَرِئُونَ أَكْثَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِالْكَلِمَةِ بِلاَ خَوْفٍ.› (فيلبي ١: ١٤)» (روح النبوة، أعمال الرسل، صفحة ٤٠٢).






«القديسون في رومية»


هنا تحيّة بولس الرسول إلى كنيسة رومية: «إِلَى جَمِيعِ الْمَوْجُودِينَ فِي رُومِيَةَ، أَحِبَّاءَ اللهِ، مَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رومية ١: ٧). أيّ مبادئ للحقّ واللاهوت والإيمان نستخلصها من هذه الآيات؟


أَحِبَّاءُ اللهِ. بما أنه صحيح أنّ الله يحبّ العالم، إلا أنّه بمعنى خاص يحبّ أولئك الذين اختاروه، أولئك الذين استجابوا لمحبّته.


إننا نرى ذلك في المحيط البشري. فنحن نحبّ بصفة خاصّة أولئك الذين يحبّوننا؛ فإننا نتبادل معهم الشعور العاطفي. إنَّ المحبة تتطلب استجابة. وعندما لا تأتي الاستجابة قريباً، لا يتم التعبير عن المحبة تعبيراً كاملاً.


التعبير «مَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ» يعني مصنّفين في مرتبة قدّيسين. إنّ كلمة «قديسين» هي ترجمة للكلمة اليونانية hagioi والتي تعني «الأشخاصُ القديسون». والمقدَّس هو المكرّس. فالقديس هو المرء الذي قد أُفرِز مِن قِبل الله. ولربّما أمام هذا الشخص شوطٌ طويلٌ في التكريس، ولكن لكون هذا الشخص قد اختار المسيح ربّاً فهذا يضعه في مرتبة قديّس بحسب التعبير الكتابي.


قال الرسول بولس بأنهم «مَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ». هل يعني هذا أن بعض الناس غير مدعوين؟ كيف تساعدنا هذه الآيات على فهم ما يعنيه بولس؟ أفسس ١: ٤؛ عبرانيين ٢: ٩؛ ٢بطرس ٣: ٩.


إنّ أعظم خبر سَارٍّ في الإنجيل هو أنّ موت المسيح كان شاملاً لجميع الناس، إنّه كان لأجل جميع البشر. والجميع مدعوّون للخلاص بواسطته، «مدعوُين قدّيسين» مِن قَبل تأسيس العالم. كان قصد الله الأساسي أن يجد الناسُ جميعاً الخلاص في يسوع. إن نار الجحيم الأخيرة كان المقصود لها أن تكون فقط لإبليس وملائكته. (متى ٢٥: ٤١). أما عدم استفادة البعض من عطيّة الله للخلاص فلا يقلّل من مدى عظمة وقيمة هذه العطية، مثلما لا يقلل إضرابَ شخصٍ ما عن تناول الطعام في ساحة السوق من لذة الأطعمة الموجودة في ذلك السوق.






المؤمنون في رومية


«أَوَّلاً، أَشْكُرُ إِلهِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، أَنَّ إِيمَانَكُمْ يُنَادَى بِهِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ» (رومية ١: ٨).


لا يُعرف كيف تأسّس جمهور المؤمنين في رومية. إن التقليد القائل بأنّ الكنيسة قد تأسّست على يّد بطرس أو بولس ليس له سند تاريخي. فإنه لرّبما يكون قد أسّسها الأعضاء العلمانيّون، المتجدّدون في يوم الخمسين في أورشليم (أعمال ٢) الذين قاموا بعد ذلك بزيارة رومية أو النزوح إليها. أو لربّما تكون الكنيسة في رومية قد تأسست بواسطة متجددين من فترة لاحقة انتقلوا إلى هناك فشهدوا بإيمانهم في عاصمة العالم آنذاك.


إنّه من المدهش أنّه في غضون بضع عشرات من السنين بعد يوم الخمسين أنّ جمهوراً قد تَكَوَّنَ دون زيارات أو حملات تبشيريّة تُذكر. «ورغم المعارضة المضادّة فقد نشأت كنيسة فتيّة غيّورة متحّمسة، ولقد سيّج الربّ حولها» (تعليقات روح النبوة، موسوعة الكتاب المقدس للأدﭬنتست، مجلد ٦، صفحة ١٠٦٧).


اقرأ رومية ١٥: ١٤. كيف يصف بولس الكنيسة في رومية؟


ها هي ثلاث صفّات يشير إليها بولس الرسول في اختبار المسيحييّن بكنيسة رومية:


١. «مَشْحُونُونَ صَلاَحاً.» هل يقول الناس هذا عن اختبارنا نحن؟ وإذا عاشرونا، فهل يجذبهم صلاحنا ويسترعي انتباههم؟


٢. «مَمْلُوؤُونَ كُلَّ عِلْمٍ.» يشدّد الكتاب المقدّس على أهميّة التنوّر والمعرفة والفهم. يهيب الله بالمسيحيين أن يدرسوا الكتاب المقدّس ليصبحوا مثقفين عارفين تعاليمه. أيضاً، عبارة « ‘أُعْطِيكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا’ تعني ‘أعطيكم عقلاً جديداً.’ فالتغيير في القلب يأتي عن اقتناع تام بالواجب المسيحي بفهم الحقّ» (روح النبوة، حياتي اليوم، صفحة ٢٤).


٣. «قَادِرُونَ أَنْ يُنْذِرَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.» لا أحد يستطيع أن يتقدّم روحيّاَ إذا انعزل عن الإخوة المؤمنين. نحتاج إلى القدرة على تشجيع الآخرين. وفي الوقت ذاته، نحتاج إلى أن نلقى تشجيعاً من الآخرين أيضاً.






لمزيد من الدرس: «إنّ خلاص الجنس البشري لم يأت نتيجة إعادة نظر أو تعديل اضطراري لزم عمله بسبب انعطاف وتغيّر الأحداث بعد ظهور الخطيّة. بالأحرى، جاء خلاص الجنس البشري حسب خطّة إلهيّة لفداء الإنسان كانت قد وُضِعت قبل خلق هذا العالم. (١كورنثوس ٢: ٧؛ أفسس ١: ٣، ١٤؛ ٢تسالونيكي ٢: ١٣، ١٤) وقد تجذّرت هذه الخطّة في محبّة الله الأزليّة للإنسان (ارميا ٣١: ٣)


«هذه الخطّة تشمل الأبديّة في الزمن الماضي والحاضر والمستقبل. إنّها تتضمّن حقائق وبركات كالاختيار والتعيين المُسْبَق [أفسس ١: ١١] لأن نكون خاصّة الله المقدسة، ولأن نكون مُشَابِهين صُورَة المسيح، وتتضمن كذلك الفداء والغفران، واتّحاد كلّ شيء بالمسيح، وختم الروح القدس، وتسلّم الميراث الأبدي، والتمجيد في الملكوت (أفسس ١: ٣-١٤). والأمر المركزي في هذه الخطّة هو آلام وموت يسوع، الذي لم يكن حدثاً تاريخياً بمحض الصدفة أو مجرّد نتيجة قرار بشري محض ولكنّه كان متجذراً في قصد الله لفدائنا (أعمال ٤: ٢٧، ٢٨). وكان يسوع حقيقةً هو «الْخَرُوفِ الَّذِي ذُبِحَ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ» (رؤيا ١٣: ٨)» [دليل لاهوت الأدڨنتست السبتيين (هاغرستون: ماريلاند: ريفيو آند هيرالد للنشر، ٢٠٠٠)، صفحة ٢٧٥، ٢٧٦].




الدرس الثاني


٧- ١٣ تشرين الأول (أكتوبر)


الصّراعُ






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: عبرانيين ٨: ٦؛ متى ١٩: ١٧؛ رؤيا ١٢: ١٧؛ لاويين ٢٣؛ أعمال ١٥: ١- ٢٩؛ غلاطية ١: ١- ١٢.


آية الحفظ: «لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا» (يوحنا ١: ١٧).


كانت الكنيسة الأولى تتكوّن في معظمها مِن يهود لم يخطر ببالهم، ولو للحظةٍ، أنّهم بقبولهم للمسيّا اليهودي، يسوع، إنّما كانوا بطريقة ما يتحولون عن مواعيد العهد الإلهي التي قطعها الله لبني إسرائيل قديماً. وقد كانوا على صواب، «فعندما رفض اليهودُ الاعترافَ بأنَّ يسوعَ هو المسيح فَصَمُوا علاقةَ العهد مع الله، مُنْهِيِنَ وضعهم الخاص كشعبه المختار (دانيال ٩: ٢٤ - ٢٧). ومع أن عهد الله ووعوده ظلّت هي ذاتها إلا أنه اختار شعباً [روحياً] جديداً ... حلَّ مكان الأمة اليهودية (غلاطية ٣: ٢٧ - ٢٩؛ ٦: ١٥، ١٦)» [كتاب إيمان الأدڨنتست السبتيين، صفحة ٣٢٠]. وكانت المسألة بالنسبة لليهود الذين آمنوا بالمسيح تتعلق بما إذا كان لِزاماً على اليهود أن يصيروا مسيحيين لكي يقبلوا المسيح. كما كانت المسألة الأخرى بالنسبة للكثيرين منهم تتعلق بما إذا كان لِزاماً على الأمميين أن يصيروا يهوداً قبل أن يتمكنوا من قبول المسيح.


وفي وقت لاحق، جاءتهم الإجابة القاطعة من مجمع أورشليم. فقد اتّخذ مجمع أورشليم قراراً بألاّ يثقّلوا على الأممييّن بمجموعة مراسيم وقوانين. وهذا معناه أنّ الأممييّن لم يكونوا بحاجة إلى أن يصيروا يهوداً أولاً حتى يقبلوا يسوع ويؤمنوا به.


وبالرغم من هذا القرار، فقد أصرّ بعض المعلّمين المتزمّتين على أنّ المتجددين من الأمم كان عليهم أن يحفظوا هذه القوانين والفروض والنواميس، بما في ذلك الختان، (الأمر الذي لم يجعل المسيحيّة أمراً جذّاباً خاصة بالنسبة للرجل البالغ). هذا يعني أنَّ اليهود اعتقدوا أنه لكي يصبح هؤلاء الأمميين مشاركين في وعود العهد، فإن عليهم الالتزام بالكثير من القوانين والتعليمات التي كانت تُعتبر شرطاً ضرورياً للقبول في الحظيرة اليهودية.


ماذا كانت القضايا محور الخلاف وكيف تمَّ التعامل معها؟


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ١٤ تشرين الأول (أكتوبر).




عهدٌ أفضل


اقرأ عبرانيين ٨: ٦. ما هي الرسالة هنا؟ وكيف لنا أن نفهم ما هي هذه «المَوَاعِيد الأَفْضَل»؟


لربّما كان أعظم فرق بين ديانة العهد القديم وديانة العهد الجديد هو حقيقة أنّ حقبة العهد الجديد قد تأسسّت بقدوم المسيّا، يسوع الذي من الناصرة. لقد أُرسل يسوع مِن قِبل الله ليكون المخلّص. لا يمكن أن يتجاهله الناس وينالون الخلاص. فقط من خلال الكفارة التي قدّمها يمكن أن تُغفر خطاياهم. فقط من خلال الانتساب والاستناد إلى حياته الكاملة يمكنهم أن يقفوا أمام الله بلا إدانة. بكلام آخر، إنّ الخلاص كان من خلال برّ المسيح وليس بأمرٍ آخر.


إنّ قدّيسي العهد القديم تطلّعوا إلى بركات عصر المسيّا والوعد بالخلاص. وقف الناس في العهد الجديد أمام سؤال محيّر، هل يقبلون يسوع الناصري الذي أرسله الله كالمسيّا مخلّصهم؟ لو أنّهم آمنوا به، أي أنّهم قبلوه كما هو وسلّموا أنفسهم له، فلسوف يَخْلَصون بواسطة البرّ الذي يُقَدَّمُ لهم مجّاناً.


وعلى أي حالٍ، فإنّ المطاليب الروحيّة تبقى كما هي في العهد الجديد دون تغيير، لأنّها مؤسسّة على صفات الله ويسوع المسيح. والطاعة للناموس الأدبي، ناموس الوصايا العشر، هو جزءٌ هام ٌ في عهد الله بأسفار العهد الجديد كما كان في القديم تماماً.


