دليل دراسة الكتاب المُقدَّس - الربع الأول 2018 - الوكالة المسيحية: مقاصِد القلب -2
اقرأ لوقا ١٦: ١٠-١٢. ماذا تُعلِّمنا هذه الآيات حول وجوب أن نكون جديرين بالثِّقة؟ ما أهميَّة هذه الصِّفة بالنِّسبة للوكيل الأمين؟
إنَّ مبدأ الثِّقة هذا مُنتشر في كل أرجاء الكتاب المُقَدَّس. مثلًا، تُروى إحدى القصص عن أربعةٍ مِن رؤساء البوَّابين اللاويين الذين عُهِدَ إليهم بحراسة هيكل العهد القديم أثناء الليل. كان عليهم حِراسة خزائن بيت الله، وكان لديهم المفاتيح ليفتحوا الأبواب كل صباح (١أخبار ٩: ٢٦، ٢٧). لقد أُعْطُوا هذه المُهمَّة لأنَّهم حُسِبوا جديرين بالثِّقة.
إنَّ الثقة هي صفة الوكيل الصالح. هذا يعني أنَّ الوكلاء الجديرين بالثقة يملكون الوعي بالأهمية القصوى لدورهم؛ ويُدركون أنَّ الله جدير بالثقة، وسيهدفون لأن يكونوا مثله جديرين بالثقة (تثنية ٣٢: ٤؛ ١ملوك ٨: ٥٦).
تتضمَّن جدارة الثِّقة مجموعة مِن الصفات الشخصية. إنَّها أسمى مستوى للشخصية والكفاءة التي يستطيع الشخص أن يبلغها في أعيُن المُراقبين. إذا كُنتَ ستعكس صفات الله، فمعنى ذلك أنك سوف تَصْدُق القول، وستفعل ما تقول إنك ستفعله، بِغَضِّ النظر عن الظروف أو الأشخاص الذين يضغطون عليك لتفعل خِلاف ما قُلْتَه (٢ملوك ١٢: ١٥).
اُعْتُبِر دانيال جديرًا بالثقة مِن ملوك مملكتين عالَمِيَّتين. كان صيته طوال حياته، كمُستشار جدير بالثِّقة، يُقدِّم الحِكمة والحق للملوك بلا أي خوف، في تناقض مُباشر مع العرَّافين والسَّحرة. الثقة هي جوهرة تاج الأخلاق؛ فهي تكشف مبادئك الأخلاقية في أنقى صورها. هذه الصفة الخاصَّة لا تظهر في الوكيل بين ليلة وضُحاها، ولكنَّها تأتي مع الوقت من خلال أمانة الوكيل حتى في القليل والأشياء الصغيرة.
يُلاحظ الغير ما إذا كُنَّا جديرين بالثقة. إنَّهم يحترموننا ويعتمدون علينا لأنهم يعلَمون بأننا لا نتمايل بسهولة أمام الآراء والأفكار المختلفة، ولا أمام البدع، ولا أمام الإطراء والتَّملُّق. وهكذا فإنَّ الشخص الجدير بالثقة يُظهر معدن شخصيته في كل مسؤولية تُعْهَدُ إليه على الأرض، ويبرهن على تناغمه مع مشيئة السماء. «علينا أن نكون رعايا أمناء ومخلِصين لمملكة المسيح، حتى نكون أمام مَن يتبعون طرق العالم مثالاً حقيقياً لتواضع وصلاح ورحمة ورقة ولطف مواطني ملكوت الله» (روح النبوة، شهادات للكنيسة، المجلد السادس، صفحة ١٩٠).
لمزيد من الدرس: سِمَة أخرى للوكيل الصالح هي المُساءَلة الذاتيَّة.
«كانت خِطَّة الشيطان دائِمًا أن يُحوِّل عقول الناس مِن يسوع إلى الإنسان، ويهدم المُساءَلة الذاتيَّة. فشل الشيطان في مُخَطَّطِهِ عندما جرَّب ابن الله؛ لكنه نَجَحَ بشكل أفضل عندما جاء إلى الإنسان الساقِط. فتغلغل الفساد في المسيحية» (روح النبوة، الكتابات المبكرة، صفحة ٢١٣).
عندما يكون المسيح هو مركز حياتنا، نكون مُنْفَتِحين لإرشادِه وقيادته. وكنتيجة، ستظْهر في حياتنا صفات: الإيمان والإخلاص والطاعة والضمير الصالح والوفاء (الجدارة بالثقة) والمُساءلة الذاتيَّة. وبذلك، نُصبِح وكلاء كاملين بين يَدَي الله (مزمور ١٣٩: ٢٣، ٢٤).
المُساءلة الذَّاتيَّة هي مبدأ أساسي في الكتاب المُقَدَّس. بينما كان المسيح على الأرض، كان مسؤولًا أمام الله (يوحنا ٨: ٢٨). نحن مسؤولون عن كل كلمة بطّالة (متى ١٢: ٣٦). «فكلُّ مَن أعطيَ كثيرًا، يُطلَب منه كثير، ومَن يودعونه كثيرًا، يُطالبونه بأكثر» (لوقا ١٢: ٤٨). إنَّ أكبر تهديد للمُساءلة الذَّاتيَّة هو المَيل لتحويل مسؤولياتنا إلى شخص آخر. «لنتحفَّظ في عقولنا بأنَّ ما نُؤتَمَن عليه لاستثماره، ليس ملكًا لنا. فلو كان ملكًا لنا، لكان لنا حق التَّصرُّف فيه؛ وربما أمكننا نقل مسؤوليتنا ووضعها على عاتق الآخرين، تاركين وكالتنا معهم. لكن، لا يمكن أن يكون الأمر كذلك، لأنَّ الرب جعلنا وكلاءه بشكل فردي» (روح النبوة، شهادات للكنيسة، المجلد السابع، صفحة ١٧٧).
الدرس السابع
١٠-١٦ شباط (فبراير)
الأمانة مع الله
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: لوقا ١٦: ١٠؛ لاويين ٢٧: ٣٠؛ تكوين ٢٢: ١-١٢؛ عبرانيين ١٢: ٢؛ لوقا ١١: ٤٢؛ عبرانيين ٧: ٢-١٠؛ نحميا ١٣.
آية الحفظ: «والذي في الأرض الجيِّدة، هو الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيِّد صالح، ويُثمِرون بالصبر» (لوقا ٨: ١٥).
ما هو القلب الأمين، وكيف يَظْهَر في حياة الإنسان؟ الثقافة المُعاصِرة غالبًا ما تنظر إلى الأمانة على أنها شيء مُبهَم وغامِض، فضيلة نسبيَّة. غالبية الناس يُمارسون الكذب أو الخيانة بين وقتٍ وآخر ويعتبرون ذلك مقبولًا طالما أنَّ ذلك الفعل ليس ذات شأنٍ كبير. ويعتبرون أيضًا أنه توجد ظروف مُعيَّنة يُمْكِن أن تُبَرِّر الكذب أو الخيانة.
الحق والأمانة يتواجدان معًا دائِمًا. إلا أننا لم نُولد بميل طبيعي للأمانة؛ فهي فضيلة أخلاقية نكتسبها بمرور الزَّمَن، وهي جوهر السِّمات الأخلاقية للوكيل.
عندما نمارس حياة الأمانة، تأتينا منها أشياء جيِّدة كثيرة. مثلًا: عندما لا تكذب أو تخون فلن يُساورك القلق أبدًا خوفًا مِن اكتشاف كذبك أو خيانتك، أو محاولة إخفائِه أو تبريره. لهذا السبب وغيره كثير، تُصْبِح الأمانة سِمَةً شخصية ثمينة — خاصة عند مواجهة مواقف صعبة تقودنا فيها التجربة بسهولة إلى الانزلاق نحو الخيانة.
في درس هذا الأسبوع، سوف ندرس المفهوم الروحي للأمانة مِن خلال ممارسة فريضة إرجاع العُشْر لله، ونرى الأهمية الحيويَّة لفريضة العُشْر لكلٍّ من الوكيل والوكالة المسيحية.
* نرجو التَّعمُّق في موضوع هذا الدرس، استعدادًا لِمُناقَشته يوم السبت القادم الموافق ١٧ شباط (فبراير).
مسألة أمانة بسيط
هُناك شيء واحد مُشتَرَك بين مُعظمنا، هو كراهيتنا للخيانة. نحن نكره الخيانة — خاصة عندما تتجلَّى في الآخرين. ولكن ليس من السَّهل أن نراها في أنفسنا، وعندما نراها في أنفسنا، نُحاول أن نجد مُبرِّرًا لأفعالِنا للتقليل مِن أهميتها، فنقول مثلًا: ليس الأمر بهذا السوء؛ إنَّه شيء بسيط؛ ليس له أهمية. يمكننا أن نخدع حتى أنفسنا مُعظم الأوقات؛ ولكننا لن نخدع الله أبدًا.
«الخيانة تُمارَس على كل المُستويات، وهذا هو سبب فتور أولئك الذين يَدَّعُون إيمانهم بالحق. هؤلاء ليست لهم صِلة بالمسيح وهم يخدعون نفوسهم» (روح النبوة، شهادات للكنيسة، الجزء الرابع، صفحة ٣١٠).
اقرأ لوقا ١٦: ١٠. ما هو المبدأ الهام الذي يُعبِّر عنه المسيح هنا ويُمكِن أن يساعدنا لنرى مدى أهميَّة الأمانة، حتى «في القليل»؟
مع أنَّ الله يعلَم كَم مِن السهل علينا أن نقع في عدم الأمانة (الخيانة) — خاصة فيما يتعلَّق بالأشياء التي نملكها، فهو مَنَحنا دواءً قويًّا وشافيًا لِعَدَم الأمانة والأنانية، على الأقل بالنسبة للممتلكات المادِّيَّة.
اقرأ لاويين ٢٧: ٣٠ وملاخي ٣: ٨. ما الذي تُعلِّمنا إيَّاه هذه الآيات، وكيف يُساعدنا ما احتوته لأن نبقى أمناء؟
«لا تقدم استغاثة إلى الشكر أو الكرم. فهذه مسألة أمانة فقط. فالعُشْر هو للرب، وهو يأمرنا أن نَرُدَّ له ما لَهُ... فإذا كانت الأمانة مبدًأ جوهريًا في أعمال الحياة، أفلا يجب علينا أن نعترف بالتزامنا لله — الالتزام الذي هو أساس كل التزام آخر؟» (روح النبوة، التربية الحقيقية، صفحة ١٦٢).
حياة الإيمان
اقرأ تكوين ٢٢: ١-١٢. ماذا تُخبرنا هذه القصة عن حقيقة إيمان إبراهيم؟
حياة الإيمان ليست حَدَثًا وقتيًّا. فنحن لا نُعَبِّر عن إيماننا بطريقة قوية مرَّة واحدة فقط، وبذلك نكون قد برهنَّا أننا حقًّا مسيحيون مُخلِصون وأمناء، نحيا بنعمة المسيح وهو يُغَطِّينا بدمه.
مثلًا، ما زال العالم الديني مندهِشًا مِن عمل الإيمان الذي أظهَرَه إبراهيم مع إسحق على جبل المُرَيَّا (تكوين ٢٢) حتى بعد مرور آلاف السنين. مع ذلك، لم يكن عمل الإيمان هذا أمراً استحضره إبراهيم وقت حاجته. فقد كانت حياة الإيمان والطاعة التي عاشها قبل ذلك هي التي جعلته قادِرًا أن يفعل ما فعل. فلو أنه عاش حياة غير أمينة قبل هذا الحَدَث، لكان مِن المُستحيل أن ينجح في ذلك الاختبار كما نجح. وبلا شك، فإنَّ شخصًا بهذا النوع مِن الإيمان، من المؤكد أن تكون حياته حياة إيمان قبل وبعد ذلك الحدث أيضًا.
النقطة الهامَّة هنا هي أنَّ إيمان الوكيل ليس إيمانًا وقتيًا كذلك. ومع مرور الوقت، إما أن ينمو ذلك الإيمان عُمْقًا وقُوَّة، أو أن يُصبِح أكثر ضحالةً وأكثر ضعفًا؛ ذلك اعتمادًا على أسلوب الشخص في ممارسة إيمانه.
اقرأ عبرانيين ١٢: ٢. ماذا تقول لنا هذه الآية عن مصدر إيماننا وكيف نحصل على الإيمان؟
إنَّ ملاذنا الوحيد كوكلاء أمناء هو أن ننظر «إلى رئيس الإيمان ومُكمِّله يسوع الذي مِن أجل السرور الموضوع أمامَهُ، احتَمَلَ الصَّليب، مُستَهينًا بالخِزي، فَجَلَسَ في يَمين عرش الله» (عبرانيين ١٢: ٢). إنَّ كلمة «مُكمِّلِه» استُعْمِلَت في هذه الحالة فقط في العهد الجديد، ويُمكِن استعمالها أيضًا بمعنى «الكمال». أي أنَّ يسوع يُريد لإيماننا أن يتقدَّم إلى النضوج ودرجة الكمال (عبرانيين ٦: ١، ٢). وهكذا، فإنَّ حياة الإيمان هي اختبار نَشِط وديناميكي: ينمو وينضج ويزداد.
شهادة إيمان
كما رأينا في درس يوم أمس، الإيمان هو اختبار ديناميكي ونَشيط، ينمو ويبلغ مرحلة النضوج. وإحدى الطرق التي بها «يُكِّمل» الله إيماننا ويصل به إلى درجة الكمال هو عن طريق إرجاع العُشْر لله. إنَّ إرجاع العُشْر بمفهومه الصحيح ليسَ طَمَعًا في أن نَجِدَ طريقنا إلى السماء، ولكن إرجاع العُشْر بأمانة، هو شهادة إيمان. إنه تعبير شخصي وظاهر ومنظور عن حقيقة وواقِع إيماننا.
فعلى كل حال، يستطيع أي شخص أن يدَّعي أن لديه إِيمَانًا وأنه يؤمن بالله وأنه يؤمن بالمسيح. وكما نعرف، حتى «الشياطين يؤمنون» بالله (يعقوب ٢: ١٩). ولكن أن تستَقْطِع ١٠ بالمائة مِن دَخْلِك وتُعيدهُ إلى الله، فهذا هو فِعلُ إيمان.
اقرأ لوقا ١١: ٤٢. ماذا كان قصد يسوع من تأكيده على ضرورة إرجاع العُشْر؟ ما هي علاقة إرجاع العُشْر بالأمور الهامة الأخرى التي يتطلبها الناموس؟
إرجاع العُشْر هو تعبير متواضع عن اعتمادِنا على الله، وهو عمل من أعمال الثِّقة أنَّ المسيح هو فادينا. إنه اعترافٌ مِنَّا بأنَّ الله قد «باركنا بكل بركة روحية... في المسيح» (أفسس ١: ٣) ووعد بالمزيد من البركات.
اقرأ تكوين ٢٨: ١٤-٢٢. ماذا كانت استجابة يعقوب لوعد الله؟
«إنَّ خطَّة الله في نظام إرجاع العُشْر جميلة في بساطتها ومُساواتها. يستطيع الجميع أن يتمسَّك بها بإيمان وشجاعة لأنها مِن مصدر إلهي. تتضامَن فيها البساطة والمنفعة، ولا يحتاج الشخص إلى التعليم العالي لفهمها وتطبيقها. الجميع يستطيعون الشعور أنَّ بإمكانهم أن يقوموا بدور في تَقَدُّم عمل الخلاص الثمين. كل رجل وامرأة وفتاة وفتى يستطيع أن يصير أمينًا لصندوق الرَّب، وأداةً لتلبية احتياجات خزينة الرب» (روح النبوة، إرشادات حول الوكالة المسيحية، صفحة ٧٣).