اقرأ متى ١٩: ١٧؛ رؤيا ١٢: ١٧؛ ١٤: ١٢؛ يعقوب ٢: ١٠، ١١. ماذا تخبرنا هذه الفقرات الكتابية عن الناموس الأدبي في العهد الجديد؟


في نفس الوقت، فإنَّ مجمل التعليمات والنواميس الطقسيّة – التي كانت بالضرورة يهوديّة وكانت مرتبطةً تماماً بعهد الله قديماً، وكانت جميعها تشير إلى يسوع وموته وخدمته كرئيس كهنة – قد انتهى عملها، وأُسّس نظامٌ جديدٌ، نظام مبنيّ على «مواعيد أفضل.»


لقد كان من أعظم مهام بولس في رسالة رومية هو مساعدة كلا اليهود والأممييّن أن يفهموا ما يعنيه التحوّل من اليهودية إلى المسيحيّة. وقد كان الأمر يحتاج لوقت ليس بقصير حتى يحدث ذلك التحوّل. إنّ كثيراً من اليهود الذين قبلوا يسوع لم يكونوا جاهزين لتلك التغييرات التي كانت ستأتي.






القوانين والمراسيم اليهوديّة


بقدر ما يسمح الوقت، تصفّح سفر اللاويين، انظر على سبيل المثال الأصحاحات ١٢، ١٦، ٢٣. ما هي الأفكار التي تراودك وأنت تقرأ هذه القوانين والتعليمات والطقوس؟ لماذا يتعذّر السلوك بموجب الكثير من هذه الأمور في أزمنة العهد الجديد؟


إنّه من المناسب لنا ترتيب قوانين العهد القديم في مصنّفات متنوعة:


الناموس الأدبي (٢) الناموس الطقسي (٣) النواميس المدنية (٤) اللوائح والقوانين (٥) النواميس الصحيّة. هذا التصنيف هو اصطناعي بعض الشيء. وفي الحقيقة، إنّ بعض هذه النواميس والقوانين متداخلة ومتشابكة. والأقدمون لم ينظروا إليها على أنها منفصلة عن بعضها.


أمَّا الناموس الأدبي فملخّص في الوصايا العشر (خروج ٢٠: ١- ١٧). هذا الناموس يُلَخِّص المطاليب الأدبيّة للبشر. هذه الوصايا العشر موضحة أكثر في عدّة لوائح وأحكام في الخمسة الأسفار الأولى بالكتاب المقدّس. هذه التفاصيل تبيّن كيفيّة حفظ ناموس الله في حالات متنوّعة. ولا تُستثنى من ذلك النواميس المدنية لأنّها مبنية على الناموس الأدبي. وهي تعرّف علاقة المواطن بالسلطات المدنيّة وبالمواطنين أمثاله، وهي تحتوي على العقوبات للتعديات والتجاوزات.


والناموس الطقسي يُنظّم خدمات الهيكل شارحاً التقدمات المختلفة والمسؤوليات الشخصيّة للمواطن. وهو يعيّن أيّام الأعياد ويشرح طريقة الاحتفال بها.


والقوانين الصحيّة تتشابك مع القوانين الأخرى. فالقوانين المتعلّقة بعدم الاهتمام بالنظافة تقوم بتعريف التقصير في النظافة الطقسية في الهيكل وتذهب إلى أبعد من ذلك لتشمل النظافة الشخصيّة. والقوانين الصحيّة والقوانين المتعلّقة باللحوم الطاهرة والنجسة هي مبنيّة على اعتبارات جسدية.


من المحتمل أنّ اليهودي قد فكّر في هذه النواميس على أنّها حزمة واحدة مصدرها الله، لكن لا بدّ أنّه كان يُميِّز بينها ذهنياً. فالوصايا العشر قد نطق بها الله مباشرةً للشعب، الأمر الذي يميِّزها ويجعلها ذات أهمية خاصة. والنواميس الأخرى قد أُعطيت بواسطة موسى. والطقوس الدينية كان يتم مراعاتها أثناء مزاولة خدمات الهيكل.


والنواميس والقوانين المدنيّة، على الأقل جزء كبير منها، لم يكن من الممكن فرضها بعد فقدان اليهود استقلالهم، ووقوعهم تحت سلطان أمّة أخرى. إنّ كثيراً من الطقوس لم يعد في الإمكان حفظها بعد تدمير الهيكل. أيضاً، وبعد قدوم المسيّا، فقد التقى الرمز بالمرموز إليه ولَمْ تَبْقَ هناك حاجةٌ إلى ممارسة تلك الطقوس.




حسب عادة موسى


اقرأ أعمال ١٥: ١. ما القضية التي سبّبت الخلاف والشقاق؟ لماذا يعتقد بعض الناس أنّ هذا الإجراء لم يكن يقتصر على الأمة اليهوديّة فقط؟ انظر سفر التكوين ١٧: ١٠.


في حين اندمج الرسل والكهنة والأعضاء العلمانيون بأنطاكية في محاولة مُخلِصة لربح أنفس عديدةٍ للمسيح، نجح بعض المؤمنين اليهود «مِنْ مَذْهَبِ الْفَرِّيسِيِّينَ» في إلقاء سؤال سرعان ما أدّى إلى صراع واسع النطاق في الكنيسة وتسببّ في ذعر المؤمنين من الأمم. وبثقة كبيرة، أصرَّ هؤلاء المعلّمون على حتميّة الختان وحفظ كلّ بنود الناموس الطقسي للحصول على الخلاص. لقد افتخر اليهود دائماً بخدمات الهيكل المعيّنة لهم من الله. وكثير من أولئك الذين تجدّدوا وآمنوا بالمسيح كانوا لا يزالون يعتقدون: بما أنّ الله كان قد عيّن للأمّة اليهوديّة طريقة العبادة منذ القدم، فليس من المعقول أن يغيّر هذه المراسيم والطقوس الآن، واصرّوا بأنّ الطقوس والممارسات اليهوديّة ينبغي أن تندمج بفرائض الديانة المسيحيّة. كانوا بطيئين في استيعاب أنّ كلّ التقدمات والذبائح كانت فقط لتشير إلى موت ابن الله، وحيث التقى الرمز بالمرموز إليه فإن الطقوس والمراسيم الموسويّة لم تعد مُلزِمَة وبطل مفعولها.


اقرأ أعمال ١٥: ٢- ١٢ كيف تم تسوية هذا النزاع؟


«ففيما كان [بولس] ينظر إلى الله في انتظار إرشاد مباشر، كان أبداً مستعداً لأن يعترف بالسلطة المعطاة لهيئة المؤمنين المتحدين معاً في شركة الكنيسة. لقد أحس بالحاجة إلى المشورة وعندما طرأت شؤون هامة سَرَّهُ أن يبسطها أمام الكنيسة ويتحد مع إخوته في طلب الحكمة من الله لاتخاذ القرارات الصائبة حيالها» (روح النبوة، أعمال الرسل، صفحة ١٦٧).


من المثير للاهتمام أن نعرف بأنّ الرسول بولس الذي كثيراً ما تحدّث عن دعوته النبويّة وكيف كلّفه يسوع بالمهمّة الكرازيّة، أصبح الآن على استعداد لأن يعمل مع جسد المسيح الذي هو الكنيسة. بمعنى أنّه مهما كانت الدعوة التي تسلّمها من الله، فقد تيقّن بأنّه جزءٌ من الكلّ، الكنيسة، ويجب عليه أن يعمل معها بقدر الإمكان.






المؤمنون الأمميّون


اقرأ أعمال ١٥: ٥- ٢٩. ما القرار الذي اتّخذه مجمع أورشليم، وماذا كانت أسباب اتخاذ ذلك القرار؟


كان القرار مضاداً لادعاءات المتهوّدين المتعصبين. هؤلاء القوم أصروا على أنّ المتجددّين من الأمم لا بّد أن يُختتنوا ويَحفظوا جميع متطلبات الناموس الطقسي، «وقد أصروا على أن الشرائع والطقوس اليهودية ينبغي أن تندمج في فرائض الديانة المسيحية» (روح النبوة، أعمال الرسل صفحة ١٥٧).


من المثير للاهتمام، في أعمال ١٥: ١٠، ملاحظة الطريقة التي بها صوّر الرسول بطرس هذه النواميس القديمة باعتبارها «نِيرٍ» لم يستطيعوا حمله. فهل الله الذي أنشأ هذه النواميس والقوانين، يعمل منها نِيراً على رقاب شعبه؟ لا يمكن تخيّل ذلك. فبدلاً من ذلك، وعلى مر السنين، قام بعض القادة، من خلال طقوسهم الشفوية، بتحويل كثير من هذه النواميس التي كان من المفترض لها أن تكون بَرَكَة، إلى أحمال ثقيلة. لقد سعى مجمع أورشليم إلى إراحة الأممييّن من هذه الأحمال.


لاحظ أيضاً انّه لم يُذْكَرْ بأنّ الأمميين لا يحتاجون إلى أن يطيعوا الوصايا العشر، فهل تتخيّل أنّ المجلس الذي أخبرهم بألا يأكلوا الدم يعود فيخبرهم أنه من المقبول أن يتجاهلوا الوصايا العشر الخاصّة بالزنى والقتل وما شابه؟ بالطبع لا.


ما هي القوانين التي وُضِعت للمؤمنين من الأمم (أعمال ١٥: ٢٠، ٢٩) ولماذا هذه القوانين بالذات؟


وعلى الرغم من أنه ما كان ينبغي أن يفرض المؤمنون من اليهود قوانينهم وطقوسهم على الأممييّن، إلا أنّ مجمع أورشليم أراد أن يتأكّد من أن الأممييّن لم يفعلوا شيئاً يمكن اعتباره مسيئاً لليهود الذين اتّحدوا معهم في المسيح. فالرسل والشيوخ اتفقوا عندئذ أن يُعْلِموا الأممييّن، من خلال رسالة، بأَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ نَجَاسَاتِ الأَصْنَامِ، وَالزِّنَا، وَالْمَخْنُوقِ، وَالدَّمِ. يقول البعض بأنّ تقديس السبت لم يُذْكَر على وجه الخصوص في الرسالة، فلا بدّ أنّه لم يكن مُلزِماً للأممييّن (وبالطبع فالوصايا بخصوص شهادة الزور والقتل لم تُذكر كذلك، لذا فهذا الجدال هو غير معقول).






بولس والغلاطيون


بغضّ النظر عن وضوح القرار الذي اتّخذه مجمع أورشليم، فقد كان لا يزال هناك أولئك الذين قصدوا بأن يذهبوا في طرّيقهم وكانوا يواصلون التشديد على وجوب أن يحفظ الأمميون الطقوس اليهودية والنواميس التقليديّة. وقد رأى بولس أنّ ذلك الوضع خطير جدّاً لأنّ الأمر لم يكن بخصوص توافه بسيطة في مفهوم الإيمان، بل أصبح رفضاً لإنجيل المسيح ذاته.


اقرأ غلاطية ١: ١- ١٢. ما مدى خطورة المسألة التي واجهها بولس في غلاطية؟ ماذا يخبرنا ذلك عن أهميّة هذه المسألة؟


كما ذكرنا سابقاً، فقد كان الوضع في غلاطية هو الذي حدا، لدرجة كبيرة، إلى الإسراع في حمل الرسالة إلى رومية. في رسالته إلى رومية، يشدّد الرسول بولس على موضوع الرسالة إلى أهل غلاطية. فلقد جادل البعضُ من المؤمنين اليهود بأنّ الناموس الذي أعطاه لهم الله عن طريق موسى هو هامّ للغاية ويجب حفظه بواسطة الأممييّن المتجدّدين. وكان بولس يحاول أن يوضّح مكانة الناموس ومهمّته. فلم يكن يرغب في أنّ هؤلاء اليهود يَكون لهم موطئ قدم في رومية كما فعلوا في غلاطية.


إنّه لأمرٌ في غاية البساطة أن تسأل ما إذا كان بولس يتحدّث عن الناموس الطقسي أو الناموس الأدبي في غلاطية ورومية. فالقضية كانت تتعلق بما إذا كان ينبغي أن يُطْلَبَ من المهتدين من الأمم الخضوع لعملية الختان وحفظ ناموس موسى. وقد كان مجمع أورشليم قد حسم هذه المسألة بالفعل، لكن بعضاً من اليهود المتزمتين، ممّن أصبحوا مسيحيين، رفضوا إتِّباع قرار مجمع أورشليم.


ويرى البعض في رسالتي بولس إلى أهل غلاطية وأهل رومية إشارة إلى أنّ الناموس الأدبي، الوصايا العشر، أو في الحقيقة الوصيّة الرابعة فقط، لم تعد مُلزِمة للمسيحييّن. ومع ذلك، فإنهم لم يستوعبوا مضمون الرسالتين إلى غلاطية ورومية، كما أنهم لم يضعوا في الاعتبار السياق التاريخي للرسالتين والقضايا التي كان بولس يحاول معالجتها من خلال هاتين الرسالتين. وكما سنرى، فإنّ بولس شددّ على أنّ الخلاص كان بالإيمان فقط وليس بحفظ الناموس، ولا حتّى الناموس الأدبي. ومع هذا، فذلك ليس نفس الشيء كالقول بأنّ الناموس الأدبي لا يجب طاعته. فوجوب حفظ وإطاعة الوصايا لم يكن أبداً محلّ جدال. إنّ أولئك الذين يقحمون الناموس الأدبي في الجدال إنما يتحدّثون عن أمر آخر لم يتحدّث عنه بولس الرسول بتاتاً في رسالتيه إلى غلاطية ورومية.






لمزيد من الدرس: اقرأ لروح النبوة الفصل الذي بعنوان «اليهود والأمم»، صفحة ١٥٦- ١٦٧؛ والفصل الذي بعنوان «ارتداد في غلاطية»، صفحة ٣٢٧- ٣٣٢، وذلك في كتاب أعمال الرسل؛ وفي كتاب الآباء والأنبياء، اقرأ الفصل الذي بعنوان «إعطاء الشريعة»، صفحة ٢٦١- ٢٧٣، والفصل الذي بعنوان «الشريعة والعهدان»، صفحة ٣١٨- ٣٢٧؛ وفي كتاب مشتهى الأجيال، اقرأ الفصل الذي بعنوان «الشعب المرفوض»، صفحة ٢٥- ٢٨.


لا شك أنّ كنيستنا تواجه أوقات صراع ونزاع. وهذا ليس جديداً علينا. فقد كان إبليس دوماً في حرب مع الكنيسة، حتّى في أيام المسيحيّة الأولى، ظهر الغضب والصراع بين صفوف المؤمنين. وكان هناك صراع، لو لم يُحَل لتمكّن من تدمير الكنيسة في مهدها.


«فعن طريق تأثير المعلمين الكذبة الذين ظهروا بين مؤمني أورشليم، بدأت الانقسامات والهرطقات والشهوانية ترسخ أقدامها بسرعة بين مؤمني غلاطية. هؤلاء المعلمون الكذبة مزجوا التقاليد اليهودية بحقائق الإنجيل. فإذ تجاهلوا حكم المجمع العام الذي انعقد في أورشليم، ألحوا على المهتدين من الأمم بأن يحفظوا الناموس الطقسي وقد صار الموقف حرجاً ومتأزماً» (روح النبوة، أعمال الرسل، صفحة ٣٢٧).




الدرس الثالث


١٤- ٢٠ تشرين الأول (أكتوبر)


الحالة الإنسانية






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: رومية ١: ١٦، ١٧، ٢٢- ٣٢؛ ٢: ١- ١٠، ١٧- ٢٤؛ ٣: ١، ٢، ١٠- ١٨، ٢٣.


آية الحفظ: «إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ» (رومية ٣: ٢٣).


في بداية الرسالة إلى رومية يسعى الرسول بولس إلى تثبيت الحق المركزي للإنجيل- حالة الإنسان التعيسة. هذه الحقيقة تُظهر أنه منذ السقوط في الخطيّة وصاعداً، قد تلوثنا جميعنا بالخطيّة. إنّها متأصّلة في الجينات مثل لون عيوننا.


لقد كتب المصلح مارتن لوثر الآتي معلّقاً على رسالة رومية: «التعبير القائل ‘الجميع تحت الخطية’ يجب أن نأخذه بحسّ روحي؛ كأن نقول، ليس كما يظهر الناس في أعين أنفسهم ولا في أعين الآخرين ولكن كما يَظهرون أمام الله. هم بجملتهم تحت الخطيّة، أولئك الذين يظهرون متعدين في عيون الناس، وكذلك أولئك الذين يظهرون أبراراً في أعين أنفسهم وأمام الآخرين. إنّ أولئك الذين يقومون بأعمال صالحة ظاهرّياً، إنّما يفعلون ذلك خوفاً من العقاب أو حبّاً في الربح والمجد، أو طلباً لغرض معيّن، وليس بذهنٍ راضٍ وراغبٍ في عمل الصلاح. بهذه الكيفيّة فإنّ الإنسان يمرّن نفسه باستمرار في أعمال صالحة مرئيّة، ولكن داخليّاً فهو غارق في رغبات خاطئة وملذّاتٍ شهوانيةٍ شرّيرة، هي مضادة للأعمال الصالحةِ السويّة» (مارتن لوثر، تعليق على رسالة رومية، صفحة ٦٩).


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢١ تشرين الأول (أكتوبر).




قوّة الله


«لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ.  لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ، لإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا» (رومية ١: ١٦- ١٧). ماذا تقول الفقرة الكتابية في رومية ١: ١٦، ١٧؟ كيف اختبرت المواعيد والرجاء المتضمّن فيها؟


يوجد العديد من الكلمات الهامّة الرئيسيّة في هذه الفقرة:


١. الإنجيل. هذه هي الترجمة اليونانية لكلمة تعني حرفياً «رسالة سارّة» أو «أخبار سارّة». ولو أخذت الكلمة بمفردها فقد تشير إلى أيّة رسالة مُفرِحة، ولكن لأنّها مرتبطة بكلمة «الْمَسِيحِ» فهي تعني «الأخبار السارّة عن المسيّا» (كلمة "المسيح" هي الترجمة للكلمة اليونانية التي تعني المسيّا). الأخبار السارة هي أنّ المسيّا قد جاء ويمكن للناس أن يحصلوا على الخلاص عن طريق الإيمان به. إنّنا نجد الخلاص في يسوع وفي برّه الكامل- وليس في أنفسنا أو حتّى في ناموس الله.


٢. البِرّ. هذه الكلمة تشير إلى صفة «التوافق والرضى» مع الله. ولقد ظهر معنى خاص لهذه الكلمة في رسالة رومية والتي سوف نتناولها في دراستنا لمحتويات الرسالة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الآية في رومية ١: ١٧ تربط هذه الكلمة بِاسْمِ الجلالة. إنّ هذا البرّ يأتي من الله، والله هو موجِده وواهبه. وكما سنرى، فإنّ هذا هو البرّ الوحيد الفريد الذي له الصلاحية أن يمنحنا الوعد بالحياة الأبديّة.


٣. الإيمان. في اللغة اليونانيّة، الكلمتان المترجمتان «يؤمن» و «إيمان» في هذه الفقرة هما الفعل والاسم من مصدرٍ واحد. إنَّ معنى الإيمان وارتباطه بالخلاص سيظهر جليّاً إذ نتابع دراسة رسالة رومية.






الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا


اقرأ رومية ٣: ٢٣. لماذا من السهل علينا أن نؤمن بهذا الكلام اليوم كمسيحييّن؟ وفي نفس الوقت، ما الذي قد يجعل بعض الناس يشككون في صدق هذه الآية؟


من المدهش حقّاً، أنّ بعض الناس يتَحدّون فكرة الخطيّة البشريّة، مجادلين بأنّ الناس صالحون بالفطرة. والمشكلة، على أي حال، تنبع من عدم فهم الصلاح الحقيقي. فيمكن أن يقارن الناس أنفسهم بآخرين فيشعرون بارتياح ورضى عن حالتهم. أليس من السهل أن نجد أناساً أسوأ منّا فنقارن أنفسنا بهم. ولكّن ذلك ليس ضماناً للرضى عن أنفسنا. إنّما عندما نقابل حالتنا مع الله ومع القداسة والبرّ الإلهي فلا يخرج أحدنا من هذه المقارنة إلاّ بشعور الخزي والنقص الذريع.


وتتحدّث الآية في رومية ٣: ٢٣ أيضاً عن مجد الله، ولقد فُسّرت هذه العبارة بطرق متنوعة، ولربّما أبسط تفسير لمحتوى هذه العبارة هو ما ورد في ١كورنثوس ١١: ٧. «فَإِنَّ الرَّجُلَ ... صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ.» وفي اليونانية تُستخدم كلمة «صُورَة» بدل كلمة «مجد». لقد شوّهت الخطيّة صورة الله في البشر. والبشر الخطاة بعيدون كلّ البعد عن أن يعكسوا صورة الله أو مجده.


اقرأ رومية ٣: ١٠- ١٨. هل تغيّر شيء اليوم؟ أيّ من تلك الصور هي الأفضل في وصفك؟ ما الذي كنت ستكون عليه لو لم يكن المسيح في حياتك؟


ومهما كانت حالتنا سيئة، فحالتنا ليس ميؤوس منها. فالخطوة الأولى هي الاعتراف بالخطيّة المهيمنة على حياتنا وعجزنا عن فعل أي شيء حيالها بقوّتنا الذاتيّة: إنّه عمل الروح القدس لإظهار هذه القناعة. فإذا لم يقاوم الخاطئ الروح القدس فهو سوف يقوده لأن يمزّق القناع، قناع المقاومة المظهري والتبرير الذاتي ويلقي بنفسه في أحضان المسيح متوسّلاً وطالباً رحمته صارخاً «اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ» (لوقا ١٨: ١٣).






هل مِن تقدّم؟


عند نهاية القرن العشرين، عاش الناس بفكرة أنّ الإنسانيّة آخذة في التقدّم المطّرد، وأنّ المبادئ الأخلاقيّة متزايدة وأنّ العلم والتكنولوجيا سيساعدان على تأسيس المدينة الفاضلة. وكان يُعتقد بأنّ البشر كانوا يسلكون الطريق صوب الكمال. من خلال التعليم القويم والتدريب الأدبي الروحي، كان يُتَوهّم أنّ البشر سوف يتقّدمون هم ومجتمعهم. كان كلّ ذلك يُفترض حدوثه بالجملة بمجرّد دخولنا في القرن الرائع الجديد، القرن الحادي والعشرين.


وللأسف، لم تتغيّر الأمور تماماً بهذه الكيفيّة، أليس كذلك؟ فإن القرن الحادي والعشرين كان من أشدّ القرون عنفاً وبربريّة في التاريخ. ومن المفارقات أن التقدم العلمي هو الذي مَكّن البشر من قتل الآخرين على نطاق أوسع مما كان يحلم به أعتى المجرمين عديمي الأخلاق في الماضي! فماذا كانت المشكلة؟


اقرأ رومية ١: ٢٢- ٣٢. بأي طرق نرى الأمور التي كُتِبَت في القرن الأول الميلادي تأخذ مجراها الآن في القرن الحادي والعشرين؟


قد نحتاج إيماناً لنصدّق أموراً كثيرةً في المسيحيّة: من بينها، قيامة الأموات، المجيء الثاني، السماء الجديدة والأرض الجديدة. ولكن مَن ذا الذي يحتاج إيماناً ليصدّق الحالة المترديّة للبشرية؟ فاليوم كل واحد منّا يعيش في نتائج الحالة المتدهورة.






الأمر الذي يشترك فيه اليهود والأمميّون


تناول الرسول بولس في الأصحاح الأول من رسالته إلى رومية، بصورة خاصّة، خطايا الأمم الوثنيين، الذين ذهبوا بعيداً عن الله منذ زمن سحيق، وهكذا سقطوا في أحطّ الممارسات الرديّة.


لكنّ بولس لم يغفل أو يتغاضى عن ممارسات شعبه وبني جنسه أيضاً، فبالرغم من الامتيازات التي أُعطيت لهم (رومية ٣: ١، ٢)، كانوا هم أيضاً خطاة، مدانين حسب ناموس الله الأدبي وبحاجة إلى نعمة المسيح المخلّصة. وبهذا المعنى، يتساوى اليهود والأمميون من حيث أنهم جميعاً خطاة قد تعدّوا وصايا الله ويحتاجون لنعمة الله لكي يخلصوا.