أمانة إرجاع العُشْر — قُدسٌ للرب
نتحدَّث كثيرًا عن إعطاء العُشْر لله، ولكن، كيف نُعطي الله ما هو ملكه أصلًا؟
اقرأ لاويين ٢٧: ٣٠. ما هما النقطتان الهامَّتان الموجودتان في هذه الآية حول العُشْر؟
«العُشْرُ مُلْك لله، وبالتالي فهو مُقدَّس [أي مُفرز له]. والعُشْر لا يصبح مُقدَّسًا نتيجة عهدٍ أو نذرٍ أو تكريس. ببساطة هو مُقدَّس بحد ذات طبيعته؛ فهو مُلْك لله. إنَّه حق الله وحده وليس لأحد غيره. لا يستطيع أحد أن يُكرِّسه لله، لأن العُشْر لم يكن أبدًا جزءًا مِن ملكيَّة الإنسان» (Angel Manuel Rodriguez ،Stewardship Roots، صفحة ٥٢).
نحن لا نجعل العُشْرَ مُقدَّسًا؛ ذلك فِعل الله بالتَّعيين. فإنَّه هو الذي يملك ذلك الحق. ونحن كوكلاء، نردُّ إليه ما هو له. يُكرَّس العُشْر لله لِمُهِمَّة مُحدَّدة، وتخصيصه لأي مُهمَّة أخرى هو عدم أمانة من قِبلنا. إنَّ مُمارسة خِدمة إرجاع العُشْر إلى الله يجب ألا تُهْمَل أو تنقطع.
اقرأ عبرانيين ٧: ٢-١٠. كيف تُظْهِر مُناقشة بولس حول تَقديم إبراهيم العُشْر لِمَلْكِي صادق، أهمِّيَّة أعمق لإرجاع العُشْر لله؟ لِمَن كان إبراهيم يُقدِّم العُشْر في حقيقة الأمر؟
كما أنَّ السبت مُقدَّس، هكذا العُشْر أيضًا مُقدَّس. كلمة «مُقدَّس» تعني «فُصِل أو اُفرِزَ لِعَملٍ مُقدَّس». مِن هذه الناحية، تأتي العلاقة بين السبت والعُشْر. نحن نفصل سبت اليوم السابع كيوم مُقدَّس؛ ونفصل العُشْرَ كملكيَّة مُقدَّسة للرب.
«قدَّس الله اليوم السابع. ذلك الجزء مِن الوقت الذي أفرزه الله ذاته للعبادة الروحية، يظلُّ مُقدَّسًا اليوم كما قدَّسه الخالق منذ البدء.
«على نفس المنوال، يكون العُشْرُ مِن دَخْلِنا هو ‹قُدس للرب›. العهد الجديد لا يستحدث شريعة العُشْر، كما أنَّه لا يستحدث شريعة السبت؛ لأنَّ صلاحية كل منهما أمر مُسلَّم به، والأهمية الروحية القصوى لكليهما واضحة... وبينما نحن كشعب نسعى بإخلاص إلى أن نُقدِّم لله الوقت الذي حَفِظَه ملكيَّة له، ألا يكون علينا أيضًا أن نُقدِّم لله ذلك الجزء من مواردنا الذي هو قُدْسٌ للرب؟» (روح النبوة، إرشادات حول الوكالة المسيحية، صفحة ٦٦).
الانتعاش والإصلاح وإرجاع العُشْر لله
تُعتَبَر فترة حُكم الملك حزقيَّا الطويلة هي النُّقطة الأبرز لسبط يهوذا. فمنذ حُكم داود وسليمان، لم يتمتَّع الإسرائيليون بهذا القدر مِن بركات الله. في أخبار الأيام الثاني ٢٩-٣١، نجد سِجِلًا لِما قام به حزقيَّا مِن انتعاش وإصلاح: «وعَمِل المُستقيم في عيني الرَّب» (٢أخبار ٢٩: ٢). «واستقامت خِدْمَة بيت الرب» (٢أخبار ٢٩: ٣٥). حفظوا عيد الفصح (٢أخبار ٣٠: ٥). و«كان فرح عظيم في أورشليم» (٢أخبار ٣٠: ٢٦). هدموا الأصنام الوثنية والمذابح والمرتفعات (٢أخبار ٣١: ١). كان هناك انتعاش مفاجئ في القلوب وإصلاح في الممارسة. والنتيجة، كانت وفرة مِن العشور والتَّقدمات (٢أخبار ٣١: ٤، ٥، ١٢).
يُعطي نَحَمْيَا مِثالًا آخر للانتعاش والإصلاح وإرجاع العُشْر لله. اقرأ نَحَمْيَا ٩: ٢، ٣. ما الذي يعنيه انتعاش القلب؟ اقرأ نحميا الأصحاح ١٣. بعدما أصلح نحميا «بيت الله» (نحميا ١٣: ٤)، ماذا قدَّم بنو يهوذا للمخازن؟ (نحميا ١٣: ١٢)؟
«الانتعاش والإصلاح أمران مُختلفان. الانتعاش يدلُّ على تجديد الحياة الروحية، تنشيط قوى العقل والقلب، وقيامة مِن الموت الروحي. أما الإصلاح فيدلُّ على إعادة تنظيم، تغيير في المفاهيم والنظريات، والطِّباع والعادات والممارسات» (روح النبوة، الخدمة المسيحية، صفحة ٤٢).
الصِّلة بين الانتعاش والإصلاح وإرجاع العُشْر تلقائية. فبدون إرجاع العُشْر لله، يشوب الانتعاش والإصلاح الفتور، هذا إن كان ذلك يُعَد انتعاشًا من الأساس. في أحيانٍ كثيرة، نقف نحن المسيحيين جامدين بلا حِراك على الهامِش في الوقت الذي يجب علينا فيه أن نكون مُشاركين بنشاط إلى جانب الرب. الانتعاش والإصلاح يتطلَّبان التزامًا وتعهُّدًا، وإرجاع العُشر لله هو جزء مِن ذلك الالتزام والتَّعهُّد. فإن رفضنا إرجاع ما يطلبه الله منَّا، فلا نستطيع أن نتوقَّع منه تلبية ما نطلبه.
الانتعاش والإصلاح يحدثان في الكنيسة، وليس خارجها (مزمور ٨٥: ٦). علينا أن نسعى إلى الله طلبًا للانتعاش (مزمور ٨٠: ١٩) وإصلاح «الأعمال الأولى» (رؤيا يوحنا ٢: ٥). الإصلاح يجب أن يحدث بخصوص ما نحتفظ به وما نرجعه إلى الله.
الفرق ليس في العمل، ولكن في قرار العقل والنّوايا التي تُظهِر الهدف أو الدَّافِع والالتزام. والنتائج ستكون زيادة في الإيمان، ورؤية روحية حادَّة، وأمانة متجدِّدة.
لمزيد من الدرس: الله هو مصدر كل العهود التي وردت في الكتاب المُقَدَّس، وكان له دور القيادة ليجذب شعبه للدخول في تلك العهود (عبرانيين ٨: ١٠). إنَّ وعد العهد هو انعكاس لِنعمة الله ومحبَّته ورغبته في خلاصنا.
يتضمَّن العهد مع الله أشياء كثيرة: الله، المُتَلقِّي، شروط العهد، الالتزام بشروط العهد مِن كلا الطرفين، العقوبات المنصوص عليها في حال الإخلال بحفظ العهد، والنتائج المنشودة أو الحصيلة المرغوب بها. إنَّ مفهوم إرجاع العُشْر يعكس كل هذه العناصر في ملاخي ٣: ٩، ١٠. هذه الآيات تكرر العهد الخاص بين الله ووكلائه فيما يتعلق بإرجاع العُشْر. فحين ندخل طرفًا في مثل هذا العهد، فتلك دلالة مُعلنة منا أننا نعترض على المبادئ المادِّيَّة لنظام الاستهلاك، ونبرهن أنَّه يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ شَيْءٌ صَالِحٌ مِنْ قَلْبٍ مُتجدِّد.
«الروح الأنانية المنغلقة تمنع الإنسان مِن إعطاء الله ما هو ملك له. صنع الله عهدًا خاصًّا مع الإنسان، فإذا هو خصص بانتظام الجزء المُعيَّن لتقدُّم مملكة المسيح، فسوف يفيض الله عليه بركة حتى لا توسع. أما إذا أمْسَك الإنسان يده عمَّا هو مُلك لله، فالله يُعلِن بوضوح: ‹قد لعنتم لعنًا› » (روح النبوة، إرشادات حول الوكالة المسيحية، صفحة ٧٧).
العيش في علاقة عهد مع الله له مسؤوليات. نحن نتمتَّع بمواعيد العهد، ولكننا في كثير من الأحيان نكره الأوامر والمسؤوليات. ولكنَّ العهد في هذا السياق هو اتِّفاق بين طرفين، وإرجاع العُشْر هو جزء مِن عيشنا ضمن ذلك العهد.
الدرس الثامن
١٧-٢٣ شباط (فبراير)
تأثير إرجاع العُشْر لله
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: مرقس ١٦: ١٥؛ ١بطرس ٣: ٨، ٩؛ ١كورنثوس ٩: ١٤؛ رومية ٣: ١٩-٢٤.
آية الحفظ: «ألستُم تَعْلَمون أنَّ الذين يَعْمَلُون في الأشياء المُقدَّسة، مِن الهيكل يأكلون. الذين يُلازمون المذبح يُشاركون المذبح؟ هكذا أيضًا أمَرَ الرب: أنَّ الذين يُنَادُون بالإنجيل، مِن الإنجيل يعيشون» (١كورنثوس ٩: ١٣، ١٤).
كما رأينا في درس الأسبوع الماضي، فإنَّ إرجاع العُشْر لله هو تعبير هام عن الإيمان. إنَّه أحد الطُرُق لإظهار أو اختبار حقيقة إعلان إيماننا. «جرِّبوا أنفُسَكُم، هل أنتم في الإيمان؟ امتَحِنُوا أنفُسَكُم. أم لستم تعرفون أنفُسَكُم أنَّ يسوع المسيح هو فيكم، إنْ لم تكونوا مرفوضين» (٢كورنثوس ١٣: ٥).
كانت أوَّل إشارة إلى العُشْر هي تقديم إبراهيم العُشْر إلى مَلْكِي صَادِق (تكوين ١٤: ١٨-٢٠؛ عبرانيين ٧: ٤). أخذ بنو لاوي أيضًا العُشْر نظير خدماتهم في الهيكل (٢ أخبار الأيام ٣١: ٤-١٠). واليوم، العُشْر مُخَصَّص لِدَعم الإنجيل. وهو بمفهومه الصحيح يُعتَبَر مِعيارًا أو مقياسًا روحيًا لعلاقتنا مع الله.
إن نظام إرجاع العُشْر هو خطة وضعها الله. لذلك، نحن بحاجة إلى إرجاع العُشْرِ ومعرفة كيف يتم استخدامه في الكنيسة للقيام بعمل الله. لقد وضع الله هذه الخطة ليساعدنا على أن ننمو في حياتنا الروحية. في الواقع، إن إرجاع العُشْر يُظهر مدى قربنا لله في قلوبنا. إنّ نظام إرجاع العُشْر هو خطَّة الله لِلكِرازة بالإنجيل. لذلك، يجب أن يكون إرجاع العُشْر هو أول عمل يقوم به الوكلاء.
في هذا الأسبوع، سوف نُواصِل نَظْرَتنا إزاء إرجاع العُشْر: طريقة توزيعه، وماذا يعني للآخرين، ومدى تأثيره على حياتنا الروحيَّة.
* نرجو التَّعمُّق في موضوع هذا الدرس، استعدادًا لِمُناقَشته يوم السبت القادم الموافق ٢٤ شباط (فبراير).
معًا نُموِّل الكِرازة (البِشارة، المُرسلِيَّة)
يأمرنا يسوع قائلًا: «اكرزوا بالإنجيل» (مرقس ١٦: ١٥) و«تلمِذوا» و«عَلِّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصَيْتُكُم به» (متى ٢٨: ١٩، ٢٠). وهكذا يرغب الله في أن نُشارك في أهم عمل على هذه الأرض: أن نأتي بالنَّاس إلى المسيح. إنَّ تمويل هذه المُرسلية مِن الموارد التي وهبها الله لنا هو مسؤولية الوكيل المسيحي. مُشاركتنا في هذا العمل تُعمِّق التزامنا وتعهُّدنا في تقديم المسيح للآخرين. على كل تلميذ للمسيح، وكل وكيل سَخِي، وكل عامِل في حقل الرَّب أن يُرجِعَ العُشْر كاملًا لأجل هذا العمل المُقدَّس. يجب أنْ نصلِّي في طَلَب الوحدة لأن نكون أمناء في تمويل الرِّسالة، مثلما تُقوِّي المرسلية الناجحة وحدة إيماننا.
ما هي الخطَّة الماليَّة التي وافَق عليها الله لإنجاز هذه المُرسليَّة؟ ماذا تعني عِبارة «جميع الْعُشُورِ» (ملاخي ٣: ١٠)؟ وماذا يعني تعبير «ليكون في بيتي طعام» (ملاخي ٣: ١٠)؟
كان الناس، كما رأينا، يقدمون العُشرَ مُنذُ أيام إبراهيم ويعقوب (تكوين ١٤: ٢٠؛ تكوين ٢٨: ٢٢)، وربما قبل ذلك أيضًا. العُشْرُ هو جزء مِن نظام يدعم كنيسة الله. إن نظام إرجاع العُشْر هو أعظم مصدر لتمويل كنيسة الله، والأسلوب الأكثر عدالة لِحَمْل رسالة الله.
في مجتمعاتنا اليوم، يُقدِّم غالبية المسيحيين القليل نسبيًا لتمويل رسالة الله. فلو كان كل مسيحي يُرْجِع العُشْر بأمانة، لكانت النتيجة ستكون «فوق ما نتخيَّل، ومُدهِشة حقًا، وفوق إدراكنا تقريبًا» (Christian Smith and Michael O. Emerson، Passing the Plate،
صفحة ٢٧).
كان لله في كل عصر أناسٌ على استعداد لأن يموِّلوا خدمته ورسالته. إنها مسؤوليتنا جميعًا أن نُدرِك ونعمل معًا لتمويل هذه المهمة العالمية. لا يمكننا احتمال عدم التنظيم والإهمال والفوضى في مسألة تمويل رسالة الله. إنَّ التَّحدِّي الموضوع أمامنا هو أعظم ممَّا كان أمام الشعب واللاويين الذين قالوا لنحميا: «لا نَتْرُك (نُهْمِل) بيتَ إلهنا» (نحميا ١٠: ٣٩). وهذا التحدي هو أيضاً أكثر رهبة ممَّا واجه المؤمنين في سنوات القرن التاسع عشر. اليوم، يجب على الأعضاء ورجال الدِّين أن يتوحَّدوا روحيًّا ويُوحِّدوا جهودهم ماليًّا بطريقة تستطيع أن تلبي الأهداف الشاملة وتُموِّل الرِّسالة.
بركات الله
كما رأينا في ملاخي ٣: ١٠، وعد الله ببركة عظيمة للأمناء في إرجاع عشورهم. مع ذلك، لا ينبغي أن نعتقد أن هذه الآية تعني أننا سوف نتلقى فقط الكثير من البركات المادية نتيجة إرجاعنا للعشور. إنَّ هذه الفكرة محدودة للغاية وهي تظهر أننا أخفقنا في فهم المعنى الحقيقي لوعود الله لنا.
البركة في ملاخي هي بركة روحيَّة كما هي بركة زمنية. إنَّ معنى بركة الله يظهر جليًّا في الخلاص والسعادة وراحة البال والكيفية التي يعمل بها الله دائمًا ما هو لخيرنا. كذلك، عندما يُباركنا الرب، نكون مُلزمين أن نشارك بركاته مع الآخرين الذين هم أقلُّ حظًا منَّا. فإننا قد تباركنا لنكون بركة للآخرين. ومن خلالنا يستطيع الرب بسط بركاته إلى أماكن أخرى.
اقرأ ١بطرس ٣: ٨، ٩. ماذا يقول لنا بطرس حول العلاقة بين كوننا مُبارَكين مِن الله وبين أن نكون بَرَكَة للآخرين؟
توجَد بَرَكة مُزدوجة تأتي مِن إرجاع العُشْر لله. فنحن نُبارَك، ونكون أيضًا بَرَكَة للآخرين. نستطيع أن نُعطي ممَّا أعطانا الله. إنَّ بركات الله نحونا تصل إلينا داخليًا وتصل للآخرين خارجيًا. «أَعْطُوا تُعْطَوْا ... لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ» (لوقا ٦: ٣٨).
اقرأ أعمال الرسل ٢٠: ٣٥. كيف ينطبق هذا على إرجاع العُشْر أيضًا؟
أعظم بَرَكة يُعلِّمنا إيَّاها إرجاع العُشْر هي الثِّقة بالله (إرميا ١٧: ٧). «تأسس النظام الخاص بإرجاع العُشْر على مبدأ ثابت ثبات شريعة الله. كان نظام إرجاع العُشْر هذا بَرَكَة لليهود، وإلا لما كان الله أعطاه لهم. وهكذا سيكون بَرَكَة لكل الذين يمارسونه إلى نهاية الزمان. لم ينشئ أبونا السماوي خطَّة «منهجيَّة العطاء» لإثراء ذاته، بل ليكون بركة عظيمة للإنسان. لقد رأى الله أنَّ نظام التصَدّق والإحسان هذا هو تمامًا ما يحتاج إليه الإنسان» (روح النبوة، شهادات للكنيسة، صفحة ٤٠٤، ٤٠٥).
الغرض مِن إرجاع العُشْر
يكتب بولس إلى تيموثاوس قائِلًا: «لا تَكُمَّ ثورًا دارسًا. والفاعِل مُسْتَحِقٌ أجْرَتَهُ» (١تيموثاوس ٥: ١٨). يقتبس بولس ما قاله موسى في تثنية ٢٥: ٤ حول كَمِّ الثَّوْر في دِرَاسِهِ، وما قاله يسوع في لوقا ١٠: ٧ بخصوص الفاعِل مُسْتَحق أجره. يبدو أنَّ التعبير عن الثَّوْر كان مَثَلًا شائِعًا، ويُعطي المعنى أنه مِن العدل أن يأكل الثَّوْر مِن الحنطة أثناء عَمَلِهِ. والمثل الثاني يُعطي ذات المعنى أنَّ العامل المُخلِص الذي يكرز بالإنجيل يستحق أجره.
يخلق الله الأشياء ويُديرها حسب أنظمة، فهو الذي أبدع النظام الشمسي، والنظام البيئي، والجهاز الهضمي، والجهاز العصبي، وغير ذلك كثير. استعمل اللاويون نظام الْعُشْر (سِفْر العدد ١٨: ٢٦) للعناية بالهيكل ولإعالة أنفسهم. ومَن يُشَابِهون ذلك في الزمن المُعاصر هم أولئك الذين يُكرِّسُون أنفسهم للِكِرازة بالإنجيل. إنَّ نظام العشور الذي وضعه الله، هو السبيل الذي اختاره لِدَعْم الخدمة، وقد كان معمولًا به على مدى تاريخ الخلاص. إذًا، فدعم هؤلاء العاملين في حقل الرَّب، بواسطة العشور، هو أمر راسخ وأساسي.
ما الذي يعنيه بولس وما هو المعنى الأخلاقي لعبارة «أمَرَ الرَّبُّ: أنَّ الذين يُنادون بالإنجيل، مِن الإنجيل يعيشون» (١كورنثوس ٩: ١٤)؟ ماذا تُعلِّمنا الآيات الواردة في ٢كورنثوس ١١: ٧-١٠ عن الحاجة لِدَعم أولئك الذين ينشرون بشارة الإنجيل؟
عندما قال بولس: «سَلَبْتُ كنائِس أخرى، آخِذًا أجرَة لأجل خِدْمَتِكُم» (٢كورنثوس ١١: ٨)، كان يتكلَّم ساخِرًا بأنَّه أخذ أجرةً مِن كنيسة فقيرة في مقدونية بينما كان يخدم في كنيسة غنية في كورنثوس. والنقطة التي أراد بولس لكنيسة كورنثوس الانتباه إليها هي أنَّ الذين يكرزون بالإنجيل يستحقُّون أجرتهم.
يُسْتَخْدَم العُشْر لِغَرَضٍ مُحدَّد، ويجب أن يظلَّ كذلك. «يُفرَز العُشْر لاستعمالٍ خاص. لا يجب اعتباره رصيدَ الفُقراء. إنه مُكرَّس خصيصًا لِدَعْمِ الذين يحملون رسالة الله إلى العالم؛ ولا يجب تحويله عن هذا الغرض» (روح النبوة، إرشادات حول الوكالة المسيحية، صفحة ١٠٣).
الخَزنة
الله له خزائِن للريح (إرميا ١٠: ١٣)، وخزائن للمياه (مزمور ٣٣: ٧)، وخزائن للثلج والبَرَد (أيوب ٣٨: ٢٢)، وهو يتحكَّم فيها جميعًا. لكن أكثر الخزائِن قيمة لدى الله هي خزائن العُشور. «وأمَّا بنو لاوي، فإني قد أعطيتُهم كلَّ عُشْرٍ في إسرائيل ميراثًا عِوَضَ خدمَتِهم التي يخدمونها، خِدْمَة خيمة الاجتماع» (سِفْر العدد ١٨: ٢١). هذه الآية تتضمَّن أوَّل ذِكْرٍ لِمَكان حِفْظ العُشور، ويُطلق عليها اليوم اسم «مبدأ الخزنة». أمَرَ الله الإسرائيليين أن يأتوا بالعُشور إلى المكان الذي اختاره هو (تثنية ١٢: ٥، ٦). في عهد سليمان، كانت العُشور تُردُّ إلى هيكل أورشليم. عرف الإسرائيليون بكل بساطة ماذا وأين كانت الخزنة عندما قال لهم النبي ملاخي: «هاتوا جميع الْعُشُورِ إلى الْخَزْنَةِ» (ملاخي ٣: ١٠). الْخَزْنَةُ كانت تدلُّ على الموقع حيث تُقام الخدمات الدينية والمكان الذي منه يحصل اللاويون على مصدر معيشتهم.
أيَّة أسماء أخرى وَرَدَتْ في الكتاب المُقَدَّس للتعريف عن الْخَزْنَةِ؟ ١ أخبار الأيام ٢٦: ٢٠؛ ٢أخبار ٣١: ١١-١٣؛ نحميا ١٠: ٣٨.
إنَّ تقديم العشور المقدَّسة إلى الْخَزْنَةِ هو المثال أو النموذج الذي نصَّ عليه الإنجيل. كان لله، في كل حُقبة، خزنة مركزية لإدارة الْعُشُور. وكنيسة الأدفنتست السبتيين حول العالم تقبل مبدأ الْخَزْنَةِ وتُمارسه. تحثُّ الكنيسة أعضاءها على تقديم عشورهم إلى مركز الإرسالية مِن خلال الكنيسة المحليَّة التي يحتفظون فيها بعضويتهم. ومِن هذه الخزينة يتقاضى الخُدَّام رواتبهم.
«إذ يمتد عمل الله ويتَّسِع، ستزداد الدعوات للمساعدة أكثر فأكثر. ولتلبية تلك الدعوات، على المسيحيين أن يتنبَّهوا إلى أمر الرب، ’هاتوا جميع الْعُشُور إلى الْخَزْنَةِ ليكون في بيتي طعام’ (ملاخي ٣: ١٠). لو أنَّ المسيحيين المُخلِصين يُقدِّمون لله عشورهم بأمانة، ستمتلئ الْخَزْنَة. عندها، لن تكون هناك حاجة لإقامة المعارض أو المسابقات أو حفلات مرح لجمع التَّبرُّعات لدعم عمل الإنجيل» (روح النبوة، أعمال الرسل، صفحة ٣٣٨).
العشور والخلاص بالإيمان
اقرأ رومية ٣: ١٩-٢٤. ما هو الحق الأساسي، وَمِحْوَر إيماننا الذي نتعلَّمه مِن هذه الآيات؟ لماذا يجب علينا دائِمًا أن نَحْفَظ هذا التعليم كأساس لإيماننا؟
إنَّ جوهر رسالة الإنجيل هو أنَّ جميعنا لا نستحق الخلاص (رومية ٣: ٢٣). فلو كُنَّا نستحقُّه، لكان ذلك نتيجة جَدَارَتَنا وأعمالنا، وهذا مُناقِض لتعاليم الإنجيل.
اقرأ رومية ٤: ١-٥. ماذا تُعلِّمنا هذه الآيات عن النِّعمة خِلافًا للاستحقاق بالأعمال؟
وهكذا، فالخلاص هو عطيَّة (أفسس ٢: ٨، ٩) مُنِحَت لِعَدَم المُسْتَحقِّين. الخلاص يأتي نتيجة استحقاق التضحية الكاملة للمسيح نفسه والتي تُحسَب لنا. وبالنسبة للعشور، فلا استحقاق لنا مِن الله بإرجاع الْعُشُور له. بعد كل ذلك، فإذا كان الْعُشْر ملكًا لله أصلًا، فأي استحقاقٍ يُمْكِن أن يأتي عندما نُرجِعه له؟
إرجاع العُشْر ليس عملًا نقوم به لِيُخلِّصنا، فهو ليس أكثر من أي عمل صالح خُلقنا الله لنفعله ونسلك فيه كمسيحيين. «لأننا نحن عَمَلُهُ، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمالٍ صالحة، قد سَبَقَ الله فأعدَّها لكي نَسْلُك فيها» (أفسس ٢: ١٠).
مع ذلك، فإنَّ إرجاع الْعُشْر يُظهِر موقِفًا إمَّا متواضِعًا ومُطيعًا أو مُتَعَنِّتًا ومُتحدِّيًا لِمَا طَلَبَ منَّا الله أن نفعله. إذا كُنَّا نُحب الله، سوف نُطيعه. وإرجاع العُشْر هو تعبير ظاهري عن إدراكنا بأننا بالفعل مُجرَّد وكلاء هنا، وبأننا نَدِين لله بكل شيء. فكما أنَّ السبت هو تذكار عن الله الخالق والفادي، فإنَّ إرجاع الْعُشْر يُمكِن أن يؤدِّي نفس الغرض: فهو يُذكِّرنا بأننا لسنا لأنفسنا، وبأنَّ حياتنا وخلاصنا هما عطايا مِن الله. ونتيجة لذلك، يمكننا أن نُدرك تلك الحقيقة ونعيش حياة الإيمان، مُعترفين بأنَّ إرجاعنا للْعُشْر هو تعبير حقيقي وملموس لإيماننا هذا.
لمزيد من الدرس: مِن السَّهل جدًّا أن ننسى بأنَّ كُلَّ نَسمة، وكُلَّ دقَّة قلب، وكل لحظة مِن وجودنا تأتي فقط مِن الرَّب. في سفر أعمال الرسل، الأصحاح السابع عشر، يُخاطِب بولس شعب أثينا عن الله الحقيقي، الذي هو ليس الخالِق فحسب («الإله الذي خلق العالم وكل ما فيه» (أعمال الرُّسل ١٧: ٢٤)، ولكنه أيضًا المُعين: «لأننا بهِ نحيا ونتحرَّك ونُوْجَد» (أعمال الرُّسُل ١٧: ٢٨). لم يعرف الأثينُّيون عن الإله الحقيقي، أما نحن كمسيحيين فنعرف، وهذه المعرفة يجب أن تكون مركزية في أسلوب حياتنا. إن مطاليب الرب العادلة منّا كثيرة، وكنتيجة، علينا أن نحيا بموجب هذه المطاليب:
«وهكذا الحال مع مطاليب الله مِنّا. فهو يضع كنوزه في أيدي البشر، ولكنه يطلب أنَّ عُشرًا مِن هذه الكنوز يُوضَع جانبًا بأمانةٍ مِن أجل عمله. يطلب الله أن يوضع هذا الجزء في خزينته. يجب إرجاع العُشْر له كملكيَّته الخاصة؛ فهو مُقدَّس ويجب استعماله في أعمالٍ مُقدَّسة، لِدَعم الذين يحملون رسالة الخلاص إلى جميع أنحاء العالم. إنَّه يحتفظ بهذا الجزء، لتبقى الوسائل المالية متدفِّقة دائمًا إلى خزينة الله، وحتى يصل نور الحق إلى القريبين والبعيدين. وبطاعتنا الأمينة لهذا المطلب، نَعْتَرِف بأنَّ كل الأشياء هي ملك للرب» (روح النبوة، شهادات للكنيسة، المجلد السادس، صفحة ٣٨٦).
الدرس التاسع
٢٤ شباط (فبراير) – ٢ آذار (مارس)
تقدمات الشّكر
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: متى ٦: ١٩-٢١؛ أفسس ٢: ٨؛ ١بطرس ٤: ١٠؛ لوقا ٧: ٣٧-٤٧؛ ٢كورنثوس ٨: ٨-١٥؛ ٢كورنثوس ٩: ٦، ٧.
آية الحفظ: «لأنَّه هكذا أحبَّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يوحنَّا ٣: ١٦).
إلهنا إله عطاء؛ يُرى هذا الحق العظيم بكل قوَّته في تضحية يسوع، «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا ٣: ١٦). أو في هذه الآية: «فإن كُنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تُعطوا أولادكم عطايا جيِّدة، فكم بالحري الآب الذي مِن السَّماء يُعطي الرُّوحِ الْقُدُس للذين يسألونه!» (لوقا ١١: ١٣).
الله يُعطي ويُعطي؛ إنَّها صفته. وهكذا، فعلينا نحن الذين نسعى لِعَكْسِ هذه الصفة أن نُعطي كما يُعطي الله. مِن الصعب تخيُّل ما هو أكثر تناقَضًا مِن عبارة «مسيحي أناني» مع صفة الله المِعطاء.
إحدى الطرق التي نَرُدُّ بها ما أعطانا الله إيَّاه هو مِن خلال التقدمات. إنَّ تقدماتنا تُتيح لنا فُرصة للتعبير عن شكرنا وامتناننا ومحبَّتنا. في يوم استقبال يسوع للمَفديين إلى السماء، سنرى أولئك الذين قَبِلوا نعمته، وسندرك أنَّ هذا القبول أصبح ممكنًا من خلال تقدمات التَّضحية.
هذا الأسبوع، سوف نفحص جوانب مهمَّة للتقدمات. إنَّ السَّخاء في العطاء، سواء كان مِن مواردنا أو وقتنا أو مواهبنا هو وسيلة قويَّة لنعيش حياة الإيمان، ولِنُظْهِر صفات الله الذي نعبده ونخدمه.
* نرجو التَّعمُّق في موضوع هذا الدرس، استعدادًا لِمُناقَشته يوم السبت القادم الموافق ٣ آذار (مارس).
«حيث يكون كنزك»
اقرأ متى ٦: ١٩-٢١. مع أنَّ هذه الآيات مألوفة جدًّا لنا، كيف نستطيع مع ذلك أن نتحرَّر مِن القبضة القوية للكنوز الأرضيَّة التي يُمكن أن تُسيطر علينا؟ (انظر كولوسي ٣: ١، ٢).