اقرأ رومية ٢: ١- ٣، ١٧- ٢٤. ما الذي يحذّر منه بولس الرسول هنا؟ ما الرسالة التي ينبغي علينا جميعاً، يهوداً كنا أم أممييّن، أن نتّعظ بها من هذا الإنذار؟


«بعد أن بيّن الرسول بولس أنّ كل الوثنيين هم خطاة، فهو الآن، بصورة خاصة وبقوّة كبيرة مؤثرة، يُظهر بأنّ اليهود أيضاً يعيشون في الخطيّة، لأنّهم يطيعون الناموس ظاهريّاً فقط، أي بناءً على الحرف وليس بحسب الروح» (مارتن لوثر، تعليق على رسالة رومية، صفحة ٦١).


في كثير من الأحيان، يكون من السهل أن نرى ونشير إلى خطايا الآخرين. كم مرّةً، مع ذلك، نكون أنفسنا مجرمين نرتكب نفس الآثام أو أفظع منها؟ المشكلة هي أننّا غالباً ما نتعامى عن أخطائنا وننظر بالرضى عن أنفسنا بسبب مقارنة حالتنا بحالات مَن هم أسوأ منّا.


لكن بولس لا يرضى عن هذا، وهو يحذّر بني جنسه ألاّ يتسرّعوا في الحكم على الأممييّن، لأنّهم، أي اليهود، حتى لو كانوا خاصّة الله المختارة – فهم خطاة. وقد كانوا في بعض الحالات أكثر جرماً من الوثنيين الذين كان اليهود يكيلون لهم الإدانة والاتّهامات، لأنّ اليهود قد حصلوا على نور أكثر من الأممين.


والنقطة التي يؤكد عليها بولس هنا هي أنّه لا يوجد فيما بيننا إنسان بار. لا أحد فينا يصل إلى المستوى الإلهي المطلوب. لا أحد صالحٌ بِالفِطْرَة أو تقي بالوراثة. فسواء يهودي أم أممي، ذكر أم أنثى، غنيّ أم فقير، يخاف الله أو يرفضه، فجميعنا مدانون، ولولا نعمة الله كما هي معلنة في إنجيله، لكنّا جميعنا تحت دينونة وبلا رجاء.






الإنجيل والتوبة


«أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟» (رومية ٢: ٤) ما هي الرسالة المتضمّنة لنا هنا بخصوص مسألة التوبة؟


يجب أن نلاحظ بأنّ لُطْفَ الله يقودنا، ولا يجبرنا كخطاةً للتوبة. فالله لا يمارس الإكراه. فهو صَبُور طويل الأناة ويسعى لجذب جميع الناس بمحبته. فالتوبة بالإرغام تقضي على الغرض منها، أليس كذلك؟ إنّ فرض الله التوبة بالقوّة، ألا يَخْلَص كل إنسان إذن؟ لأنّه لماذا يجبر البعض على التوبة دون غيرهم؟ ينبغي أن تكون التوبة عملاً ناتجاً عن الإرادة الحرّة واستجابة لعمل الروح القدس في حياتنا. نعم، التوبة هي هبة من الله، ولكن يجب علينا أن نكون مستعديّن ومنفتحين لقبولها. إنّها اختيار حرّ، نستطيع بمحض إرادتنا أن نتخذه لأنفسنا.


ما الذي يحدث لأولئك الذين يرفضون التوبة، ويستمروّن في العصيان؟ (رومية ٢: ٥- ١٠).


يشدّد الرسول بولس على الأعمال الصالحة في رومية ٢: ٥- ١٠، ويكرر التشديد على ذلك في كلّ رسالة رومية. إن عبارة التبرير بالإيمان وبدون أعمال الناموس، لا ينبغي تفسيرها بأنّ الأعمال الصالحة لا مكان لها في الحياة المسيحيّة. فمثلاً في رومية ٢: ٧ يأتي الخلاص للذين يطلبونه بِصَبْرٍ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ. ومع أنّ المجهود البشري لا يجلب الخلاص، فهو جزء من اختبار العمل الخلاصي. من الصعوبة بمكان أن يتخيّل المرء إنساناً بعد قراءة الكتاب المقدس، يخرج مقتنعاً بعدم أهميّة الأعمال الصالحة. التوبة الخالصة الصادقة من صميم القلب سيتبعها تصميم على الانتصار والتخلّص من الأمور التي نحن بحاجة إلى أن نتوب عنها، ومن ثمّ الانخراط في العمل الصالح.






لمزيد من الدرس: «وهكذا تبيّن الاصطلاحات الكتابيّة أنّ الخطيّة ليست مصيبةً نزلت على الإنسان مباغتةً وإنّما هي نتيجة لنشاط وعمل إرادي واختيار شخصي محض. والأبعد من ذلك، فالخطيّة ليست غياب الصلاح، إنما هي تقصير البشر في بلوغ توقعات الله لهم. إنها مسار شرّير قد اختاره الإنسان بإرادته الحرّة. إنّها ليست ضعفاً لا يُحاسب عليه الإنسان، لأنّ الإنسان في حالة ارتكاب الخطية يقرّر عمداً أن يخطئ بعصيانه أوامر الله وتعدّيه ناموس الله وفشله في الاتّعاظ بكلمة الرب. فالخطية تحاول تخطّي الحدود التي وضعها الله. بالاختصار ... الخطيّة هي تمرّد على الله» [دليل لاهوت الأدڨنتست السبتيين (هاغرستون: ماريلاند: ريفيو آند هيرالد للنشر، ٢٠٠٠)، صفحة ٢٣٩].


«لقد وُضعت أمام ناظريّ حالة العالم. فاللأخلاقية منتشرة في العالم في كلّ مكان. الفسق هو خطيّة العالم الكبرى الآن في هذا العصر، ولم يكشّر الفساد عن أنيابه من قبل بهذه الكيفيّة. كما أنّ الناس واقعون تحت سلطان عقار منوّم، ومحبو التقوى والصلاح قد يئسوا من تمادي الفساد والشرّ. والفساد لا يستشري فقط بين عديمي الإيمان والمستهزئين. لو كانت الحال هكذا لهان الأمر، فكثير من الرجال والنساء الذين يدينون بدين المسيح هم مجرمون. فحتّى الذين يدّعون بأنّهم ينتظرون ظهوره على السحاب، ليسوا أكثر استعداداً لذلك الرجاء من الشيطان نفسه. إنّهم لا يسمحون للروح القدس أن يغسلهم من أدران الخطيّة بالتوبة الحقيقية. إنّهم قد خدموا شهواتهم طويلاً حتى صار طبيعيّاً أن تكون تصوّراتهم وأفكارهم دنسة وتخيلاتهم فاسدة» (روح النبوة، شهادات للكنيسة، الجزء الثاني، صفحة ٣٤٦).




الدرس الرابع


٢١- ٢٧ تشرين الأول (أكتوبر)


التبرير بالإيمان






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: رومية ٣: ١٩- ٢٨.


آية الحفظ: «إِذًا نَحْسِبُ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ بِدُونِ أعمال النَّامُوسِ» (رومية ٣: ٢٨).


في هذا الدرس نأتي إلى أهم موضوع في الرسالة إلى رومية: التبرير بالإيمان- وهو الحقّ العظيم الذي، أكثر من أي حق آخر، أدى إلى حدوث الإصلاح البروتستانتي. وبالرغم من الادعاءات التي ترى غير ذلك، إلا أن موقف روما بشأن هذا الاعتقاد – التبرير بالإيمان – لم يتغير عَمَّا كان عليه سنة ١٥٢٠م، عندما أصدر البابا «ليو» فرماناً بابوّياً يدين فيه مارتن لوثر وتعاليمه. لقد أحرق مارتن لوثر نسخةً من ذلك الفرمان لأنّ هذا المبدأ – مبدأ التبرير بالإيمان – دون غيره لا يمكن المساومة فيه.


إن عبارة «التبرير بالإيمان» في حد ذاتها هي استعارة تستند إلى المصطلحات القانونية. فالمتعدّي على الناموس أو القانون يقف أمام القاضي ويُحكَم عليه بالموت لتعدّياته. لكنّ البديل يظهر ويحمل جرائم المتعدّي على عاتقه منقذاً المجرم الجاني. وبقبول البديل، يقف المتعدّي أمام القاضي، ليس فقط خالياً من الذنب وإنّما يُعتبر وكأنّه لم يقترف جرماً أدى به إلى المثول أمام القاضي في المحكمة. هذا كلّه لأنّ البديل – الذي لديه سجلّ ناصعٌ كاملٌ – يمنح الخاطئَ المبرّرَ سجلّهُ المتسم بالحفظ الكامل للناموس.


في خطّة الخلاص، كلّ واحد منّا هو المجرم. والبديل، يسوع، له سجلّ كامل، وهو يقف بديلاً عنّا في المحكمَة. ويُقْبَل برّه بديلاً عن إثمنا. ومن هنا فنحن نتبررّ أمام الله، ليس بسبب أعمالنا ولكن بسبب يسوع الذي يُحسب برّه لنا عند قبولنا لهذا البرِّ بالإيمان. هذه هي الأخبار السارّة.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢٨ تشرين الأول (أكتوبر).




أعمال الناموس


اقرأ رومية ٣: ١٩، ٢٠. ماذا يقول بولس الرسول هنا عن الناموس؟ وماذا يقول عمّا يفعله الناموس وعمّا لا يفعله، وكذلك ما لا يستطيع أن يفعله؟ لماذا تعد هذه النقطة هامة جدّاً بالنسبة لكلّ المسيحييّن كي يستوعبوها؟


يستخدم الرسول بولس كلمة (الناموس) بمعناها الواسع كما كان اليهودي يفهمها في عصره. فاصطلاح التوراة (الكلمة العبرية لكلمة ناموس)، يُذكِّر اليهودي، حتى في يومنا هذا، بتعاليم الله في كتب موسى الخمسة، بل وفي العهد القديم كلّه.


فإنَّ الناموس الأدبي، بالإضافة إلى ما يترتب عليه من قوانين وأحكام، فضلا عن القوانين الطقسية، كلّ ذلك كان متضّمناً في تعاليم الله في كتب موسى الخمسة. ولهذا فنحن هنا نأخذ كلمة الناموس لتعني النظام اليهودي الشامل.


أن تكون تحت الناموس معناه أن تكون تحت سلطانه، والناموس على أي حال، يعلن نقائص الإنسان وجرمه أمام الله. لا يقدر الناموس أن يمسح ذلك الجرم، وأمّا ما يستطيع عمله هو أن يقود الخاطئ ليطلب علاجاً له.


وإذ نطبّق رسالة رومية اليوم، حيث لا سلطان للناموس اليهودي، فإننّا نفكّر بصفة خاصّة في الناموس الأدبي. وهذا الناموس لا يستطيع أن يخلّصنا أكثر من النظام اليهودي لخلاص اليهود. فخلاص الإنسان ليس مهمّة الناموس الأدبي. إنّ مهمّته هي إعلان مشيئة الله وأخلاقّه. إنّ مهمّة الناموس الأدبي هي تنبيه الناس عن أخطائهم وحيث قصّروا في عكس صورة الله وأخلاقه.


أيّ ناموس مهما كان، أدبي، طقسي، مدني أو كلّها مجتمعةً – فحفظ أيّ منها أو جميعها لا يجعل الإنسان مبرّراً أمام الله في نظره. وفي الحقيقة لم يكن هذا من اختصاص الناموس. على النقيض، فإن الناموس مهمّته أن يشير إلى نقائصنا ويقودنا للمسيح.


لا يمكن للناموس أن يخلّصنا، تماماً كما لا يمكن لأعراض المرض أن تشفي المرض. فكل ما تفعله أعراض المرض هي أنها تبيّن الحاجة إلى العلاج، وذلك هو ما يعمله الناموس.






برّ الله


«وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ، مَشْهُودًا لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ» (رومية ٣: ٢١). كيف ينبغي أن نفهم ما تعنيه هذه الآية؟


هذا البِرِّ الجديد مقارنةً ببرّ الناموس الذي كان مألوفاً عند اليهود، هذا البرّ الجديد يُدعى «برّ الله»؛ وهذا هو البرّ الذي يأتي من فوق، البرّ الذي يقدّمه لنا الله وهو البرّ الوحيد الذي يقبله كَبِرِّ حقيقي.