إن عبارة «لأنَّه حيثُ يكون كنزك، هناك يكون قلبك أيضًا» (متى ٦: ٢١) هي مُناشدة من يسوع. يُمكِن رؤية قوَّة هذه الآية كامِلة في الآيتين السابقتين لها، حيث المُقارنة بين الاحتفاظ بكنوزنا على الأرض والاحتفاظ بها في السَّماء. ثلاث كلمات تصف الأرض: السُّوس والصَّدأ والسارقون (انظر متى ٦: ١٩)، وكلها توحي بأنَّ كنزنا على الأرض عابِر وزائِل. مَن منَّا لم يرَ ويتعلَّم مدى السُّرعة التي تختفي بها الأشياء الأرضية؟ «كل شيء في هذا العالم غير مُستقر، ومُتقلِّب، وغير مُؤكَّد، وغير آمِن وقابِل للتسوُّس والخراب والسَّرقة والضّياع. السَّماء عكس ذلك: كل شيء أبدي، لا يعتريه الخراب، وهو آمِن، عمره مديد، وغير قابل للفناء. في السَّماء لا يضيع شيء» (C. Adelina Alexe ،Where Your Heart Belongs، صفحة ٢٢).
تطلَّع إلى ممتلكاتِك. حتى إن كُنتَ تملك القليل، آجِلًا أو عاجِلًا سوف تُلقى أغلبها إلى المهملات. ولكن على الوكيل الحكيم أن يهتمَّ بوضع كنوزه في السَّماء للاحتفاظ بها. هناك، وخلافًا لما هو هُنا على الأرض، لن يساورك القلق بخصوص الرّكود الاقتصادي والسّرقة والنَّهب.
تحتوي الآيات الواردة في متى ٦: ١٩-٢١ على أحد أهمّ المفاهيم الخاصَّة بالوكالة المسيحية. سوف يُحاول كنزك السَّيطرة على قلبك: سوف يسحبك ويجرّك ويضغط عليك ويستهويك ويُطالِبك ويغويك ويُرغِّبك حتى تخضع لسيطرته. في العالم المادِّي، قلبك يتبع كنزك، لذلك، يبقى مكان وجود كنزك مهم جدًّا. وكلما ازداد تركيزنا على الحاجات الأرضية ومكاسبها، يصعب تفكيرنا في الأمور السماوية.
إعلاننا عن إيماننا بالله مع احتفاظنا بكنزنا هنا على الأرض هو رياءٌ ونِفاق. يجب أن تتَّفِق أعمالنا مع أقوالنا. بمعنى آخر، نحن نرى كنوزنا على الأرض بعيوننا، ولكن يجب أن نرى تقدماتنا ككنوز في السَّماء بإيماننا (٢كورنثوس ٥: ٧). فمع أننا، بالطبع، نحتاج إلى أن نكون عمليين وأن نوفِّر لأنفسنا احتياجاتنا (حتى للتقاعد ولِما بعد التقاعد)، إلا أنَّه من الأساسي أن نحتفظ دائمًا بالصورة الأكمل في أذهاننا، صورة الأبدية.
وكلاء النِّعمة الإلهية
ما هو الشيء الآخر الذي أعطاه لنا الله حسب الآية الواردة في أفسس ٢: ٨؟
النِّعمة هي «هبة غير مُستَحقَّة». إنها عطيَّة لا نستحقّها. لقد سَكَبَ الله نعمته على هذا الكوكب، وإذا قبلناها بكل بساطة ولم نرفضها، فسوف تُغيِّر نعمته حياتنا، الآن وإلى الأبد. كل غِنى وقوّة السماء مُجسَّدة في عطيَّة النِّعمة (٢كورنثوس ٨: ٩). حتى الملائكة يندهشون مِن عِظَم هذه الهِبة (١بطرس ١: ١٢).
مِن بين كل ما منحه الله لنا، لا شكَّ أنَّ النِّعمة التي لنا في شخص يسوع المسيح هي أعظم وأثمَن عطيَّة. فبدون النِّعمة، نكون بلا رجاء. إنَّ تأثير الخطيَّة الكئيب أقوى مِن أن يستطيع الإنسان أن يُحرِّر نفسه منه. حتى طاعتنا لشريعة الله لا يمكنها أن تُعطينا الحياة. «فهل الناموس ضد مواعيد الله؟ حاشا. لأنَّه لو اُعْطِيَ ناموسٌ قادِرٌ أن يُحيي، لكان بالحقيقة البِرُّ بالناموس» (غلاطية ٣: ٢١). وعلى أي حال، فإن كان لأي ناموسٍ أن يُخلِّصنا، لكان هو ناموس الله. لكن بولس يقول، حتى ذلك الناموس لا يستطيع أن يُخلِّصنا. فإن كان لنا أن نَخْلُص، يكون خلاصنا بالنِّعمة.
اقرأ ١بطرس ٤: ١٠. ما هي الصِّلة بين الوكالة والنِّعمة؟ اشرح كيف يُظهر عطاؤنا لله وللآخرين نعمته لنا؟
قال الرسول بطرس أننا إذ قَبِلنا عطيَّة نعمة الله، علينا أن نكون بالمُقابل «وكلاء صالحين على نعمة الله المُتَنوِّعة» (١بطرس ٤: ١٠). لقد وهبنا الله عطايا؛ ولذلك، علينا أن نُعطي ممَّا أعطانا الله. فما استلمناه، بالنِّعمة، ليس لِمَسرَّتنا ومنفعتنا فقط، بل لأجل تقدُّم بشارة الإنجيل. مجَّانًا اُعْطِيتُم (هذا هو معنى النِّعمة)؛ إذًا، علينا أن نُعطي مجَّانًا بكل الطرق الممكنة.
التَّقدمة الأفضل
اقرأ لوقا ٧: ٣٧-٤٧. ماذا تُعلِّمنا هذه القصَّة عن الدافع الصحيح لتقديم عطايانا لله؟
دَخَلَت مريم الغُرفة ورأت يسوع مُتَّكِئًا إلى المائدة. فأخذت «مَنًا مِن طِيب ناردينٍ خالِص كثير الثَّمن» (يوحنا ١٢: ٣) وسَكَبَتْهُ عليه. ظنَّ بعضهم أنَّ فعلها ذلك لم يكن لائقًا، باعتبار أنَّها عاشت عِيشة الخطية.
لكنَّ مريم كانت قد تحرَّرت مِن سُلْطَة الشيطان (لوقا ٨: ٢). بعد ذلك، وبعد مشاهدتها قيامة لِعازر، طغى عليها شعور بالعِرفان بالجميل وبالشكر والامتنان. كان الطِّيبُ أثمن ما كانت تمتلكه، وكان فِعْلُها ذاك هو سبيلها في إظهار عرفانها وامتنانها ليسوع.
تُظْهر هذه القصَّة ما يجب أن يكون هو الدافع الحقيقي لتقديم تقدماتنا: شكرنا وامتناننا لله. وعلى أي حال، هل يوجد أي ردٍّ آخر أمام عطيَّة نعمة الله التي لا تُقدَّر بثمن؟ إنَّ سخاء الله أيضًا يحثُّنا على العطاء، وعندما يقتَرِنُ هذا السَّخاء مع عرفاننا وامتناننا، فكلاهما معًا يعطياننا المعنى الحقيقي للعطاء، الذي يشمل وقتنا ومواهبنا وممتلكاتنا وأجسادنا.
اقرأ خروج ٣٤: ٢٦؛ لاويين ٢٢: ١٩-٢٤؛ عدد ١٨: ٢٩. مع اختلاف السِّياق اختلافًا كامِلًا مع تعاملات اليوم، ما هو المبدأ الذي يمكننا أن نأخذه مِن تلك الآيات حول تقدماتنا؟
قد تبدو أفضل عطايانا وتقدماتنا ناقِصة وغير كافية في نَظَرِنا، ولكنها ذات أهميَّة بالنسبة لله. فإذ نُقدِّم لله أفضل ما لدينا، نُظْهِر أننا نضع الله أولًا في حياتنا. نحن لا نُعطي تقدمات لكي ننال رضى الله، بدلًا من ذلك، نُعطي لله ما لدينا عِرفانًا وامتنانًا لما أعطاه الله لنا في المسيح يسوع.
«إنَّ التكريس التام وأعمال الرَّحمة المدفوعة بروح المحبة والعِرفان والامتنان، سوف تفيض على أصغر تقدمة والمُقدَّمة طوعيًّا، رائحة زكيَّة إلهية، جاعِلة مِن التقدمة عطيَّة لا تُقدَّر بثمن. ولكن، بعد أن نُعطي لفادينا كل ما يمكننا أن نعطيه له بكامل إرادتنا، ومهما كانت قيمته بالنسبة لنا، فإذا نظرنا إلى دَيْنِنا لأفضال الله كما هي على حقيقتها، فكل ما نكون قد قدَّمناه له سيبدو غير كافٍ بل ضئيلًا جدَّا. لكنَّ الملائكة يأخذون تلك التقدمات، التي تبدو لنا قليلة، ويقدِّمونها كتقدمة رائحة زكية أمام العرش، ويتم قبولها» (روح النبوة، شهادات للكنيسة، المجلد الثالث، صفحة ٣٩٧).
مقاصِد القلب
ضِمن درس سابق، تطرقنا إلى قصَّة الأرملة التي أعْطَتْ بِسَخاء. مع أنَّ تقدمتها كانت ضئيلة مُقارنة بتقدمات أخرى، لكنَّها كانت سخيَّة لأنها أظهرت الطبيعة الحقيقية لصفاتِها ولِقَلبِها، ممَّا دفع يسوع ليقول: «إِنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِيرَةَ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنَ الْجَمِيعِ» (لوقا ٢١: ٣).
الله وحده (يعقوب ٤: ١٢) يعرف نوايانا الحقيقية (أمثال ١٦: ٢؛ انظر أيضًا ١كورنثوس ٤: ٥). مِن المُمْكِن أن تكون لنا أفعال صحيحة، ولكن بدوافِع خاطِئة. العطاء مِن وفرة المال لا يتطلَّب الكثير مِن الإيمان، ولكنَّ التضحية في العطاء مِن أجل خير الآخرين يُعطي شهادة قويَّة لِما هو في قلوبنا.
اقرأ ٢كورنثوس ٨: ٨-١٥. عمَّا يتحدَّث بولس الرسول هُنا بخصوص العطاء والحافِز الذي يدفعنا للعطاء؟ وما هي المبادئ التي يُمكن أن نأخذها مِن هذه الآيات حول الوكالة المسيحية؟
أيًّا كانَ حافِزك للعطاء، فالحوافِز والدَّوافِع تتعدَّد وتتباين ما بين خدمة الذات ومنفعة الآخرين. إن الحرب المستمرة حول هذا التَّباين ما بين الأنانية والعطاء تحدث بوتيرة أسرع من أي خلاف حول أي موضوع روحي آخر. الأنانية ستُبرِّد قَلبًا كان يومًا على نار مُتَّقدة مِن أجل الرب، وستصيبه بالكسل والفتور. والمشكلة تأتي عندما نسمح للأنانية أن تدخل في اختبارنا المسيحي. معنى ذلك أننا نجد بعض الطرق التي نُبرِّر بها أنانيتنا ونفعل ذلك بِاسْمِ المسيح.
خلاصة هذا الكلام يُعبَّر عنها بكلمة واحدة: المحبة. والمحبة لا يُمكن أن تتجلَّى بدون إنكار للذات، واستعداد لأن نعطي مِن أنفسنا، إلى درجة التضحية من أجل خير الآخرين.
ما لم تنعكس محبة الله في حياتنا، فإن عطايانا لن تعكس محبة الله. القلب الأناني ميَّال لأن يُحِب نفسه فقط. يجب علينا أن نطلب مِن الله أن يختن «غُرْلَةَ قُلُوبنا» (تثنية ١٠: ١٦) حتى نستطيع أن نتعلَّم أن نُحب كما أحبَّنا الله.
إنَّ المحبة هي الأساس لكل أعمال الإحسان الحقيقية ومساعدة المحتاجين. إنَّ محبَّة الله المُوجَّهة إلينا تُحفِّزنا لأن نحبه ونحب الآخرين بالمقابل، وهي بحق الباعث الأسمى للعطاء.
اختبار العطاء
إذا كان المسيح قد جاء المسيح لكي يكشف لنا صفات الله، فهناك شيء واحد يجب أن يكون واضحًا حتى الآن: الله يُحبّنا، وهو يريد لنا الخير فقط. إنه يطلب منَّا أن نعمل فقط ما هو لِنَفْعِنا، وليس ما هو لِضَرَرِنا. هذا يشمل أيضًا دعوته لنا لأن نُعطي بسخاء وبسرور ممَّا أعطانا. فالعطايا التي نُقدِّمها بسماحة قلب وإرادة حُرَّة وسخاء هي ذات نفع وفائدة لأنفسنا — المُعطين، كما هي لمنفعة وفائدة مَن يتلقَّاها.
اقرأ ٢كورنثوس ٩: ٦، ٧. كيف تتضمَّن هذه الآيات، بشكل كبير، حقيقة ما يجب أن يدلّ عليه العطاء؟
إنَّ تقديم عطاءٍ سخيّ يُمكِن أن يكون بل يجب أن يكون عملًا شخصيًا وروحيًا جدًا. إنَّه عملٌ مِن أعمال الإيمان، وهو تعبير عن امتناننا وشُكرنا لمَّا أعطانا الله في المسيح.
والعطاء، كما مع أي عمل من أعمال الإيمان، يُزيدنا إيمانًا «لأنَّ الإيمان بدون إعمال ميت» (يعقوب ٢: ٢٠). ولا يوجد سبيل أفضل لزيادة الإيمان مِن أن نعيش حياة الإيمان. معنى ذلك أن نعمل أشياءً تنتج عن إيماننا وتنبع منه. وإذ نُعطي بسخاء وبسَماحة قلب وبإرادةٍ حُرَّة، فنحن نعكس صفات المسيح بطريقتنا الخاصَّة. إننا نتعلَّم أكثر عن صفات الله من خلال اختبارنا معه في أعمالنا الخاصَّة. ولهذا، فالعطاء بهذا الشكل سيبني ثقتنا في الله وسيُعطينا الفرصة لنَخْتَبِر ما قاله داود في المزمور ٣٤ «ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب. طوبى للرجل المتوكِّل عليه» (مزمور ٣٤: ٨).
«وسَيُرى أنَّ المجد المتلألئ في وجه يسوع هو مجد محبَّتِهِ الباذلة. وفي النور المُنْبَعِث مِن جلجثة سَيُرى أنَّ ناموس المحبة المُنْكِرَة لذاتها هو ناموس الحياة للأرضيين والسماويين؛ وأنَّ المحبة التي ‹لا تطلب ما لنفسها› تنبُع مِن قلب الله؛ وأنَّ ذاك الوديع والمتواضع القلب قد أُعْلِنَت فيه صفات الله الساكن في نور لا يُدنى منه» (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ١٧).
لمزيد من الدرس: ««إنَّ روح السَّخاء هي روح السَّماء. وروح الأنانية هي روح الشيطان. ومحبَّة المسيح المُضحِّية بذاتها تجلّت على الصليب. لقد أعطى كل ما لديه، وأخيرًا بذل نفسه، لكي يخلّص الإنسان. إنَّ صليب المسيح يُناشِد كُلَّ تابِع من أتباع يسوع المُبارَك والمُخلِّص لأن يُظهِروا روح العطاء. إنَّ المبدأ الموضَّح أعلاه هو أن نُعطي ونُعطي. إنَّ تطبيق هذا في أفعال الخير والأعمال الصالحة هو الثمر الحقيقي للحياة المسيحية. ولكن مبدأ العالم هو الأخذ والأخذ، وهكذا يطمحون في تأمين سعادتهم؛ ولكن ثمار ذلك تكون بُؤسًا وموتًا» (روح النبوة، ساباث ريفيو آند أدفنتست هيرالد، ١٧ أكتوبر / تشرين الثاني١٨٨٢).
الدرس العاشر
٣-٩ آذار (مارس)
دور الوكالة المسيحيَّة
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: كولوسي ١: ١٦-١٨؛ عبرانيين ٤: ١٤-١٦؛ ٣يوحنا ٣؛ تكوين ٦: ١٣-١٨؛ رؤيا يوحنا ١٤: ٦-١٢؛ ١بطرس ١: ١٥، ١٦.