وهذا هو، بالطبع، البرّ الذي مارسه يسوع في حياته بينما كان في الجسد، وهو بِرّ يقدّمه إلى كل الذين يقبلونه بالإيمان، ويطالبون به لأنفسهم ليس لأنهم يستحّقونه بل لأنهم في حاجة ماسّة إليه.


«البرّ هو طاعة للناموس. الناموس يطلب البرّ وهذا ما يدين به الخاطئ إلى الناموس، ولكنّ الخاطئ غير قادرٍ على الإتيان به، والطريقة الوحيدة التي عن طريقها يحصل على البرّ هي من خلال الإيمان. بالإيمان يمكنه أن يحمل إلى الآب استحقاقات المسيح، والربّ يضع طاعة ابنه الحبيب في حساب الخاطئ. يُقْبَل برّ المسيح مكان إخفاق الإنسان، والله يقبل ويغفر ويبرّر النفس المؤمنة التائبة، ويعامل ذلك الإنسان كأنّه بارّ ويحبّه كما يحبّ ابنه الوحيد» (روح النبوة، رسائل مختارة، مجلد ١، صفحة ٣٦٧). كيف يمكنك أن تتعلّم وتقبل حقيقةً عظيمةً كهذه لنفسك؟ انظر أيضاً رومية ٣: ٢٢ .


هنا إيمان يسوع المسيح، لا شكّ أنّه إيمان بيسوع المسيح. وإذ يسري مفعوله في حياة المسيحي فالإيمان هو أكثر بكثير من مجرد قبول وتصديق عقلي، وهو أكثر من مجرّد اعترافٍ بحقائق معيّنة عن حياة المسيح وموته. فبدلاً من ذلك، الإيمان الحقيقي بيسوع هو قبوله كمخلّص وبديل وضامن وربّ. والإيمان بيسوع المسيح يعني أيضاً أن نختار أن نحيا حياة تتفق ومشيئته. إنّها الثقة فيه والسعي بالإيمان إلى عيش حياتنا وفقاً لوصاياه.




بنعمته


واضعين في اعتبارنا ما درسناه إلى الآن عن الناموس وعمّا يعجز الناموس عن فعله، اقرأ رومية ٣: ٢٤. ماذا يقول بولس الرسول هنا؟ ما معنى أن يكون الفداء بواسطة يسوع؟


ما هي فكرة التبرير كما هي مدوّنة في هذه الآية؟ الكلمة اليونانية dikaioo المترجمة «يبرّر» يمكن أن تترجم ويجعله «باراً» أو «يعتبره باراً». والكلمة مبنيّة على نفس أساس كلمة dikaiosune، أي «بِرّ»، والكلمة dikaioma، أي «مطلب التبرير». يوجد هنا رباطٌ قويّ بين التبرير والبِرِّ. إنّها رابطة لا ترد كثيراً في الترجمات المختلفة. فنحن نتبررّ عندما يعلن الله أننّا صرنا أبراراً.


قبل هذا التبرير يقف الإنسان مذنباً أمام الله وغير مقبول عنده، ولكن بعد التبرير يعتبر ذلك الإنسان بارّاً وهكذا يصير الإنسان مقبولاً لدى الله.


وهذا يحدث فقط من خلال نعمة الله. النعمة هي فضل وإحسان. فعندما يلجأ الخاطئ إلى الله طلباً للخلاص، فهنا ينبري عمل النعمة فَيُعْتبر أو يُعْلَنْ ذلك الإنسان بارّاً. إنّه فضلٌ غير مكتسب أو مستحق، والخاطئ يُبَرَّر دون أي فضل له، ولا يقدّم لله أي استحقاقات عدا عجزه التام. ويتبرر الشخص من خلال الفداء الذي في يسوع المسيح، وهو الفداء الذي يقدمه المسيح كبديل عن الخاطئ وضامنه.


ويُقدّم التبرير في رومية كعمل فوري مباشر. ففي لحظة يكون الخاطئ مُداناً وغير مقبول، وفي اللحظة التالية، بعد التبرير، يصبح الإنسان مقبولاً وباراً.


والشخص الذي في المسيح ينظر إلى عملية التبرير على أنها فعل ماض حدث له عندما سلّم حياته كليّاً للمسيح. «قَدْ تَبَرَّرْنَا» في رومية ٥: ١ تعني أنه قد تمّ تبريرنا فعلاً.


بالطبع، لو حدث وسقط الخاطئ المبرّر ثم رجع إلى المسيح، فسيحدث التبرير مرة أخرى. ولو اُعْتُبِرَت الولادة الجديدة اختباراً يومياً، فسيكون من المعقول اعتبار التبرير اختباراً يومياً كذلك.






برّ المسيح


في رومية ٣: ٢٥ يتوسّع بولس الرسول ليتكلم عن أخبار الخلاص العظيمة السارّة. إنه يستخدم كلمة فخمة، رائعة، جذابة مترجمة عن اليونانية hilasterion وهي propitiation أو «كَفَّارَة»، وقد ذُكرت مرّة ثانية في عبرانيين ٩: ٥ حيث تُرجمت «كرسي الرحمة» أو «الْغِطَاءُ»، أي غطاء التابوت الذي حُفِظت فيه الوصايا العشر. فالكلمة على ما يظهر، في رومية ٣: ٢٥، تمثّل استيفاء كلّ ما كان يمثّله الْغِطَاءُ في هيكل العهد القديم. وما يعنيه هذا، إذاً، هو أنّ المسيح بموته الكفّاري، قد جُعِلَ وسيلة الخلاص، وقد رُمِزَ إليه بـ «كرسي الرحمة» أو «الْغِطَاء». بالاختصار هذا يعني أنّ الله قد فعل كل ما هو لازم لخلاصنا.


والنصّ يتحدّث أيضاً عن الصفح عن الخطايا. إنّها خطايانا التي تجعلنا غير مقبولين عند الله. ونحن لا نستطيع عمل أي شيء بأنفسنا لحذف خطايانا. لكن في خطّة الفداء، قد دبّر الله طريقةّ لهذه الخطايا بأن تزاح من خلال الإيمان بدم المسيح.


وكلمة «الصَّفْح» في اليونانية هي parisis وتعني أن «تَعْبُر عن» أو «تَمرَّ على»، فالله يمكنه أن يَعْبُرْ عن الخطايا الماضية لأن المسيح قد دفع الحساب عن خطايا الجميع بموته. وأي إنسان عنده إيمان بدم المسيح سَتُرفَع خطاياه لأن المسيح قد مات لأجله. (١كورنثوس ١٥: ٣).


اقرأ رومية ٣: ٢٦، ٢٧. ما النقطة الهامة التي سيتناولها بولس هنا؟


الخبر السار الذي كان بولس توّاقاً لمشاركته مع الآخرين الذين يسمعون، هو أنّ برّ الله كان في متناول الجميع وهو متيسّر لنا ليس نتيجةً لأعمالنا ولا باستحقاقاتنا ولكن بالإيمان بيسوع وما عمله لأجلنا.


بسبب صليب الجلجثة، يستطيع الله أن يعلن الخطاة أبراراً ويُعتبر عادلاً في نظر الكون كله ولا يقدر الشيطان أن يشير بإصبعه متّهما العلي لأنّ السماء قد قدمت التضحية الفائقة. لقد اتّهم الشيطانُ اللهَ بأنّه يطلب من الجنس البشري أكثر ممّا يعطيه. إنّ الصليب يبطل بكلّ قوّة هذا الادعاء الباطل.






بدون أعمال الناموس


«إِذًا نَحْسِبُ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ بِدُونِ أعمال النَّامُوسِ.» (رومية ٣: ٢٨). هل يعني هذا أنّه إذا كان الناموس لا يخلصّنا فنحن غير مطالبين بإطاعته؟ اشرح إجابتك.


في المضمون التاريخي كان بولس الرسول يتحدّث في رومية ٣: ٢٨ عن الناموس بشكله الواسع ومفهومه عند اليهود المتزمّتين. مهما حاول اليهودي أن يعيش بضمير حيّ تحت هذا النظام، فلا يمكن أن يتبرّر إن هو فشل في قبول يسوع كمسيّا.


إنّ رومية ٣: ٢٨ هي خاتمة حُجّة بولس بأنّ قانون الإيمان يُبْطِل الافتخار، أي أن الافتخار «قَدِ انْتَفَى». فلو كان الإنسان يتبرّر بأعماله، فإنّه يستطيع أن يفتخر بذلك. ولكن إن كان يتبرّر لأنّ يسوع هو غاية إيمانه، عندئذ فالفضل واضح بأنه يخصّ الله الذي يبرّر الخاطئ.


تُدلي روح النبوة بإجابة ذات مغزى عن السؤال، «ما هو التبرير بالإيمان؟» فقد كتبت تقول «إنّه عمل الله بطرح مجد الإنسان في التراب وعمل ما لا يستطيع الإنسان فعله بقوّته لأجل نفسه» (روح النبوة، شهادات للقساوسة وخدّام الإنجيل، صفحة ٤٥٦).


إنّ أعمال الناموس لا تستطيع أن تكفّر عن الخطايا السالفة. التبرير لا يمكن أن يُكتَسب، إذ يمكن فقط للخاطئ أن يتسلّمه من خلال خدمة كفّارة المسيح. لذلك، بهذا المعنى، فأعمال الناموس ليس لها شأنٌ بالتبرير. فلكي نتبرّر بدون أعمال يعني أننّا نحصل على التبرير دون أن يكون في جعبتنا أي شيء يستحق التبرير.


لكنّ كثيرين من المسيحييّن أساءوا فهم وتطبيق هذه الآية. إنّهم يقولون بأنّ ما على الإنسان عمله هو أن يؤمن بينما يقلّل من أهميّة العمل أو الطاعة، حتّى طاعة الناموس الأدبي. وبتصرّفهم هذا فإنّهم أساءوا قراءة قصد بولس. ففي الرسالة إلى رومية وفي أماكن أخرى غيرها، يضع الرسول بولس أهميّة قصوى لحفظ ناموس الوصايا الأدبي. وقد حفظ المسيح الناموس بالتأكيد، كما فعل يعقوب ويوحنا (متى ١٩: ١٧؛ رومية ٢: ١٣؛ يعقوب ٢: ١٠، ١١؛ رؤيا ١٤: ١٢). ورأي بولس هو أنهُ بالرغم من أنّ طاعة الناموس ليست هي الوسيلة للتبرير، فالشخص المتبرّر بالإيمان يحفظ ناموس الله، بل وفي الحقيقة هو الشخص الوحيد الذي في مقدوره أن يحفظ الناموس الأدبي ويطيعه. إنّ الإنسان غير المتجدّد الذي لم يتبرّر بعد لا يستطيع أن يتمّم مطاليب الناموس.






لمزيد من الدرس: اقرأ الفصل الذي بعنوان «جدد وعتقاء»، صفحة ١١٤- ١٢٥، في كتاب «المعلم الأعظم».


مع أنّ الناموس لا يقدر أن يلغي عقاب الخطية بل يطالب الخاطئ بكلّ ديونه، فالمسيح قد وعد بالعفو الغامر لكلّ التائبين والمؤمنين برحمته. إنّ محبّة الله تُقدّم بفيضٍ إلى النفس المؤمنة التائبة. إنّ ختم الخطيّة على النفس البشريّة يمكن فقط إزالته بواسطة دم الذبيحة الكفّارية ... لذاك المساوي للآب في الجوهر. إنّ عمل المسيح – حياته، اتضاعه، موته ووساطته من أجل الخاطئ- كلّها تعظّم الناموس وتجعله جديراً بالإكرام» (روح النبوة، رسائل مختارة، المجلد الأول، صفحة ٣٧١).


«فإذا أنت سلمته نفسك وقبلته فادياً ومخلّصاً لك حُسِبت باراً كأنك لم تخطئ قط. إذ أن صفاته قد حُسِبَت لك فصارت صفاتك» (روح النبوة، طريق الحياة، صفحة ٤٣).


«عندما يقوّل الرسول بولس بأننّا نتبررّ بدون أعمال الناموس، فإنّه لا يتحدّث عن أعمال الإيمان والنعمة، لأنّ مَن يقوم بمثل هذه الأعمال لا يعتقد أنّه يتبررّ بفعلها. فعندما يقوم الشخص المؤمن بأعمال الإيمان هذه، فهو إنما يسعى إلى أن يكون مبرراً بالإيمان. أما ما يعنيه بولس الرسول بأعمال الناموس، فهو أن أصحاب البرّ الذاتي يعتقدون أنه من خلال القيام بهذه الأعمال يكونون مبررين. وبهذه الطريقة يعتبرون أنفسهم أبراراً بأعمالهم. وبعبارة أخرى، هم يقومون بما يقومون به ليس سعياً وراء البِرِّ، ولكنهم يريدون فقط أن يفتخروا بأنهم قد حصلوا على التبرير بالفعل من خلال أعمالهم» (مارتن لوثر، تعليق على رسالة رومية، صفحة ٨٠).