آية الحفظ: «لأنَّ الله لم يَدْعُنا للنجاسة، بل في القداسة» (١تسالونيكي ٤: ٧).
الوكالة المسيحية مجالها واسع وعميق، ومِن السهل أن تَتُوه فيها إذا حاوَلْتَ الغوص في تفاصيلها. الوكالة المسيحية بسيطة وفي نفس الوقت مُعقَّدة، ولهذا، مِن السهل أن يُساء فهمها. ومع ذلك فلا المسيحي ولا الكنيسة يستطيعان أن يعيشا أو يعملا بدونها. وإذا كان لكَ أن تكون مسيحيًا، فعليك أن تكون وكيلًا صالِحًا أيضًا.
«إنَّها ليست مُجرَّد نظرية أو فلسفة، ولكنها نظام عمل. إنَّها في الحقيقة نظام عيش المسيحي... إنَّها ضرورية لفهمٍ وافٍ للحياة، وجوهريَّة لاختبار روحيٍّ حقيقي وحيوي. إنَّها ليست مُجرَّد قبول عقلاني فقط، ولكنَّها عمل الإرادة، وعملية قاطِعة وحاسِمة تمسُّ كل نواحي الحياة» (LeRoy E. Froom ،Stewardship in Its Larger Aspects، صفحة ٥).
ما هي بعض المبادئ الجوهرية في معنى أن يكون الشخص وكيلًا مسيحيًا؟ في هذا الأسبوع، سوف ندرس الأدوار التي تلعبها الوكالة في الحياة المسيحية. وسوف نفعل ذلك مِن خلال مُناظرة شيِّقة: عَجَلة (دُولاب) العَرَبَة التي تجرّها الخيول.
* نرجو التَّعمُّق في موضوع هذا الدرس، استعدادًا لِمُناقَشته يوم السبت القادم الموافق ١٠ آذار (مارس).
المسيح مركز كل شيء
يسوع هو الشخصيَّة المركزيَّة عَبْرَ كُلِّ الكتاب المُقَدَّس (يوحنا ٥: ٣٩)، ونحن بحاجة لأن نكون في علاقة معه. لقد دَفَع جَزَاء الخطية، وهو «فِدْيَة عن كثيرين» (مرقس ١٠: ٤٥). المسيح له «كلُّ سلطانٍ في السماء وعلى الأرض» (متى ٢٨: ١٨)، وكل شيء في يديه (يوحنا ١٣: ٣). واسمه فوق كل اسم، ويومًا ما سوف تجثو كل رُكبة أمامه (فيلبي ٢: ٩-١١).
«يسوع هو مركز حياتنا» (روح النبوة، الكرازة، صفحة ١٨٦).
المسيح هو قلب وكالتنا، وهو مصدر قوَّتنا. وهو سبب عيشنا حياة تستحق العيش، مُظهِرين للجميع أنَّه مركز حياتنا. اختَبَرَ بولس تجارب وضيِقات كثيرة، ولكن أينما كان ومهما كانت ضيقاته، فقد كانت له أولويَّة واحدة فقط للحياة: «لأنَّ لي الحياة هي المسيح، والموت هو رِبْح» (فيلبي ١: ٢١).
اقرأ كولوسي ١: ١٦-١٨؛ رومية ٨: ٢١؛ ٢كورنثوس ٥: ١٧. ماذا تقول لنا هذه الآيات حول مدى مركزيَّة المسيح لِكُلِّ شيء في حياتنا؟
لا توجد وكالة حقيقيَّة دون أن يكون المسيح هو محور تركيزنا (غلاطية ٢: ١٠). هو مركز ذلك «الرَّجاء المُبارَك» (تيطس ٢: ١٣)، و »هو قبل كل شيء، وفيه يقوم الكل» (كولوسي ١: ١٧). فكما أنَّ مِحْوَر العَجَلَةِ أو الدُّولاب هو الذي يحمل ثقل العربة، فالمسيح هو مِحْوَر حياة الوكيل. وكما أنَّ المِحْوَر الصلب والمَتين يحفظ توازن واستقرار العربة ويُساعد الدواليب في الدوران، فالمسيح أيضًا هو المِحْوَر الثابِت والأمين لحياتنا المسيحية ولوجودنا (عبرانيين ١٣: ٨). إنَّ تأثيره في حياتنا يجب أن يمسَّ كل ما نفكِّر فيه ونفعله. كل جوانب الوكالة يجب أن تدور وتتمركز حول المسيح.
«لأنَّكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا» (يوحنا ١٥: ٥). إنَّ مركز الوكالة المسيحية ليس فراغًا أجوفًا، ولكنَّه حقيقة المسيح الحي، الذي يعمل فينا ليُشكِّل صفاتنا الآن وإلى الأبد.
عقيدة المَقْدِس
ليس مِن المُعتاد أن نُفكِّر بالمَقْدِسِ في سياق الحديث عن الوكالة المسيحية. مع ذلك، فهناك حلقة وصل، لأنَّ المَقْدِسَ أساسيّ وحاسِم في نظام إيماننا، والوكالة المسيحية جزء مِن ذلك النظام. «إنَّ الفهم الصحيح لِخِدْمَة المسيح في المَقْدِسِ السماوي هو أساس إيماننا» (روح النبوة، الكرازة، صفحة ٢٢١). ومِن الواجب أن نفهم دور الوكالة المسيحية في ضوء هذا المفهوم الكتابي.
تَصِف الآية الوارِدة في سفر ملوك الأول ٧: ٣٣، بَكَرَة أو عَجَلة (دولاب) المركبة. لذلك، فسوف نشرح عقيدة المَقْدِس بتشبيهها بمِحْوَر العَجَلَةِ أو الدُّولاب الخاص بالمركبة. يتصل العمود المركزي بمحور العجلتين (الدولابين) ويوفر بذلك مزيدا من الثبات عندما تدور العجلات. إنَّ المسيح باختباره الموت والقيامة الظافرة (٢تيموثاوس ١: ١٠) أوضح خدمة العبادة في المَقْدِس. فَمِن خِلال موته الذي هو أساس عمله في الهيكل (عبرانيين ٦: ١٩، ٢٠) مَنَحَنا المسيح الثبات لإيماننا. ومِن المَقْدِس السَّمَاوَي يخدم المسيح من أجلنا بينما نحن هنا على هذه الأرض (انظر عبرانيين ٨: ١، ٢).
«اعتمادًا على مَبْدأ الكتاب المُقَدَّس وحده، تؤسِّس كنيسة الأدفنتست نظام معتقداتها على المنظور العام لعقيدة المَقْدِس» (Fernando Canale،
Secular Adventism? Exploring the Link between Lifestyle and Salvation، صفحة ١٠٤، ١٠٥).
ماذا تقول لنا الفقرات التالية حول خدمة المسيح في المَقْدِس السَّمَاوَي؟ ١يوحنا ٢: ١؛ عبرانيين ٤: ١٤-١٦؛ رؤيا يوحنا ١٤: ٧.
إنَّ عقيدة المَقْدِس تُساعد في كشف الحق العظيم المتعلق بالخلاص والفِداء، اللذين هما أساس كل اللاهوت المسيحي. إننا لا نرى في المَقْدِس موت المسيح من أجلنا فحسب، ولكننا نرى أيضًا خدمته في المَقْدِس السَّمَاوَي. يمكننا أن نرى أيضًا، في قدس الأقداس، أهمية شريعة الله وحتميَّة الدينونة الأخيرة. وفي قلب كل ذلك نرى وعد الفِداء الذي أتاحه لنا دم المسيح المسفوك.
إنَّ دور الوكالة المسيحية يعكس حياةً مُثبَّتة في حق الخلاص العظيم، كما تظهر في عقيدة المَقْدِس. وكلَّما تعمَّقنا في فهم ما عمله المسيح مِن أجلنا وما يعمله الآن فينا، كلَّما اقتربنا أكثر مِن المسيح وخدمته ومرسليَّته وتعاليمه ومقاصِده لأولئك الذين يعيشون حسب مبادئ الوكالة في حياتهم.
معتقدات الإيمان التي مركزها المسيح
المَقْدِس أساسي ومركزي لأنَّ فيه تظهر وبكل قوَّة عظمة حق الخلاص، وفيه يظهر معنى الصليب. ويجب أن ترتبط كل معتقداتنا، بشكل أو بآخر، بوعد الإنجيل والخلاص. فمِثْل وصلات الدولاب، تتفرَّع المعتقدات الأخرى مِن حق الخلاص العظيم، بالإيمان بيسوع المسيح.
«إنَّ ذبيحة المسيح كفَّارة عن الخطيَّة هي الحق العظيم الذي يجب أن تتجمَّع حوله كل الحقائق الأخرى... أولئك الذين يدرسون تضحية الفادي العجيبة ينمون في النِّعمة والمعرفة» (روح النبوة، موسوعة الأدفنتست لتفسير الكتاب المُقَدَّس، المجلَّد الخامس، صفحة ١١٣٧).
ماذا كان قصد المسيح بإشارته إلى نفسه بأنَّه «الحق» في يوحنا ١٤: ٦؟ قارِن مع ما جاء في يوحنا ١٧: ١٧. ماذا علينا أن نفعل بالحق؟ ٣يوحنا ٣.
تُؤثِّر مُعتقدات إيماننا على هويتنا الدِّينيَّة وعلى الاتجاه الذي نسير فيه. إنَّ المعتقدات ليست مُجرَّد آراء أو أفكار لاهوتيَّة مُجرَّدة؛ كل المعتقدات الحقيقية مثبتة وراسِخة في المسيح، وينبغي أن يكون لها كلها تأثير على نمط حياتنا بشكل أو بآخر. حقيقةً، يمكننا أن نقول بأنَّ هويتنا كأدفنتست سبتيين تتجذَّر في تعاليم معتقداتنا أكثر مِن أي شيء آخر. إذًا، فالتعاليم التي نستمدَّها من الكتاب المُقَدَّس هي التي تصنع منَّا مَن نحن عليه كأدفنتست سبتيين.
إنَّ دور الوكالة المسيحية هو العيش حسب حقيقة معتقداتنا كما هي في المسيح، وأن نفعل ذلك بطريقة تؤثِّر إيجابًا على نوعيَّة وجودة حياتنا. «إنْ كُنتُم قد سَمِعْتموه وعُلِّمْتُم فيه، كما هو حقٌّ في يسوع: أن تخلَعوا مِن جِهَة التَّصرُّف السابِق الإنسان العتيق الفاسِد بِحَسَبِ شَهَوَات الغُرُور، وتتجدَّدوا بروح ذِهْنِكُم وتَلبَسوا الإنسان الجديد المَخلوق بحسب الله في البِر وقَدَاسَة الحق» (أفسس ٤: ٢١-٢٤).
في هذا المقطع نجد معنى ألا نعرف الحقَّ فقط، بل أنْ نعيشه. إنَّ كوننا وكلاء لا يعني أننا نؤمن بمعتقداتنا فقط، مهما كانت هذه المعتقدات أصيلة وصادقة؛ ولكن كوننا وكلاء يعني أن نعيش حسب تلك الحقائق في حياتنا وفي تعاملاتنا مع الآخرين.
رسائِل الملائكة الثلاثة
مرَّتان فقط أنذَرَ الله العالَم بالخراب الآتي: فقد أعلن ذلك مرَّة لنوح (تكوين ٦: ١٣-١٨؛ متى ٢٤: ٣٧)، والمرَّة الأخرى مِن خلال رسائِل الملائكة الثلاثة (رؤيا يوحنا ١٤: ٦-١٢). هذه الرَّسائل تُزيح السِّتار لتكشف مشهدًا فريدًا عن مستقبل الأحداث في العالم. اتَّضح ويتَّضح فهمنا لرسائل الملائكة الثلاثة بمرور الوقت، لكنَّ الرسالة والمأمورية لا تزالان هما: البِرِّ من خلال الإيمان بالمسيح، وهذه هي «رسالة الملاك الثالث في حقيقتها» (روح النبوة، الكرازة، صفحة ١٩٠). وبعبارة أخرى، إنَّ جوهر رسالة الحق الحاضر، الرسالة التي دُعينا لأن نُعْلِنَها إلى العالم، هو يسوع وتضحيته العُظمى لأجلنا.
اقرأ رؤيا يوحنا ١٤: ٦-١٢. ما هو جوهر هذه الرَّسائل؟ ما الذي تقوله هذه الرَّسائل إلى العالم؟ ما هي المسؤولية المُلقاة على عاتقنا بخصوص هذه الرَّسائل، وما هي علاقتها بالوكالة المسيحية؟
رسالتنا كأدفنتست سبتيين هي أن نُقدِّم حق رسائل الملائكة الثلاثة إلى العالم استعدادًا للمجيء الثاني للمسيح. يجب أن يتمكَّن الناس مِن اتِّخاذ قَرَارِهم بخصوص الأبدية. إن دور الوكالة المسيحية هو شراكة مع الله في نشر الرسالة (٢كورنثوس ٥: ٢٠؛ ٢كورنثوس ٦: ١-٤).
«بمفهوم خاص، أُقيم الأدفنتست السبتيون في العالم كحُرَّاس وحَمَلة النُّور. لقد عُهِدَ إليهم برسالة الإنذار الأخير للعالم الهالِك. يُشرق عليهم [أي الأدفنتست] نور عجيب مِن كلمة الله. وقد أُوكل إليهم عملًا جليلًا — نشر رسائل الملائكة: الأول والثاني والثالث. لا يوجد عمل أهمّ مِن ذلك. يجب عليهم ألا يسمحوا لأيِّ شيء آخر أن يستحوذ على اهتمامهم» (روح النبوة، شهادات للكنيسة، المُجلَّد التاسع، صفحة ١٩).
إنَّ الحافة الخارجية لإطار الدولاب (العجلة) هي أقرب نقطة اتِّصال بالأرض، وترمز إلى مُهمَّة رسائل الملائكة الثلاثة. رسالتهم هي الحماية ضد الانحراف اللاهوتي وتحديد مسؤوليتنا في أحداث الأيام الأخيرة. علينا أن نكون وكلاء هذه الرسالة والمأمورية، مُعلنين إيَّاها إلى العالم أجمع.
الوكالة المسيحيَّة
يُريدنا المسيح أن نعيش عيشةً مُقدَّسة. إنَّ حياته هي توضيح للقداسة وكيف يجب أن تبدو الوكالة المسيحيَّة في أسمى صُوَرِها (عبرانيين ٩: ١٤). علينا أن ندير أمور حياتنا بطريقة تسرُّ الله، بما في ذلك كيفية إدارتنا لكل ما ائتمننا الله عليه. الوكالة المسيحية هي تعبير عن هذه القداسة.
قارن ١بطرس ١: ١٥، ١٦ مع عبرانيين ١٢: ١٤. ما معنى «كونوا أنتم أيضًا قدِّيسين» وما معنى »القَدَاسَة»؟ وما صِلة هذا بوكالتنا المسيحية؟
اكتَشَف الرومانيون أنَّه يُمكِن إطالة عمر الدولاب (العجلة) لو وُضِع طوق مِن حديد حول الإطار الخارجي للدولاب. كان الصَنَائِعِيّون يقومون بتسخين الحديد ليتمدَّد بالقدر الكافي الذي يسمح لِصَبّه فوق الإطار الخارجي للدولاب. ثمَّ كانوا يسكبون الماء البارد ليتقلَّص الحديد وليحْكِم الالتصاق بالإطار. وهكذا كان يتلامس طوق الحديد بالأرض في الطرقات عند دوران الدولاب.
الطوق الحديدي على الإطار يُمكِن أن يُمثِّل مفهوم الوكالة المسيحية. هذه هي لحظة الحقيقة، عندما تَحْتَك حياتنا الروحية بحياتنا العملية. إنّها عندما يُواجه إيماننا تقلُّبات الحياة بين نجاح وفشل، وعندما تأخذ معتقداتنا الطابع العملي في مواجهة الفوضى والصِّراعات في حياتنا اليومية. الوكالة المسيحية هي الغلاف الخارجي لِمَا نحن عليه (شخصيَّتنا) وما نفعله. إنَّها شهادة لسلوكِنا ولحياةٍ نُديرها بشكل جيِّد. إنَّ تصرُّفاتنا اليومية التي تُظْهِر المسيح هي مِثْل الطوق الحديدي فوق الإطار الخارجي للدولاب، وهو الطوق الذي يُلامس الطريق.
الأفعال لها قوَّتها ويجب أن نتحكَّم فيها عن طريق تكريس حياتنا للمسيح. علينا أن نعيش حسب هذا التأكيد والوعد: «أستطيع كلَّ شيء في المسيح الذي يُقوِّيني» (فيلبي ٤: ١٣).
«إنَّ تقديس النَّفس بعمل الرُّوحِ الْقُدُس هو غرس طبيعة المسيح في القلب البشري. إنَّ دِين الإنجيل هو المسيح في الحياة — وهو مبدأ حي عامِل. إنَّه نعمة المسيح الظاهرة في الخُلُق والمثمرة في الأعمال الصالحة. إنَّ مبادئ الإنجيل لا يُمكِن فصلها عن دائرة الحياة العملية. وكل فرع من فروع الاختبار والعمل المسيحي يجب أن يكون صورة تُمثِّل حياة المسيح» (روح النبوة، المعلم الأعظم، صفحة ٣٨٦).
لمزيد من الدرس: أحيانًا، يجب أن يُعاد تشكيل الطَّوق الحديدي الخاص بدولاب المركبة بِسَبَب التمدُّد الناتِج عن احتِكاك الحديد بالطريق. إعادة التشكيل هذه تتطلَّب الكثير مِن الطَّرق والدَّق على طوق الحديد ذاته. إنَّ إعادة التشكيل هذه تُمثِّل الوكالة المسيحية كتقديس عملي. وهي أن يكون لنا فِكر المسيح في مواجهة أي أمرٍّ مِن أمور حياتنا، كبيرًا كان أم صغيرًا، حتى إذا كانت الطريقة صعبة أو مؤلمة. سواء كان الأمر يتعلَّق بطريقة استخدامنا للمال، علاقاتنا العائلية، أو الوظيفة، أو غير ذلك، فكل هذه الأمور يجب أن تكون استجابتنا لها حسب إرادة المسيح. أحيانًا، كما نعلم جميعنا جيِّدًا، لا يمكننا أن نتعلَّم هذا الدَّرس إلا مِن خلال بعض الطَرْق الصعب.
إنَّ إعادة تشكيل الحديد ليس بالأمر السَّهل. كذلك ليس بالأمر السَّهل إعادة تشكيل أخلاق الإنسان. فكِّر في اختبار بطرس، فقد كان مُلازِمًا للمسيح في كل مكان، لكنَّه لم يتوقَّع هذه الكلمات مِن شَفَتَيّ يسوع: «طلبتُ مِن أجلِك لكيلا يفنى إيمانك. وأنتَ متى رَجِعْتْ، ثبِّت إخوتك» (لوقا ٢٢: ٣٢). بعد ذلك بوقتٍ ليس بطويل، بعد إنكارِه ليسوع، حَدَثَ تغيير في حياة بطرس، ولكنَّ ذلك حَدَثَ بعد اختبار مؤلِم وصعب جدًّا. بمفهوم آخر، لقد أُعيد تشكيل وكالته. لقد تجدَّد بطرس مِن جديد، وكانت حياته ستَّتخذ توجُّهًا واتِّجاهًا جديدين، ولكن بعد أن تلقَّى طَرْقًا حقيقيًّا.
الدرس الحادي عشر
١٠-١٦ آذار (مارس)
الدَّيْنُ — قرار يومي
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: مزمور ٣٧: ٢١؛ متى ٤: ٣-١٠؛ متى ٦: ٣٣؛ تثنية ٢٨: ١٢؛ أمثال ١٣: ١١؛ أمثال ٢١: ٥؛ ٢كورنثوس ٤: ١٨.
آية الحفظ: «فأعطوا الجميع حقوقَهُم: الجِزيَة لِمَن له الجِزيَة. الجِباية لِمَن له الجِباية. والخوف لِمَن له الخوف. والإكرام لِمَن له الإكرام. لا تكونوا مَديونين لأحدٍّ بشيء، إلا بأن يُحِبَّ بعضُكُم بعضًا. لأنَّ مَن أحبَّ غيرَهُ، فقد أكمَلَ الناموس» (رومية ١٣: ٧، ٨).
قد يُسعِدك الحظ يومًا أن تَجِد شخصًا يكون على استعداد أن يُقرِضَك مالًا. وقد يكون ذلك الشخص حَسَن النِّيَّة — أي أنَّه يُريد فِعلًا أن يُساعدك في التَّغلُّب على ضائِقة مالية. لكن، في غالب الأحيان، لا يُقرضك الناس مالًا عن طيب خاطر. إنَّهم يُقرِضونك المال لرغبتهم في زيادة أرباحِهم حين يستردُّونه منك مع فائض.
علينا أن نعمل كل ما في وسعنا لنتجنَّب الدَّيْن. بالطبع هناك ظروف مُعيَّنة تفرض علينا الاقتراض مثل: شراء منزل، أو سيَّارة، أو بناء كنيسة، أو تحصيل العِلم. ولكن، ذلك يجب أن يتمَّ بأكثر قدر مُمكِن من الحِكمَة، وبقصد الخروج مِن الدَّيْن في أقرب وقت ممكِن.
مع ذلك، يجب علينا أن نكون حذرين. فإنَّ إنفاقنا مالًا ليس لنا (دَيْن) هو بوَّابة الدّخول لشعب الله «لجعل شهوة محبَّة الكنوز الأرضيَّة هي الصفات المُسيطرة على أخلاقِهم. وطالما تحكَّمَت تلك الصِّفات، فالخلاص والنِّعمة يتراجعان» (روح النبوة، الكتابات المبكرة، صفحة ٢٦٧).
علينا أن نُطوِّر مهاراتنا وقدراتنا حتى نستطيع أن نضبط أنفسنا ونعمل كل ما نستطيع لتجنُّب الدَّيْن. سوف ندرس في هذا الأسبوع ما يقوله الكتاب المُقَدَّس حول الدَّيْن.
* نرجو التَّعمُّق في موضوع هذا الدرس، استعدادًا لِمُناقَشته يوم السبت القادم الموافق ١٧ آذار (مارس).
الاقتراض والإنفاق
كان بنو الأنبياء وأَلِيشَع يقطعون خشبًا عند نهر الأردن حين «وَقَع الحديد (رأس الفأس) في الماء». فصَرَخَ أحد الأنبياء قائِلًا: «آه يا سيِّدي! لأنه عَارِيَةٌ (مُستَعار)» (٢ملوك ٦: ٥). الاستعارة يعني استخدام شيء ملك لشخص آخر — بعد استئذانه أو سماحه. هذا الاستئذان يحمل مُجازَفة ومسؤولية. استدانة المال لا تختلف عن استعارة الفأس، إلا في عاقِبَتِها إذا أسيء استخدامها.
السبب الوحيد لاستدانة المال هو لإنفاقِه. المُخاطرة الماليَّة التي نتحمَّلها هي افتراضنا أننا نملك القُدرة على السّداد وأنه لن توجد مُفاجآت ماليَّة في المُسْتَقْبَل. ولكن المُستقبل غير معلوم لنا (جامعة ٨: ٧)، وعلى ذلك، فإنَّ اقتراض المال في حدِّ ذاته يحمِل دائِمًا المخاطِر.
ماذا تقول الآيات التالية عن الدَّيْن؟
مزمور ٣٧: ٢١
جامعة ٥: ٥
تثنية ٢٨: ٤٤، ٤٥
قد نستَدين أو نقتَرِض مالًا بِنِيَّة إنفاقِه بِحِكمَة، ولكنَّ الإغراء في إنفاق ما لدينا، حتى المال الذي نستدينه، يُمكِن أن يقودنا إلى مشاكل صعبة. إنَّ إنفاق المال المُستَدان أو المُقتَرَض يسمَح للكثيرين أن يعيشوا حياة لا يستطيعون تحمُّل أعبائها ونَفَقاتِها. إنَّ الإغواء للاستدانة والإنفاق هو الدَّافِع الأساسي في ثقافة الاستهلاك التي تؤثِّر في الغنيّ والفقير. وعندما نُواجه هذا الإغواء، علينا أن نطلب الْمَنْفَذَ من الله (١كورنثوس ١٠: ١٣)، لأنَّ الاستدانة يُمكِن أن تكون لعنة (تثنية ٢٨: ٤٣-٤٥).
لا تبدأ التعوّد على عادة الاستدانة السيِّئة. وإذا كُنتَ قد اقتَرَضْتَ أموالًا بالفِعل، قُم بِسدادها في أقرب فُرصة مُمكِنة. علينا أن نكون حُكَماء في طريقة إنفاقنا للمال، ووكلاء على أموال الله، وليس عبيدًا لأموال العالم.
ونقول مُجدَّدًا أنَّ هُناك بعض الحالات التي نحتاج فيها للاقتراض، ولكن علينا أن نُقْدِم عليها بكل حِرص وبِنِيَّة أن نردّ كل شيء في أسرع وقت ممكن.
الوكالة والإشباع الفوري
«فأعطى يعقوب عيسو خُبزًا وطبَخَ عدس، فأكل وشرب، وقام ومضى. فاحتقر عيسو البكورية» (تكوين ٢٥: ٣٤). كان عيسو رجلًا خشنًا، برِّيّ الطَّبع، يتبع شهواته. عندما اشتمَّ رائِحة طبيخ أخيه، اشتهى العدس فورًا، مع أنَّه لم يكن على حافَّة الموت مِن الجوع. إذ سيطَرت عليه انفعالاته وأحاسيسه، سمح لضغوط اللحظة أن تتغلَّب على المنطق، وقايضَ البكورية بشيء مِن إشباع لحظي وفوري. وعندما أراد أن يستردَّ بكوريته، و»مع أنَّه طلبها بدموع» (عبرانيين ١٢: ١٧)، لم يحصل عليها.
في المُقابِل، لنا مثال يسوع. بعد أربعين يومًا مِن الصوم والجوع الشديد، جُرِّب يسوع مِن الشيطان ثلاث مرَّات (متى ٤: ٣-١٠). لكنَّ يسوع رأى التجارب على ما هي عليه، وحتى في حالة ضعفه وإعيائه، لم يستسلم لإشباع رغباته. عاش يسوع كُلَّ حياته رافضًا وممتنعًا عن مَسَرَّات الخطيَّة وإشباع الشهوات. وبأعماله تلك، أظهر لنا أنَّه يمكننا نحن أيضًا أن نتغلَّب على الخطية. لم يُقايض ولم يخسر بكوريته. وهو يدعو الجميع ليُشاركوا ويصيروا وَرَثَة معه (رومية ٨: ١٧؛ تيطس ٣: ٧). نحن نحتفظ ببكوريتنا عن طريق إتِّباع مثال يسوع عندما جُرِّب (١كورنثوس ١٠: ١٣).
أفضل ما يُمكِن للعالم أن يُقدِّمه هو اختبار الحاضر، لأنه لا يُمكن أن يُقدِّم اختبارًا للمُستقبل أو للعالم الآتي. أن تعيش لنفسِك هو عكس العيش لله.
ماذا تُعلِّمنا الآيات التالية عن الأخطار المُحتَمَلة للسعي وراء الحصول على الإشباع الفوري، حتى بالنسبة للمؤمنين؟ ٢صموئيل ١١: ٢-٤؛ تكوين ٣: ٦؛ فيلبي ٣: ١٩؛ ١يوحنا ٢: ١٦؛ رومية ٨: ٨.
إنًّ الرَّغبة في الإشباع الفوري هي مِن أعراض العقل غير المُنضبط؛ هي عدو الصبر، هذا العدو الذي يقوَّض الأهداف طويلة الأجل وهو يسخر من المساءلة ويستخف بها. إنَّ إرجاء إشباع النفس هو مبدأ نتعلَّمه: إنه موهبة ومهارة نكتسبها في الحياة وتساعدنا على التحكم في الظروف والضغوط، خاصة أمام التجارب التي يُقدِّمها لنا العالم، مثل اقتراض المال دون حكمة. لكن هذه الفكرة ليست رائجة في عالم بُنِيَ على الانغماس في الرِّبح الفوري، والمكافآت السريعة، ومخططات الثراء السريع. وإذا اختبرنا مرَّة الإشباع الفوري، فمِن المحتمل أن نختار طريق المردود السريع أو المكافآت قصيرة الأجل مرة أخرى، ثم مرة بعد مرة. ... لا يجب على الوكيل المسيحي، الذي ائتمنه الله على هباتٍ وعطايا كثيرة، أن يقع في ذلك الشَّرَك.
العيش في حدود مواردك
«كنز مُشتهىً وزيتٌ في بيتِ الحكيم، أما الرَّجل الجاهِل فيُتْلِفُه» (أمثال ٢١: ٢٠). هذه الآية تُقارِن بين الأشخاص الذين يديرون شؤونهم الاقتصادية بحكمة ومسؤولية تعكس حُسن وكالتهم على ما لديهم، وبين أولئك الذين ينفقون أموالهم بإسراف وبذخ. الناس الجَّهلة لا يضعون خططًا للعيش في حدود مواردهم. فهم يُنفِقون المال الذي في حوزتهم بإسراف، حتى وإن كان مُستَدانًا، شاعرين أنَّ الإنفاق بحكمة والعيش المقتصد، مثلهما مِثل الحِمْيَة الغذائية غير المرغوب فيها. مع ذلك، حتى في حالة احتياجنا لاقتراض المال، لشراء منزل مثلًا، يجب أن نقوم بذلك مع دِرَاسة مُتأنِّية وإدراك أننا بحاجة إلى العيش ضمن ما توفر لدينا من أموال.
الأغنياء يُمكنهم العيش ضمن مواردهم نظراً لما توفر لديهم من ثروات. إلا أنَّ مشكلتهم هي قلقهم الدَّائِم على ثروتهم وكيفية الاحتفاظ بها. عندما يمتلك الناس القليل، ويعتمدون في عيشهم على رواتبهم الشهرية، فإنَّ قلقهم الدائم هو الحِفاظ على حياتهم، وليس على أموالهم وثروتهم. ومع ذلك، فالكتاب المُقَدَّس يُقدِّم نصائح في كيفية العيش ضمن حدود مواردنا، بِغَضِّ النظر عن مقدار ما نملكه. ينصح بولس الرسول بما يمكن أن نعتبره البساطة في حدِّها الأقصى: «فإن كان لنا قوتٌ وكسوة (يُمكِن إضافة وَسَكَن)، فلنَكْتَفِ بهما» (١تيموثاوس ٦: ٨). لا يعتبر بولس الممتلكات الأرضية بهذه الأهمية، لأنَّ بالنسبة له، الحياة في المسيح تكفي (فيلبي ١: ٢١).
ما هو المبدأ الذي يجب أن نتذكَّره قبل أي شيء آخر؟ (متى ٦: ٣٣). كيف يمكننا أن نتأكَّد أنَّ ذلك هو ما نعيشه نحن بأنفسنا؟
يجب علينا أن لا نعتبر مواردنا كَدَخل أو إيراد، ولكن كموارِد أو مصادر نحن لدينا مسؤولية حُسْنِ التَّصرُّف بها. ولإنجاز ذلك، يجب وضع ميزانيَّة. إنَّ إعداد الميزانية يحتاج إلى مهارة مُكتَسَبَة نحتاج إلى دِراستها بعناية. والمُمارَسة المنْضبطة والمجهود مطلوبان للنجاح في تنفيذ خطَّة ماليَّة متوازنة (أمثال ١٤: ١٥). إذا ألزَمْنَا أنفسنا بأن ننجح في خطَّة وكالتنا الماليَّة، سنتمكَّن مِن تجنُّب أخطاء ماليَّة مُحرجة.