الدرس الخامس


٢٨ تشرين الأول (أكتوبر)- ٣ تشرين الثاني (نوفمبر)


إيمان إبراهيم






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: تكوين ١٥: ٦؛ ٢صموئيل ١١، ١٢؛ رومية ٣: ٢٠، ٣١؛ ٤: ١- ١٧؛ غلاطية ٣: ٢١-٢٣؛ ١يوحنا ٣: ٤.


آية الحفظ: «أَفَنُبْطِلُ النَّامُوسَ بِالإِيمَانِ؟ حَاشَا! بَلْ نُثَبِّتُ النَّامُوسَ» (رومية ٣: ٣١).


إنّ رومية ٤ يأخذنا إلى أساس المبدأ الكتابي القائل بأنّ الخلاص هو بالإيمان وحده، وإلى صميم ما بدأت به نهضة الإصلاح البروتستانتي. في الحقيقة، إنّه في مثل هذا الأسبوع منذ خمسمائة سنة مضت بدأت نهضة الإصلاح البروتستانتي بمارتن لوثر. ومنذ ذلك الحين لم ينظر الأمناء من البروتستانت إلى الوراء.


من خلال الإشارة إلى إبراهيم، باعتباره نموذجاً للقداسة والتقوى، وكمثال لإنسان احتاج أن يخلص بالنعمة بدون أعمال الناموس، نجد أن بولس لم يترك للقارئ مجالاً لسوء الفهم. فإذا كانت أفضل أعمال الإنسان [أي إبراهيم] وطاعته للناموس لم تكن كافيةً لأن تبرّره أمام الله، فما هو الرجاء لأي إنسان غيره؟ إذا كان الأمر قد تطلّب من إبراهيم أن يعتمد على نعمة الله، فإنّ ذلك ينبغي أن ينطبق على غيره من الناس، يهوداً كانوا أم أممييّن.


يعلن بولس الرسول في رومية ٤ ثلاث مراحل رئيسيّة في خطّة الخلاص: (١) وعد البركات الإلهية (وعد النعمة)، (٢) الاستجابة الإنسانية لذلك الوعد (استجابة الإيمان)، (٣) الإعلان الإلهي للبرّ المحسوب للذين يؤمنون (التبرير). كان ذلك ما حدث مع إبراهيم، وهو ما يحدث معنا.


من المهمّ أن نتذكّر أنّ الخلاص بالنسبة لبولس الرسول هو بالنعمة؛ إنّه منحةٌ تُعطى لنا مهما كانت درجة عدم أهليّتنا أو استحقاقنا. فلو نلناها عن استحقاق نكون مديونين لها ولو كنّا مدينين فهي دينُ علينا وليس هبة مجانيّة. ولمخلوقات ساقطة فاسدة مثلنا فالخلاص يتحتّم أن يكون هبةً من الله.


كان على بولس أن يرجع بذاكرته إلى سفر التكوين ليثبت نظرته للخلاص بالإيمان وحده، مقتبساً من تكوين ١٥: ٦ «َفَآمَنَ بِالرَّبِّ فَحَسِبَهُ لَهُ بِرًّا.» ها هو التبرير بالإيمان في الصفحات الأولى للكتاب المقدسّ.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٤ تشرين الثاني (نوفمبر).




الناموس


اقرأ رومية ٣: ٣١؛ ما هي النقطة التي يؤكد عليها بولس هنا؟ ما أهمية هذه النقطة بالنسبة لنا كأدﭬنتست سبتيين؟


يشدّد بولس الرسول في هذه الفقرة على أنّ الإيمان لا يبطل ناموس الله. ولكن حتّى أولئك الذين حفظوا الشريعة، أو حتى كلّ مَجْمُوعَة قَوَانِين العهد القديم، لم يخلصوا البتّة بواسطتها. فديانة العهد القديم مثل ديانة العهد الجديد كانت دائماً وأبداً تعلن أنّ نعمة الله الممنوحة مجّاناً للخطاة كانت بالإيمان.


اقرأ رومية ٤: ١- ٨ كيف يبيّن هذا الاقتباس أنّه حتّى في العهد القديم كان الخلاص بالإيمان وليس بأعمال الناموس؟


بناءً على قصص وسجّلات العهد القديم، فإنّ إبراهيم حُسب بارّاً لأنّه آمن بالله. لذلك فالعهد القديم يعلّم بأن البرّ بالإيمان. ومن هنا، فإن أيّ فكرة بأن الإيمان «يبطل الناموس» هي خطأ جسيم. الخلاص بالإيمان هو تعليم أساسي هام في العهد القديم، والنعمة متواجدة ومتوفّرة فيه. وكانت فروض المَقْدِس والهيكل كلّها لا تؤدي إلى الخلاص عن طريق الأعمال وإنّما بموت البديل نيابة عنهم.


وأيضاً، ما الذي يوضح كيف غُفِرَ لداود بعد هذه الفعلة الشنعاء مع بثشبع؟ بالتأكيد لم يكن حفظ الناموس هو ما خلَّصه، لأنّه قد تعدّى الناموس في مبادئ عدّة، ووُجد مديناً بطرقٍ شتَى. فلو أنّ داود كان لا بدّ أن يَخْلُص بالناموس، لما حصل على ذلك الخلاص أبداً.


وينظر بولس إلى رجوع داود إلى حظيرة الآب على أنه مثال للتبرير بالإيمان. كان الغفران عملاً من أعمال الله بالنعمة. هنا، إذن، مثال آخر من العهد القديم يؤيّد الخلاص بالإيمان. وفي الحقيقة، مهما كان بعض الإسرائيليين متزمّتين ومتعصبين، فإن الديانة اليهودية كانت دائماً عقيدة نعمة، والشرعيّة المتزمّتة لليهود كانت تحريفاً لهذه العقيدة وليست أساساً.






دَيْنٌ أَم نعمة؟


الأمر الذي يتناوله الرسول بولس هنا هو أكثر من مجرّد عِلم لاهوتي، إنّه في صلب موضوع الخلاص وعلاقتنا مع الله. فلو اعتقد المرء بأنّه يجب أن يكسب القبول- بأن يصل إلى مستوى معيّن من القداسة قبل أن ينال التبرير والغفران- إذن يكون الأمر طبيعياً أن يستدير الإنسان لينظر إلى نفسه داخلياً ولأعماله. يمكن للديانة أن تكون مركّزة على النفس تركيزاً كبيراً، وهو ما لا يمكنه أن يمنحنا الخلاص مطلقاً.


على النقيض، إذا تبنّى إنسان الأخبار العظيمة السارَة القائلة بأنّ التبرير هو عطيّة من الله وهو غير مكتسب وغير مستحق، فكم يكون من السهل ومن الطبيعي لذلك الشخص أن يحوّل نظره إلى محبّة الله ونعمته، بدلاً من النظر إلى ذاته.


وفي النهاية، مَن الذي يُحتمل أن يعكس محبّة الله وصفاته، أهو الإنسان المنغلق على نفسه أَمْ ذلك الذي يهيمن عليه روح الله القدوس؟


اقرأ رومية ٤: ٦- ٨. إلى أي مدى يتوسّع بولس الرسول هنا في موضوع التبرير بالإيمان؟


«يجب على الخاطئ أن يأتي إلى المسيح ويتمسّك باستحقاقاته، ويلقي خطاياه على حامل آثامنا وينال منه العفو. إنه لهذا الغرض جاء المسيح إلى العالم. وهكذا فبرّ المسيح يمنح للخاطئ المؤمن التائب، فيصبح عضواً في العائلة الملكية» (روح النبوة، رسائل مختارة، مجلد ١، صفحة ٢١٥).


ويواصل بولس الرسول شرحه بأن «الخلاص بالإيمان» ليس فقط لليهود ولكن للأممييّن بالمثل (رومية ٤: ٩- ١٢). وفي حقيقة الأمر، إذا فكرت ملياً فستجد أنّ إبراهيم لم يكن يهودياً، فقد جاء من أسلافٍ وثنييّن (يشوع ٢٤: ٢). إنّ التمييز بين اليهود والأممييّن لم يكن له وجود في زمن إبراهيم عندما نال التبرير (تكوين ١٥: ٦)، بل ولم يكن قد أُختتن بعد. وهكذا أصبح إبراهيم أباً لكليهما: ذو الغرلة والمختَتن، كما أصبح مثالاً عظيماً لبولس ليستخدمه كي يوضح فكرته بأن الخلاص متاحٌ لكل العالم. إن موت المسيح كان لكلّ إنسان بغض النظر عن العِرْق أو الجنسية. (عبرانيين ٢: ٩).






الوعد


قد مضى خمسة قرون كاملة على قيام مارتن لوثر بتعليق ٩٥ احتجاجاً على باب كنيسة وتنبرغ. كم هو مدهش أنّ موضوع اليوم يصل إلى جوهر حقيقة الخلاص بالإيمان.


في رومية ٤: ١٣، يتم المقارنة والتباين بين «الوعد» و «الناموس». فيحاول الرسول بولس أن يؤسّس خلفيةً من العهد القديم لتعليمه المتعلق بعقيدة «البرّ بالإيمان». يجد بولس مثالاً في إبراهيم خليل الله، الذي يقبله العبرانيون جميعاً على أنّه جدّهم الأكبر. إنّ القبول والتبرير قد جاءا لإبراهيم بدون الناموس. فالله أعطى وعداً لإبراهيم بأنّه سيكون وارثاً للعالم. آمن إبراهيم بهذا الوعد أي أنّه قَبِلَ الدور الذي ينطوي عليه الوعد. ونتيجة لذلك، قبِله الله وعمل بواسطته ليخلّص العالم. يبقى هذا مثالاً عظيماً لعمل النعمة في العهد القديم. وهذا هو بلا شك ما شجّع بولس للإشارة إليه.


اقرأ رومية ٤: ١٤- ١٧. كيف يواصل بولس الرسول إظهار أنّ الخلاص في العهد القديم كان بالإيمان؟ انظر أيضاً غلاطية ٣: ٧-٩.


كما ذكرنا في بداية الربع، إنّه من المهمّ أن نتذكّر لمَن كان الرسول بولس يدوّن رسائله. هؤلاء المؤمنون من اليهود كانوا منغمسين في ناموس العهد القديم. ولقد آمن الكثيرون منهم بأنّ خلاصهم يتوقف على كيفيّة حفظهم للناموس، حتّى لو كان العهد القديم لا يُعلّم بذلك.


وفي محاولة لتصحيح هذا التصوّر الخاطئ لدى اليهود، جادل بولس بأنّ إبراهيم قد تسلّم الوعود، حتى قبل إعطاء الناموس في سيناء، ليس بأعمال الناموس بل بالإيمان.


فلو أنّ بولس يشير هنا إلى الناموس الأدبي فقط، والذي كان موجودا حتّى قبل أن يُعطى في سيناء، فإنّ المبدأ واضحٌ لا شك فيه. يقول بولس أن السعي لاستلام وعود الله عن طريق الناموس يجعل الإيمان باطلاً، عديم الفائدة. هذه كلمات صعبة، لكنّ النقطة التي يؤكّد عليها بولس هنا هي أنّ الإيمان يخلّص والناموس يدين. وهو يحاول أن يعلّم الناس بأنّه من الخطأ أن تطلب الخلاص من خلال الناموس الذي يقود إلى الدينونة. ونحن جميعاً، يهوداً كنّا أو أمميين قد تعدّينا الناموس، ومن هنا فنحن جميعاً نحتاج نفس الشيء الذي احتاجه إبراهيم: برّ المسيح المُخلّص المُعطى لنا بالإيمان – هذه هي الحقيقة التي أدّت إلى قيام الإصلاح البروتستانتي.