إن كانت لديك مُشكِلة في إدارة الأموال، قُم بإعداد ميزانيَّة. لا يجب أن تكون مُعقَّدة. ببساطة، يمكنك أن تَجْمَع كل مصروفاتك على مدى عدَّة شهور، بعد ذلك تحسب مُعدَّل مصروفك الشهري. المبدأ الأساسي هو أن تعيش في حدود الموارد الخاصَّة بك، مهما كانت الظروف، وأن تبذل كل ما يُمكن لتَتجنَّب الدَّيْن.
قُل: لا للدَّيْن
اقرأ تثنية ٢٨: ١٢. ماذا تُعلِّمنا هذه الآية عن الدخول في ديون كثيرة؟ ما هو المبدأ المعمول به هُنا؟
مِن المنطقي أن يتجنَّب الإنسان الدَّيْن كُلَّما أمكن. الكتاب المُقَدَّس ينهانا أيضًا عن الاشتراك في التوقيع على ديون الآخرين، ضامِنًا أو شاهِدًا لهم (أمثال ١٧: ١٨؛ أمثال ٢٢: ٢٦). الدَّيْن له تأثير على المستقبل، وهو يُجْبِرُنا على الانصياع لِمُطالبه مِن مَوْقِع ضَعْفِنا المالي. إنَّه الإكسير النَّاعِم الذي يصعب على المسيحيين رفضه والتَّحكُّم فيه. قد لا يكون الدَّيْن غير أخلاقي، ولكنه لا يُساعد في بناء حياتنا الروحية.
«يجب أن يكون هناك اهتمام صارم بالاقتصاد، وإلا سوف تتراكم الدِّيون الثقيلة. عش ضمن حدودك. اجتنب تكبُّد أو تحمُّل الدَّين كما لو كُنْتَ تتجنَّب داء البَرَص (الجذام)» (روح النبوة، إرشادات حول الوكالة المسيحية، صفحة ٢٧٢).
مِن المُمكِن أن يُصبح الدَّيْن عبودية، تجعلنا عبيدًا للمُقْرِض (أمثال ٢٢: ٧). لأنَّ الدَّيْن مُتداخِل في نسيج عالمنا الاقتصادي، فإننا نعتبره كما لو كان عادةً مُتَّبعة أو القاعدة المعمول بها. إنّه موقف خاطئ وسلوك مخجل أن نقول لأنفسنا بأن أُمَمًا بأسرها تعيش على الدَّيْن، ولا ضير في أن يفعل الأشخاص الشيء ذاته.
«أقِم عهدًا مُقدَّسًا مع الله أن تسدد جَميع ديونك ببركة الله، وبعد ذلك، لا تكن مديونًا لأحد بشيء حتى لو عِشْتَ على الخبز والملح. من السَّهل جدًّا أن تُنْفِق مِن جَيبك مالًا زائدًا عندما تقوم بإعداد مائدتك. ولكن، اهتم بالسنتات (عملة أميركية) والدولارات ستهتم بنفسها [بمعنى أنَّ العملات الصغيرة التي تُصرَف، سريعًا ما تتجمَّع لتصبح فئات أكبر مِن الأموال]. احرم نفسك، على الأقل في فترة محاصرتك بالدِّيون... لا تتعثَّر أو تفشل أو تتراجع. احرم نفسك مِن التذوُّق. احرم نفسك من الانغماس في الشهيَّة. وفِّر قروشك لإيفاء ديونك، وتخلَّص منها بأسرع ما يُمكِن. وعندما تَقِف مُنتَصِبًا مرَّة أخرى كَرَجُلٍّ حُر، غير مَدِينٍ لأحد بأيّ شيء، عندها تكون قد أحرزت انتصارًا عظيمًا» (روح النبوة، إرشادات حول الوكالة المسيحية، صفحة ٢٥٧).
الدَّيْن هو أساس ضعيف ليقف عليه المسيحي، فقد يوقِع الضرر باختبارنا الروحي، ويؤثِّر في قدرتنا على تمويل عَمَل الله. إنَّه يسلبنا القُدرة على إعطاء الآخرين بثقة، ويسلب فرص الحصول على بركات الله.
التوفير والاستثمار
النَّمل يعمل في الصَّيف لِيُعِدَّ طعامه للشتاء (أمثال ٦: ٦-٨). نكون حُكماء إذا تأمَّلنا النَّمل وقُمنا بتوفير المال بطريقة مُنتظمة لهدف مُعيَّن. النُّقطة المُهِمَّة في توفير المال هي أن يكون لدينا مصادِر مُتاحة لنفقات معيشتنا أو احتياجاتنا، بِعَكس تبذير مدخولنا أو التَّمسُّك بمكاسِبنا. إنَّ إدارة الأموال تقتضي حِكمة، ووضع ميزانية، وانضباط. إذا كان كل ما ندَّخِره نخصصه لأنفسنا، فإننا نسرق ملكيَّة الله بدلًا مِن أن نكون وكلاء عليها.
«المال الذي يُصرَف دون داعٍ هو خسارة مُزدوجة. ليس لأنه ضاع وَصُرِفَ فقط، ولكن الرِّبح المُحتَمل مِن ورائه قد ضاع أيضًا. فلو كنَّا قد وضعناه جانِبًا، لكان يُمكِن أن يتضاعَف هُنا على هذه الأرض عن طريق التوفير أو في السماء مِن خلال التقدمات ... التوفير هو تدريب يُنمِّي السُّلطة على المال. فبدلًا مِن السَّماح للمال بأخذنا إلى حيث تميل أهواؤنا، نتحكَّم نحن فيه» (Randy C. Alcorn, Money, Possessions and Eternity، صفحة ٣٢٨).
اقرأ أمثال ١٣: ١١؛ أمثال ٢١: ٥؛ وأمثال ١٣: ١٨. ما هي الكلمات العملية الواردة هُنا والتي تُساعدنا على التَّعامل بصورة أفضل مع الأمور الماليَّة؟
الوكلاء يوفِّرون المال للاحتياجات العائلية ويستثمرون في السَّماء عند إدارتهم لممتلكات الله. إن كيفية إدارة ما لديك من أموال وثروات أهم بكثير من مقدار ما لديك من أموال وثروات. ومعنى أن تدير أموالك بحكمة هو أن تكون لديك خطة جيدة تتوافق مع تعاليم الكتاب المُقَدَّس. إن ادخار المال لتلبية احتياجات الأسرة يجب أن يتم بحكمة. يقول الكتاب المُقَدَّس «أَعْطِ نَصِيبًا لِسَبْعَةٍ، وَلِثَمَانِيَةٍ أَيْضًا» (جامعة ١١: ٢)، أي استثمر أموالك في العديد من الأعمال. لماذا يقول الكتاب ذلك؟ لأن هناك خطر خسارة كل أموالك في نفس الوقت إذا أنت استثمرت كل أموالك في عمل واحد (جامعة ١١:٢). أيضاً، أطلب مشورة خبراء المال (أمثال ١٥: ٢٢). اعمل على تلبية الاحتياجات الخاصة بك، وسوف تنمو ثرواتك. لكن تأكد من أن تتذكر أن الرب إلهك «هو الذي يُعطيك قوَّة لاصطناع الثروة» (تثنية ٨: ١٨).
إنَّ نموذج الاستثمار الأكثر أمانًا للوكيل المسيحي هو الاستثمار في «ملكوت السماوات» (متى ١٣: ٤٤). هناك لا ركود، لا مخاطِر، لا لصوص، ولا انكماشات في الأسواق. إنه يُشبه امتلاك محفظة نقود لا تبلى (لوقا ١٢: ٣٣). قبول المسيح يفتح هذا الحساب، وإرجاع الْعُشْر لله وإعطاء التقدمات والعطاءات بمثابة إيداعات. ذلك معناه أنه بقدر اهتمامنا بأمورنا الأرضية مثل دفع الفواتير، علينا أن يكون محور ارتكازنا دائماً هو الحقائق الأبدية.
لمزيد من الدرس: كل قُدرة طبيعية أو مهارة أو موهبة تأتي مِن الله، سواء كانت وِراثية — وُلِدنا بها، أو بواسطة تأثير البيئة أو العِلم أو كليهما. والجزء المهم مِن المُعادلة هو: ماذا نفعل بالقدرات والمهارات التي لدينا. ينتظر الله مِن الوكلاء أن يتعلَّموا أن يكونوا مُتفوِّقين في مهاراتهم وقدراتهم من خلال التعليم والاختبار العملي (جامعة ١٠: ١٠).
بَصَلْئِيل كان مملوءًا «مِن روح الله بالحِكمة والفهم والمعرفة وكل صَنْعَة» (خروج ٣٥: ٣١). هُوَ وَأُهُولِيآبُ (خروج ٣٥: ٣٤) كان لهما القدرة على تعليم حرفتهما لآخرين.
نستطيع أن نتعلَّم أن نكون وكلاء أفضل وخاصة في التَّخلُّص مِن الدَّيْن بينما نعيش في عالم مادِّي. علينا دائِمًا أن نسعى لنُنمِّي مهاراتنا مِن خلال القراءة والمُحاضرات والتعليم الرَّسمي (كلَّما أمكن)، وفي النهاية علينا أن نُطبِّق ما تعلَّمناه. إنَّ تنمية مهاراتنا تُمَكِّننا مِن أن نُعطي أفضل ما لدينا لله وأن نكون وكلاء صالحين.
مثال الوزنات يوضح أنَّ كل عبد تسلَّم وزنات «على قدر طاقته» (متى ٢٥: ١٥). اثنان مِن العبيد ضاعفا وزناتهما؛ أما العبد الثالث، فأخفى وزنة سيِّده في الأرض. علينا أن نسعى دائِمًا إلى أن نُنَمِّي ما لدينا، لكنَّ إخفاء الوزنة لم يُظْهِر أي مَقْدِرة أو مَهارة. إنَّ إدارة الأموال، التَّخلُّص من الدَّيْن، تنمية ضبط النفس، وتطوير الخبرة العملية، تُظهِر كفاءات باركها الله. النجاح والتميُّز في أداء أي عَمَل، يتطلَّب تكراره مرَّة بعد مرَّة.
«عندما تعمل الدروس المُستقاة مِن الكتاب المُقَدَّس عملها في الحياة اليومية، يكون لها التأثير العميق والدائم على الأخلاق. تلك هي الدروس التي تعلَّمها تيموثاوس ومارسها. لم يكن يملك أي مواهب بارعة، لكن عمله كان له قيمته لأنه استخدم قدراته التي وهبه الله إيَّاها في خدمة الرب» (روح النبوة، أعمال الرسل، صفحة ٢٠٥).
الدرس الثاني عشر
١٧-٢٣ آذار (مارس)
عادات الوكيل
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: أفسس ٥: ١٥-١٧؛ كولوسي ٣: ٢٣؛ لوقا ١٢: ٣٥-٤٨ يعقوب ٤: ١٤؛ أعمال الرسل ٣: ٢١؛ ١كورنثوس ٩: ٢٤-٢٧.
آية الحفظ: «بِمَ يُزكِّي الشاب طريقه؟ بحفظه إيَّاه حسب كلامك. بكل قلبي طلبتُك. لا تُضِلَّني عن وَصاياك. خبَّأتُ كلامَكَ في قلبي لكيلا اُخطيء إليك» (مزمور ١١٩: ٩-١١).
سلوكُك يكشف الهدف والاتِّجاه في حياتك. الوكلاء الذين يُنمُّون العادات الصالحة في حياتهم هم أكثر الوكلاء أمانة. كانت لدانيال عادة الصلاة اليومية (دانيال ٦: ١٠). وكانت عادة بولس أن يدخل إلى المجمع (أعمال الرسل ١٧: ١، ٢). وقد كَتَبَ أيضًا: «لا تَضِلُّوا. فإنَّ المُعاشَرات الرَّديَّة تُفسِد الأخلاق الجيِّدة» (١كورنثوس ١٥: ٣٣). علينا أن نُنمِّي العادات الجيِّدة لكي تحل محل العادات السيِّئة.
«إننا وبشكل فردي سنكون ما تصنعه عاداتنا مِن الآن وإلى الأبد. إنَّ حياة أولئك الذين يُشكِّلون العادات الصالحة، وأمناء في أداء كل واجب، سيكونون أنوارًا ساطِعة، ناشرين أشعَّة مُشرقة على طريق الآخرين» (روح النبوة، شهادات للكنيسة، المجلد الرابع، صفحة ٤٥٢).
إنَّ الطريق الذي تخلقه العادات هو أسرع سبيل يمكنك أن تتَّخذه لكي تنال المكافأة التي تسعى إليها. العادات مُتأصِّلة في الإنسان. بمعنى آخر أنك لا تحتاج أن تُفكِّر فيها؛ فأنت تفعلها تلقائيًا. تلك العادات قد تكون جيِّدة أو سيِّئة، وذلك يتوقَّف على ما تؤدِّيه. سوف ننظر هذا الأسبوع إلى بعض العادات القويَّة التي ستُساعد الوكيل لإدارة أعمال الله.
* نرجو التَّعمُّق في موضوع هذا الدرس، استعدادًا لِمُناقَشته يوم السبت القادم الموافق ٢٤ آذار (مارس).
عادة: طَلَب الله أوَّلًا
جميعُنا لنا عادات. السؤال يأتي: ما هو نوع هذه العادات؟ جيِّدة أَم سيِّئة؟ مِن بين كل العادات الجيِّدة التي يُمكِن أن تكون لدى المسيحي؛ فإن عادة السَّعي لِطَلَب الله أوَّلًا ويوميًّا يجب أن تكون أهَم هذه العادات على الإطلاق.
«كل صباح، كرِّس نفسك وحياتك وروحَك وجَسَدَك لله. أسِّس في نفسك عادات التَّكريس والثقة أكثر وأكثر في مُخلِّصك» (روح النبوة، العقل والصفات والشخصية، المجلَّد الأول، صفحة ١٥). وبِعاداتٍ كهذه سوف ندخل بالتأكيد مِن الباب الضيِّق الذي يؤدِّي إلى الحياة (متى ٧: ١٤).
قال الله: «لا يكن لك آلهة أخرى أمامي» (خروج ٢٠: ٣). وقال يسوع، في سِياق حاجاتنا الأساسية: «اطلبوا أوَّلًا ملكوت الله وبِرَّهُ» (متى ٦: ٣٣)، وقد أخبرنا أيضًا: «تطلبونَني فتجدونَني إذ تطلبونني بكُلِّ قلبِكُم» (إرميا ٢٩: ١٣).
اقرأ متى ٢٢: ٣٧، ٣٨؛ أعمال الرسل ١٧: ٢٨؛ أفسس ٥: ١٥-١٧؛ كولوسي ٣: ٢٣. ماذا يُقال في هذه الآيات مِمّا يُمْكِن أن يُساعدنا في أن نفهم كيف نضع الله أولًا في حياتنا؟
مِن بين كُلِّ مَن نعتبرهم مِثالًا لنا في طلب الله أوَّلًا، بالطبع لن نجد مثالًا أفضل مِن مثال المسيح. لقد وَضَعَ يسوع أباه أوَّلًا في كل شيء. نبدأ برؤية هذه الأفضلية أثناء زيارته كصبي إلى أورشليم. عندما تواجه مع أمه التي وجدته «في الهيكل»، قال لها يسوع: «ينبغي أن أكون فيما لأبي» (لوقا ٢: ٤٦، ٤٩).