الناموس والإيمان


كما رأينا بالأمس، فإنَّ الرسول بولس أوضح بأنّ تعاملات الله مع إبراهيم أثبتت أنّ الخلاص يأتي بوعد النعمة وليس من خلال الناموس. لذلك، فلو رغب اليهود في الخلاص، وجب عليهم أن يتركوا ثقتهم في أعمالهم لنيل الخلاص، وأن يقبلوا الوعد لإبراهيم الذي تمّ بقدوم المسيّا. وحقيقة الأمر، بالنسبة للجميع، يهوداً أو أمميين، هي أن الذين يظنّون أنّ أعمالهم «الصالحة» هي كلّ ما يلزم للتصالح مع الله، هم مخطئون.


«إن النظرية القائلة بأن الإنسان يستطيع أن يخلص نفسه بأعماله كانت هي أساس كل الديانات الوثنية» (روح النبوة مشتهى الأجيال صفحة ٣٢). ما المعنى الذي ينطوي عليه هذا الكلام؟ لماذا تجعلنا فكرة أننا قادرون على تلخيص أنفسنا بأعمالنا عُرضة للخطية؟


كيف وضّح بولس الرسول العلاقة بين الناموس والإيمان في غلاطية ٣: ٢١- ٢٣؟


لو وُجد ناموس قادر على إعطاء الحياة، لكان ذلك ناموس الله. ومع هذا، يقول الرسول أنه لا يوجد ناموس قادر على إعطاء الحياة، وحتّى ناموس الله لا يستطيع عمل ذلك، لأنّ الجميع قد تعدّوا الوصيّة، ولذا فالجميع مدانون بالناموس.


ولكنّ وعد الإيمان، الذي استُعلن كاملاً في المسيح، يحرّر كلّ مَن يؤمن مِن الوقوع «تحت الناموس» أي تحت دينونة الناموس. يصبح الناموس حِملاً عندما يُقدّم بدون إيمان، بدون نعمة. لأنّه من غير الإيمان ومن غير النعمة ومن غير البرّ النابع عن الإيمان، يكون الوقوع تحت الناموس هو الوقع تحت عبء وإدانة الخطيّة.






الناموس والخطيّة


كثيراً ما يردُ لأسماعنا بأنّ العهد الجديد مع الله قد أبطل وألغى الناموس. وهم يدللّون على ذلك باقتباس بعض الآيات التي يتوهّمون أنها تثبت صحة زعمهم. إنّ المنطق في ذلك الاعتقاد ليس معقولاً ولا النظرية كذلك.


اقرأ يوحنا الأولى ٢: ٣- ٦؛ ٣: ٤؛ رومية ٣: ٢٠. ماذا تخبرنا هذه الفقرات الكتابية عن العلاقة بين الناموس والخطية؟


كتب جوناثان سويفت منذ بضع مئات من السنين: «لكن هل يمكن لأي إنسان أن يقول أنه لو أن كلمات مثل السُّكْر والغشّ والكذب والسرقّة قد أُبْعِدت بأمر البرلمان من اللغة الإنجليزية والقواميس، فإننا سنستيقظ في صبيحة اليوم التالي صادقين ومعتدلين ومحبيّن للحقّ؟» [جوزيف سويفت، عروض متواضعة ومقطوعات هجائية أخرى (نيويورك: بروميثيوس للنشر، ١٩٩٥)، صفحة ٢٠٥].


وبنفس الكيفيّة، فإنَّه لو أُبْطِل ناموس الله، فلماذا إذاً تُعتبر السرقة والكذب والقتل أفعالاً خاطئة؟ فلو كان ناموس الله قد تغيّر، لكان تعريف الخطية قد تغيَّر أيضاً. أو، إذا كان ناموس الله قد أُلغي، فيجب أن تُلغى الخطيّة أيضاً، وهل هذا شيء يُعقل؟ (انظر أيضاً ١يوحنا ١: ٧- ١٠؛ يعقوب ١: ١٤، ١٥).


يَظهر الناموس والإنجيل بجلاء في العهد الجديد. الناموس يبيّن الخطيّة، والإنجيل يشير إلى العلاج من تلك الخطيّة الذي هو موت وقيامة يسوع المسيح. ولو لم يكن هناك ناموس لما وُجدت الخطية، فَمِنْ أي شيء نخلص إذن؟ في وجود الناموس ودوام مفعوله يكون للإنجيل معنى ومغزى.


وكثيراً ما نسمع بأنّ الصليب أدّى إلى إلغاء الناموس. وهذا اعتقاد مغلوط لأنّ الصليب يبيّن بأنّ الناموس لا يمكن تغييره أو إلغاؤه. فلو أن الله لم يغيّر الناموس أو يحذفه قبل موت المسيح على الصليب، فلماذا يفعل ذلك بعد الصليب؟ لماذا لم يبطل اللهُ الناموسَ بعدما أخطأ الجنسُ البشري وبذلك كان سيوفّر على الناس العقاب الشرعي الذي يسببّه كسر الناموس؟ بهذه الكيفيّة لم يكن لِزاماً أو ضرورياً أن يُصلب المسيح. فموت يسوع يبيّن أنه لو تحتّم تغيير الناموس لكان من الأفضل فعل ذلك قبل الصليب وليس بعده. فلا شيء يحتّم دوام الناموس أكثر من موت المسيح على الصليب، وهو الموت الذي حدث لأنّ الناموس لا يمكن تغييره. فلو كان ممكناً تغيير الناموس ليناسب حالتنا الخاطئة، ألم يكن ذلك أفضل حلاً بدل اضطرار المسيح أن يموت؟






لمزيد من الدرس: اقرأ لروح النبوة، الفصل الذي بعنوان «دعوة إبراهيم»، صفحة ١٠٢-١٠٨، والفصل الذي بعنوان «الشريعة والعهدان»، صفحة ٣١٧- ٣٢٧، في كتاب الآباء والأنبياء؛ واقرأ الفصل الذي بعنوان «الموعظة على الجبل»، صفحة ٢٧٥- ٢٩١، وصفحة ٥٧٣، ٥٧٤ من الفصل الذي بعنوان «يوم نزاع»، وصفحة ٧٢٤- ٧٢٦ من الفصل الذي بعنوان « ‹قد أُكْمِلْ› »، في كتاب مشتهى الأجيال.


«أَمَّا الَّذِي يَعْمَلُ فَلاَ تُحْسَبُ لَهُ الأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ» (رومية ٤: ٤). يشرح الرسول بولس هنا الفقرة المقتبسة ليخرج منها بإثبات أنّ التبرير هو بالإيمان وليس بالأعمال. إنّه يفعل ذلك أولاً بشرح معاني العبارة ‹فُحسِب له برّاً›. هذه الكلمات تبيّن أن الله يستقبل الخطاة بالنعمة وليس بسبب أعمالهم» (مارتن لوثر، تعليق على رسالة رومية، صفحة ٨٢).


«لو نجح الشيطان في قيادة الإنسان لأن يضع قيمةً كبرى لأعماله باعتبارها أعمال استحقاق وبرّ، فهو يعرف كيف يهزمه ويتغلّب عليه بالتجربة، ويجعل منه فريسةً وضحيّة له ... لذا عليك أن ترش قوائم الأبواب بدم حَمَل جُلْجُثَة فتكون في أمان وسلام» (روح النبوة، أدفنت ريفيو آند ساباث هيرالد، ٣أيلول/سبتمبر، ١٨٨٩).




الدرس السادس


٤- ١٠ تشرين الثاني (نوفمبر)


آدم والمسيح






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: رومية ٥.


آية الحفظ: «فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ، إِلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ» (رومية ٥: ١، ٢).


أسّس الرسول بولس نقطة هامّة وهي أنّ التبرير أو القبول عند الله يأتي نتيجة الإيمان بيسوع المسيح. لأنّ برّه وحده هو كافٍ ليؤهّلنا للوقوف بلا لوم في حضرة الربّ إلهنا. والآن يتوسع بولس الرسول في هذا الحقّ العظيم بشأن هذا الموضوع الجوهري، مُظْهِراً أنّ الخلاص لا بدّ وأن يعتمد على الإيمان وليس على الأعمال حتى لو كان الإنسان «باراً» كإبراهيم. ورجع بولس إلى الوراء للنظر إلى الصورة الإجمالية لما سبَّب الخطيّة والمعاناة والموت، وكيف أنّ الحلّ قد تجسّد في المسيح وما فعله للجنس البشري.


بسقوط إنسانٍ واحد، آدم، سادت الدينونة على الجنس البشري والعزلة والموت. وبواسطة نصرة إنسان واحد، يسوع، وقف كلّ البشر متساوين أمام الله، بالإيمان بيسوع، فإن سجلّ خطاياهم والعقاب المترتّب على هذه الخطايا يمكن إلغاؤهما نهائياً ويُصْفَحُ عن الخاطئ التائب.


ويقارن بولس الرسول آدم بيسوع، مبيّناً كيف جاء المسيح ليصلح ما أفسده آدم ومُظْهراً كيف أنّه بالإيمان يستطيع ضحايا خطيّة آدم أن يُنْقَذوا بواسطة يسوع المسيح المخلّص. إنّ أساس ذلك كلّه هو الصليب وموت المسيح بديلاً عن الخاطئ، الأمر الذي يفتح الطريق أمام كلّ إنسان يهوديّاً كان أَمْ أمميّاً لينال الخلاص بيسوع المسيح الذي صنع التبرير بدمه لكلّ الذين يقبلونه.


إنّ هذا الموضوع يستحق التوسّع في شرحه لأنّه أساس رجائنا كلّه.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ١١ تشرين الثاني (نوفمبر).




متبرّرون بالإيمان


اقرأ رومية ٥: ١- ٥. اكتب ملخّصاً لرسالة بولس الرسول على الأسطر الآتية. ما الذي تأخذه من ذلك لنفسك الآن؟


«فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا» هو فعل ماض مؤكّد تماماً كما ورد نَصَّهُ في اللغة اليونانية أيضاً. لقد أُعلن أننّا أبرارٌ، ليس من خلال أعمال الناموس وإنّما بقبولنا ليسوع المسيح. فالحياة الكاملة التي عاشها يسوع على الأرض وحفظه التام للناموس قد حُسبت لصالحنا.


وفي نفس الوقت، قد أُلقيت كلّ خطايانا على كاهل يسوع وأَعتبر الآب أنّ يسوع هو الذي ارتكب تلك الخطايا جميعها وليس نحن. وبهذا الإجراء ننجو نحن المجرمون من العقاب الذي نستحقّه. ذلك العقاب الصارم قد وقع على المسيح، بدلاً منّا، حتّى لا نضطرّ لمواجهته بأنفسنا. فهل هناك أخبار سارّة أكثر من ذلك للخاطئ؟


يستطيع الخطاة المبررّون أن يتهللوا ويبتهجوا في الضيقات لأنّهم وطّدوا ثقتهم في يسوع المسيح. إنّ لهم ملء الثقة أنّ الله سيفعل كلّ ما هو صالح. ولسوف يعتبرونه شرفاً عظيماً أن يتألموا لأجل خاطر المسيح. (انظر ١بطرس ٤: ١٣).


لاحظ، أيضاً، التسلسل المطّرد في رومية ٥: ٣- ٥.


١. الصبر. الكلمة اليونانية المترجمة hupomone وتعني «التحمّل الصامد». هذا هو التحمّل الذي ينشأ من الضيقات للذي عنده الإيمان والذي لا يسقط رجاؤه في المسيح حتّى في أشدّ التجارب المفشّلة أحياناً.


٢. التزكية. الكلمة اليونانية Dokime تعني حرفياً «سِمة أن تكون مُستحسنَاً». وذلك لأن الشخص الذي ينال الاستحسان هو مَن يحصل على التزكية من جرّاء تحمّل التجارب الممحّصة.


٣. الرَّجَاءُ. إنّ التحمّل والتزكية يعطيان الرجاء الكائن في يسوع ووعد الخلاص الذي لنا فيه. فكلّما تمسكنا بيسوع في إيمانٍ، وتوبةٍ حقيقية، بطاعةٍ كاملةٍ، نحصل على كلّ ما نرجوه.






وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ


اقرأ رومية ٥: ٦- ٨. ماذا تخبرنا هذه الفقرة عن طبيعة وصفات الله، ولماذا هي فقرة مفعمة بالرجاء بالنسبة لنا؟


عندما تعدّى آدم وحوّاء الأمر الإلهي بطريقة مخجلة وغير مبرّرة، أخذ الآب الخطوة الأولى نحو المصالحة. ومنذ ذلك الحين يأخذ الله دائماً زمام المبادرة لإيجاد طريق للخلاص ودعوة الناس رجالاً ونساءً للقبول به. «وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ» (غلاطية ٤: ٤).


تقول الآية في رومية ٥: ٩ بأنّنا يمكن أن نخلص من غضب الله عن طريق يسوع. كيف نفهم نحن ما يعنيه ذلك القول؟


في آخر ليلة قبيل رحيل الإسرائيليين من أرض مصر، حمى الدم المرشوش على قوائم الأبواب أبكارهم من الغضب الذي أودى بحياة أبكار المصرييّن. بنفس الكيفيّة، يضمن دم يسوع المسيح حماية الإنسان المتبرّر والمتمسّك ببرّه عندما يقضي الله على الخطيّة في آخر الزمان.


يتحير البعض من فكرة وجود إلهٍ محبّ وغضوب. ولكن بسبب محبّة الله يتواجد ذلك الغضب. كيف لله، الذي يحب العالم، أن لا يغضب على الخطية؟ فلو كان أمرنا لا يهمّه، فلن يحرّك له ساكناً ما يحدث لنا. انظر إلى العالم من حولك وشاهد ما فعلته الخطيّة لخليقته. فكيف لا يشتعل الله غضباً ضدّ ذلك الشرّ والدمار؟


ما الأسباب الأخرى التي من أجلها ينبغي أن نفرح؟ (رومية ٥: ١٠، ١١).


يرى بعض المعلقين في رومية ٥: ١٠ مرجعاً للحياة التي عاشها المسيح على هذه الأرض، والتي صاغ أثناءها أخلاقاً في غاية الكمال وهو يريد أن يسجلها لحسابنا. ومع أنّ حياة المسيح الكاملة قد فعلت كلّ ذلك بالتأكيد، إلا أنه يبدو أنّ بولس يشدّد على الحقيقة التي تقول: بالرغم من أن المسيح قد مات، إلا أنه قد قام ثانيةً وهو حيٌّ إلى الأبد. (انظر عبرانيين ٧: ٢٥). ولأنَّ المسيحَ حيٌ، فنحن نخلص. فلو بقي في القبر لهلكت آمالنا معه. ويواصل رومية ٥: ١١ في سرد الأسباب لفرحنا في الربّ وذلك بسبب ما أنجزه المسيح المحبّ لأجلنا.




الموت بالخطية


الموت هو العدوّ اللدود لنا. عندما خلق الله العائلة البشرية، فقد قَصَدَ أن أفرادها يحيون إلى الأبد. البشر، باستثناء القليل منهم، لا يودّون أن يموتوا؛ والذين يريدون الموت، إنّما يفعلون ذلك بعد طول معاناة وألم. الموت يتعارض مع طبيعتنا الأساسيّة. وذلك لأننّا من البدء خُلقنا لنحيا إلى الأبد. وكان الموت مجهولاً بالنسبة لنا.


اقرأ رومية ٥: ١٢. ما الذي يصفه الرسول بولس هنا؟ وما الذي يشرحه؟


لقد جادل المعلّقون بشأن هذه الفقرة أكثر من غيرها. فلربّما كان السبب، كما هو مدوّن في موسوعة الكتاب المقدس للأدڨنتست السبتيين، مجلد ٦، صفحة ٥٢٩، هو أن هؤلاء المعلقين « يحاولون استخدام الفقرة لأغراض أخرى غير التي كان يقصدها بولس.»


وإحدى النقاط التي يجادلون بشأنها هي: بأي طريقة تم انتقال خطية آدم إلى نسله؟ وهل يُشارك نسل آدم في حَمل ذنب خطية آدم، أَمْ أنهم مذنبون أمام الله بسبب خطاياهم الخاصة؟ لقد حاول الناس الحصول على إجابة على هذا السؤال من هذه الفقرة. لكن هذه لم تكن القضية التي يتعامل معها بولس هنا. فإنَّه كان يضع في الاعتبار مسألة أخرى مختلفة تماماً. فقد كان يعيد التأكيد على ما سبق وذَكَره: «الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا» (رومية ٣: ٢٣). علينا أن نعترف بأننا خطاة لأنَّ هذه هي الطريقة الوحيدة التي سندرك من خلالها حاجتنا إلى مخلِّص. وقد كان بولس يحاول هنا جعل قرّائه يدركون مدى سوء وبشاعة الخطية، ويدركون كذلك ما جلبته الخطية إلى هذه العالم من خلال آدم. ثم يُعلن بولس عَمَّا يقدمه الله لنا في المسيح باعتباره العلاج الوحيد للمأساة التي أتت إلى عالمنا من خلال خطية آدم.


ومع ذلك، فإنَّ هذه الفقرة الكتابية لا تُقَدِّمُ لنا سوى المشكلة، ألا وهي الموت في آدم. لكنها لا تُقَدِّمُ لنا الحل، الذي هو الحياة في المسيح. إنَّ أكثر جوانب بشارة الإنجيل روعة وعظمة هو أن الموت قد اُبْتُلِعَ في الحياة. لقد اجتاز المسيحُ بوابات القبر وحطَّم قيوده. وهو يقول: «وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ! آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ» (رؤيا ١: ١٨). ولأن المفاتيح مع يسوع، فالعدو لا يقدر بعد الآن أن يحبس ضحاياه في القبور.






من آدم إلى موسى


اقرأ رومية ٥: ١٣، ١٤. ماذا يعلّمنا الرسول بولس هنا عن الناموس؟


ما الذي يتحدّث عنه الرسول بولس هنا؟ إنَّ التعبير «حَتَّى النَّامُوسِ» يوزاي التعبير «من آدم إلى موسى». إنّه يتكلّم عن المدّة الزمنيّة في العالم مِن الخليقة إلى سيناء، قبل التقديم الرسمي لأحكام وقوانين النظام الإسرائيلي والذي تضمّن بالطبع، الوصايا العشر.


وعبارة «حَتَّى النَّامُوسِ» تعني حتّى تُعطى تفاصيل مطاليب الله المسلّمة لإسرائيل، عن طريق موسى، في سيناء. كيف لا؟ ألم يكن الكذب والقتل والزنى وعبادة الأوثان أفعالاً خاطئة قبل ذلك؟ كانت جميعها، بالطبع، خطايا وآثام.


إن الجنس البشري كان له إعلانات محدودة من الله قبل إعطاء الشريعة في سيناء. ولكنّ من الواضح، أن البشر قد عرفوا ما فيه الكفاية للمساءلة وتحمّل المسؤولية. إنّ الله عادل ولن يعاقب أحداً بدون حق. لقد مات الناس في عالم ما قبل سيناء، كما يبيّن الرسول بولس هنا، جاز الموت على الجميع. ومع أنّهم لم يتعدّوا على وصيّة معلنةٍ لفظياً، فقد أخطأوا بالرغم من ذلك. كانت لديهم إعلانات الله في الطبيعة التي لم يستجيبوا لها، وهكذا، اُعتُبِروا مجرمين. «لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ» (رومية ١: ٢٠).


ما الغرض الذي حدا بالله أن يعلن عن ذاته باستفاضةٍ في الناموس؟ رومية ٥: ٢٠، ٢١.


إنّ التعليم المُعطى في سيناء تضمّن الناموس الأدبي (الوصايا العشر) مع أنّه كان موجوداً قبل ذلك. كانت هذه المرة الأولى، حسب سجّلات الكتاب المقدس، التي كُتب فيها الناموس وأُعلن بطريقة واسعة.


وعندما قارن الإسرائيليون أنفسهم بالمطاليب الإلهيّة، اكتشفوا نقصهم الكبير عن المستوى المطلوب. وبعبارة أخرى، لقد كَثُرَت «الْخَطِيَّة». وفجأة أدركوا إلى أي درجة بلغت تعدّياتهم. وكان القصد من ذلك الإعلان أن يساعدهم في إدراك حاجتهم إلى مخلّص، ولدفعهم لقبول النعمة المقدّمة مجّاناً من الله. وكما قد تأكّد من قبل، فإنَّ صِيْغَة الإيمان في زمن العهد القديم لم تكن متزمّتةً.






يسوع، آدم الثاني


«فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ.  لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا» (رومية ٥: ١٨، ١٩). ما هو التباين المُقَدّم هنا؟ وما هو الرجاء المقدَّم لنا في المسيح؟


كبشر، لم نستلم من آدم شيئاً غير حكم الموت. مع ذلك، فالمسيح تدخّل وعبر الأرض التي سقط فيها آدم، متحمّلاً كلّ امتحانٍ لصالح الإنسان. إنّه قد افتدى سقوط آدم الشنيع وفشله، وقُدّم كبديل عنّا أمام الآب وصالحنا معه، ومن هنا صار يسوع آدم الثاني.


«كان آدم الثاني وسيطاً روحياً حرّاً، مسئولاً عن سلوكه. وكان محاطاً بمؤثرات مخادعةٍ ومضلِّلة بشكلٍ مكثَّفٍ. لم تكن الظروف في صالحه، بنفس القدر الذي كانت فيه في صالح آدم الأول، لعيش حياة بلا خطية. ومع ذلك، فقد قاوم كلّ تجربة للخطيّة واحتفظ بطهارته. وكان دائماً بلا خطية» (روح النبوة، موسوعة الكتاب المقدس للأدڨنتست السبتيين، مجلد ٦ صفحة ١٠٧٤).


كيف يتم إظهار التباين والاختلاف بين أعمال آدم والمسيح في رومية ٥: ١٥-١٩؟


تطلّع هنا إلى المتناقضات الآتية: الموت والحياة؛ العصيان والطاعة؛ الإدانة والتبرير، الخطيّة والبرّ. لقد جاء المسيح وأبطل كل ما فعله آدم!


إنه لمن المدهش، أيضاً، أن كلمة هبة أو عطيّة تتكرّر خمس مرّات في رومية ٥: ١٥- ١٧. خمس مرّات! الأمر مفهوم. إنّ بولس يؤكّد بأن عمليّة التبرير لا تُكْتَسَب، إنها تُمنح لنا كهبة لا نستحقّها، وذلك لأننّا لم نربح هذه الهبة (هبة التبرير). فمثل باقي الهبات، علينا أن نمدّ أيدينا لنأخذها ونَقْبَلها، وفي هذه الحالة فنحن نطالب بهذه الهبة المجّانية بالإيمان.






لمزيد من الدرس: اقرأ لروح النبوة، الفصل الذي بعنوان «التجربة والسقوط»، صفحة ٣٣-٤٣، في كتاب الآباء والأنبياء.


«كثيرون ينخدعون بخصوص حالتهم القلبيّة. وهم لا يوقنون بأنّ القلب، بحسب الطبيعة، مخادعٌ شرّير. فيلفّون أنفسهم ببرّهم الذاتي مقتنعين بما وصلوا إليه من مستوى بشري أخلاقي» (روح النبوة. رسائل مختارة، المجلد الأول، صفحة ٣٢٠).


«إنّ هناك حاجة ماسّة للتبشير بالمسيح كرجاءٍ وحيدٍ للخلاص. عندما قُدِّمَ موضوع التبرير بالإيمان، ... نزل على الكثيرين كماء عذبٍ للمسافر الظمآن. إنّ فكرة وضع برّ المسيح في حسابنا، وليس شيئاً ربحناه وإنّما كهبة مجّانية من الله، بدت فكرة جوهريّة ثمينة» (روح النبوة، رسائل مختارة، المجلد الأول، صفحة ٣٦٠).


« ‹الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي› » (رومية ٥: ١٤)؟ كيف يكون آدم على شاكلة المسيح؟ مثلما أصبح آدم سبباً للموت لأحفاده، مع أنّهم لم يأكلوا ثمر الشجرة المحرّمة، هكذا قد صار المسيح موزّع البرّ على أولئك الذين يتبعونه... مع أنّهم لم يربحوا أي برّ؛ لأنّه من خلال الصليب قد ضمن المسيحُ البرّ لكلّ الناس. إنّ مِثال تعدّي آدم هو فينا، لأنّنا نموت كأنّنا قد أخطأنا كما فعل هو. كما أن مِثَال المسيح فينا أيضاً، لأننا نعيش كما لو كنا قد أوفينا بكل مطاليب البرّ كما فعل هو» (مارتن لوثر، تعليق على رسالة رومية، صفحة ٩٦- ٩٧).