كان يسوع طوال حياته يتوق للشركة مع أبيه، كما يتَّضِح ذلك مِن حياة الصلاة التي اعتادها. هذه العادة كانت شيئًا لم يفهمه التلاميذ بشكل كافٍ. لم تستطع كل قوى الظلام أن تفصل يسوع عن أبيه، لأنَّ المسيح جعل من الصلاة عادة ليظلَّ على اتِّصال كامل مع الله.
نستطيع أن نتبع مثال يسوع بأن نتَّخِذ قرارًا لأن نُحِبَّ الله من كل قلوبنا ومن كل نفوسنا ومن كل أفكارنا (متى ٢٢: ٣٧). وبالصلاة، ودِراسة كلمة الله، والسعي لمحاكاة صفات يسوع في كل ما نعمله، فإننا بذلك سنُشكِّل عادة أن نجعل الله أوَّلًا في حياتنا. أي عادة يمكن أن تكون أفضل مِن هذه بالنسبة للمسيحي!
عادة: انتظار المجيء الثاني للمسيح
اقرأ لوقا ١٢: ٣٥-٤٨. ماذا يُعلِّمنا هذا المثل حول موقفنا مِن المجيء الثاني للمسيح؟ لماذا ينبغي أنَّ كل ما نفعله في كل الأوقات يكون في سياق حتميَّة المجيء الثاني؟
يجب أن نعتاد ممارسة حياة الوكالة في ضوء عودة يسوع المسيح. إنَّ صفات الوكيل الخائن الذي يتصرَّف وكأنه وكيل أمين سوف تُكتَشف في النِّهاية مِن خلال أعماله؛ لأنَّ الوكلاء الأمناء يؤدُّون مسؤولياتهم بالسَّهر والعمل — وكأنَّ سيدهم موجود وحاضر بينهم. إنَّهم يعيشون مِن أجل المُستقبل ويعمَلون بأمانة يومًا بعد يوم. «فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ» (فيلبي ٣: ٢٠).
انتَظَرَ إبراهيم المدينة الأبدية (عبرانيين ١١: ١٠)، وانتظر بولس عودة المسيح (عبرانيين ١٠: ٢٥). لقد كانا أصحاب فِكْرٍ مُستَقبلي، مُتَرَقُّبين، مُعَدِّين، ومستعدِّين في أيَّة لحظة للقاء المسيح. علينا نحن أيضًا أن نُنمِّي فينا عادة النَّظر إلى المُستقبل بنظرة شاخِصة إلى قِمَّة مجد الإنجيل (تيطس ٢: ١٣). بدلًا مِن إلقاء النظرات العابرة مِن وقت لآخر على النبوَّات، علينا أن نبحث بصفة مُستمرة ونُراقِب ونعمل مُدركين دائِمًا الأبدية التي تنتظرنا عند عودة يسوع المسيح. في ذات الوقت، علينا أن نتجنَّب التخمينات والاستطلاعات الجامحة والخيالية حول أحداث الأيام الأخيرة. إنَّ وعد المجيء الثاني يُعطينا توجُّهًا في حياتنا، ويمنحنا المنظور الصحيح للحاضر، ويساعدنا لنتذكَّر ما هو المهم في الحياة. إنَّ عادة انتظار عودة يسوع المسيح تُعطي الوكيل معنًى وهدفًا.
لقد مهَّد الصليب لنا الطريق لكي يكون لنا موعد ولقاء مع المُخلِّص. إننا نبحث عن علامات كُشِفَت لنا في الكتاب المُقَدَّس توجِّهنا وتُشير إلى مجيء المسيح في مجد الآب والملائكة (مرقس ٨: ٣٨). «ونحنُ غيرُ ناظِرينَ إلى الأشياء التي تُرَى، بل إلى التي لا تُرى. لأنَّ التي تُرى وقتيَّة، وأمَّا التي لا تُرى فأبَدية» (٢كورنثوس ٤: ١٨).
نعم، الموت، وحتميَّة الموت الماثِلة أبدًا، يجب أن تُساعدنا دائمًا لِنُدرِك كم هي محدودة وعابِرة هي حياتنا على الأرض. ولكن وعد المجيء الثاني يُظْهِر لنا أيضًا أنَّ الموت ذاته هو وقتي وعابر. فلا عجب إذًا، أنَّه يجب علينا أن نعيش في ضوء وعد عودة المسيح، وعد يجب أن يؤثِّر بقوَّة على كيفية عيش كل وكيل مسيحي. دعونا نعتاد مِن الآن لأن نعيش في ترقُّب عودة المسيح. إنَّ اسمنا ذاته يُظهِر حقيقة ذلك الانتظار والتَّرقُّب.
عادة: استعمال الوقت بِحِكمَة
«لأننا نحن مِن أمسٍ ولا نعلم، لأنَّ أيَّامنا على الأرض ظِلٌّ» (أيوب ٨: ٩).
يمكِنك أن توقف عقارب الساعة، لكنك لن تستطيع أن توقف حركة الزمن. إنَّ الوقت لا ينتظر؛ فهو يظل يتحرِّك إلى الأمام حتى لو توقَّفنا نحن عن الحركة وبدون أي عمل.
ماذا تقول لنا الآيات التالية عن أيَّامنا على الأرض في هذه الحياة؟ (يعقوب ٤: ١٤؛ مزمور ٩٠: ١٠، ١٢؛ مزمور ٣٩: ٤، ٥؛ جامعة ٣: ٦-٨). ما هي الرِّسالة الأساسية التي يجب أن نأخذها مِن هذه الآيات حول مدى القيمة الثمينة لأيَّامنا على الأرض؟
بما أنَّ الوقت مُحدود جدًّا وغير قابل للتجديد، فمِن المُهم أن يكون المسيحي وكيلًا صالِحًا عن وقته. لذلك، يجب أن نُنمِّي عادة استعمال الوقت بِحِكمة عن طريق التركيز على ما هو مُهِم في هذه الحياة والحياة الآتية. علينا أن نتحكَّم في إدارة أوقاتنا اعتمادًا على ما تكشفه لنا كلمة الله عمَّا هو مُهِم، لأنَّه ما أن ينقضي الوقت، لا يُمكِن تجديده. إذا خسرنا أموالًا، يمكننا أن نعوّضها في نهاية الأمر — رُبَّما بفائض عمَّا خسرناه أولًا. ولكن ليس هذا هو الحال مع الوقت. فاللحظة التي تنقضي، تضيع إلى الأبد. إنَّ إعادة قشرة البيضة المكسورة إلى شكلها الطبيعي أهون علينا مِن أن نُعيد لحظة ولَّت. وهكذا، يكون الوقت هو أثمن سلعة أعطانا الله إيَّاها. فكم هُوَ مِن المهم إذًا أن نُنمِّي فينا عادة استعمال كل دقيقة مِن حياتنا إلى أقصى حدٍّ ممكن؟
«إنَّ وقتنا هو مِن حقِّ الله، فكل لحظة هي له، ونحن تحت أخطر التزام بأنْ نُحسِن استخدامه لمجده. ولن يُطلَب مِنَّا إعطاء حِساب عن أية وزنة مِن الوزنات الأخرى بأشدِّ دقَّة مِن وقتنا.
«إنَّ قيمة الوقت هي فوق كل تقدير. لقد اعتَبَرَ المسيح كل بُرهة ثمينة، ونحن يجب أن نعتبرها كذلك. إنَّ الحياة أقصر مِن أن نُنفِقها في غير طائل. لقد أعطيت لنا أيَّام إمهال قليلة فيها نستعد للأبدية. لا وقت لنا نُضيِّعه ولا وقت نُنفقه في المسرَّات الأنانية ولا وقت للانغماس في الخطية» (روح النبوة، المعلم الأعظم، صفحة ٣٣٨، ٣٣٩).
عادة: حافِظ على صحَّة العقل والجسد والنَّفس
في البدء خلقنا الله كاملين عقلًا وجسدًا وروحًا. الخطية أفسدت كل ذلك. لكنَّ الأخبار السارة في الكتاب المُقَدَّس، من ضمن أشياء أخرى، هي أنَّ الله في سبيل إعادتنا إلى ما كُنَّا عليه في البدء.
اقرأ أعمال الرسل ٣: ٢١؛ رؤيا يوحنا ٢١: ١-٥. أي رجاء لنا ورد في هذه الآيات؟ كيف لنا أن نعيش في انتظار أزمنة ردِّ كل شيء؟
عَمِل يسوع دون كلل عندما كان على هذه الأرض للارتقاء بالبشرية روحيًا وعقليًا وجسديًا — مُستَبِقًا الاسترداد الأخير في نهاية الزمان. إنَّ خِدمة الشفاء التي قام بها يسوع تُبرهِن أنَّ الله يريدنا أن نكون في أتمِّ صِحَّة مُمْكنة الآن وإلى أن تحلَّ نهاية الزَّمان. ولهذا، على الوكلاء أن يُنمُّوا عادات صحيَّة لأذهانهم وأجسادهم ونفوسهم، عادات تُشجِّع على وتُروِّج لِنَمَطِ حياة صحيَّة.
أولًا: تزداد قوَّة العقل كلَّما ازداد استخدامه. عَوِّد نفسك على أن تملأ ذهنك بـ «كل ما هو حَق، كل ما هو جليل، كل ما هو عادل، كل ما هو طاهر، كل ما هو مُسِر، كل ما صيته حسن» (فيلبي ٤: ٨). مثل هذه الأفكار تجلب السلام (إشعياء ٢٦: ٣)، كما أنَّ »حياة الجسد هدوء القلب» (أمثال ١٤: ٣٠). إنَّ العادات الصِّحيَّة للعقل تسمح لمركز القوَّة أن يعمل بأفضل حالاته.
ثانيًا: العادات الصحية السليمة مثل الرياضة والنظام الغذائي الصحيح، تدلُّ على أننا نهتم بأنفسنا. الريَّاضة مثلًا، تُقلِّل مِن الضغط النَّفسي وضغط الدم، وتُحسِّن المزاج، وهي إكسير قد يكون أكثر مُكافحة للشيخوخة مِن أي مُستحضرات موجودة في الأسواق.
ثالثًا: الوكيل الأمين يُنمِّي عادات جيِّدة ليُنعِش النَّفس. ارفع نفسك إلى الله (مزمور ٨٦: ٤، ٥) وانتظر (مزمور ٦٢: ٥). سوف تزهو روحك إذْ «تسلك بالحق» (٣يوحنا ٣) وسوف «تُحْفَظ روحُكم ونفسُكُم وجسدُكُم كاملةً بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح» (١تسالونيكي ٥: ٢٣).
عادة: التَّهذيب الذاتي (النُّصْحِ أو ضبط النفس)
ضبط النفس (النُّصْحِ) هو مِن أهم السِّمات الأخلاقيَّة التي يُمكِن أن يمتلكها الوكيل. «لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ» (٢تيموثاوس ١: ٧). كلمة النُّصْحِ في اللغة اليونانية تظهر في هذه الآية فقط في العهد الجديد وتُشير إلى القدرة على عمل ما يجب علمه بعقل رزين وسليم لا ينحرف عن مبادئ الله. ضبط النفس (النُّصْحِ) يُمكِن أن يُساعدنا «على التمييز بين الخير والشر» (عبرانيين ٥: ١٤)، تحمَّل وتفهَّم الوضع الحالي، وفوق ذلك تحمَّل الضغوط والاضطرابات بكل هدوء ووداعة، بِغَضّ النظر عن النتائج. إتَّبع دانيال الطريق الصحيح رغم الأسود، على عكس شمشون، الذي عاش حياة الانغماس في الشهوات دون ضبط للنفس ورجاحة العقل. اتَّبع يوسف الطريق الصحيح في بيت فوطيفار، على عكس سليمان، الذي عَبَد آلهة أخرى (١ملوك ١١: ٤، ٥).
اقرأ ١كورنثوس ٩: ٢٤-٢٧. ماذا يقول بولس هنا عن ضبط النفس (النُّصْحِ)؟ ما هو الشيء الذي يقول بولس أنه سيكون على المحك فيما يتعلق بمسألة ضبط النفس (النُّصْحِ)؟
«لقد أسلم العالم نفسه للإفراط في الشهوات والملذَّات. ولقد كثرت الأخطاء والخرافات. كما زادت وتضاعَفت أشراك الشيطان لإهلاك النفوس. وكل الذين يريدون أن يكملوا القداسة في خوف الله، عليهم أن يتعلَّموا درس الاعتدال وضبط النفس. ينبغي إخضاع الأهواء والشهوات لِقوى العقل العليا. إنَّ تدريب النَّفس هذا لازم وجوهري لإنماء القوى الذهنية والرؤى الروحية التي ستعيننا على فهم حقائق كلمة الله المقدسة والعمل بها» (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ٨٢).
ضبط النفس (النُّصْحِ) ينمو ويتحسَّن من خلال الممارسة المعتادة. لقد دعاكم الله لتكونوا «قدِّيسين في كل سيرة» (١بطرس ١: ١٥) وتُروِّضوا أنفسكم للتقوى (١تيموثاوس ٤: ٧). على الوكلاء أن يُمارسوا ويتدرَّبوا على تهذيب أنفسهم تمامًا كما يفعل أكثر الرياضيين والموسيقيين مهارةً وموهبة. علينا، بقُوَّة الله وبجهدنا الدؤوب، أن نُهذِّب أنفسنا في الأشياء ذات الأهمية الحقيقية.
لمزيد من الدرس: اعتاد أخنوخ ونوح السَّير مع الله في عصرٍ بَقِيَ فيه قليل من الناس على إيمانهم وسط الإفراط والمادِّيَّة والعنف (تكوين ٥: ٢٤؛ تكوين ٦: ٩). لقد فَهِمَا وقَبِلا نعمة الله، وبذلك كانا وكيلين صالحين لما كانا يمتلكانه وفي المهمَّات التي أوكِلَت إليهما.
سارَ أناس مع الله، عبر العصور، تمامًا كما سار أخنوخ ونوح. مثلًا: دانيال وأصدقاؤه أدرَكوا أنَّه لكي «يستطيعوا أن يقفوا كمُمَثِّلين للدين الحقيقي في وسط الديانات الكاذبة التي يعتنقها العالم الوثني، عليهم أن يحتفظوا بأذهان صافية وأن يكملوا (يُهذِّبوا) صفات مسيحية. وكان الله نفسه مُعلَّمًا لهم. فقد ساروا مع الله كأخنوخ، إذ كانوا يُصَلُّون باستمرار، ويدرسون بضمير صالح، وعلى اتصالٍ دائم بالإله غير المنظور» (روح النبوة، الأنبياء والملوك، صفحة ٣٩٩).
«السَّير مع الله» يُحدِّد ما يفعله الوكيل، أي العيش مع الله على الأرض يومًا بعد يوم. إنَّ الوكيل الحكيم سيجعل مِن السَّير مع الله يوميًا سلوكًا وعادةً وسط عالم فاسِد، لأنه فقط ومِن خلال هذا الاتصال بالله نستطيع أن نبقى في حماية من السقوط في الشرور السائدة في العالم.
كي تكون وكيلًا أمينًا، ذلك يستوجب حياةً بأكملها تبدأ بكونها في اتِّفاق مع الله (عاموس ٣: ٣). يجب علينا أن نسلك في المسيح (كولوسي ٢: ٦)، نسلك في جدَّة الحياة (رومية ٦: ٤)، نسلك في المحبة (أفسس ٥: ٢)، نسلك في الحكمة (كولوسي ٤: ٥)، نسلك في الحق (مزمور ٨٦: ١١)، نسلك في النور (١يوحنا ١: ٧)، نسلك بالكمال والاستقامة (أمثال ١٩: ١)، نسلك في ناموسه (خروج ١٦: ٤)، نسلك في أعمال صالحة (أفسس ٢: ١٠)، ونسلك في الطريق المستقيم (أمثال ٤: ٢٦).
الدرس الثالث عشر
٢٤-٣٠ آذار (مارس)
نتائج الوكالة
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: ٢تيموثاوس ٣: ١-٩؛ حزقيال ١٤: ١٤؛ فيلبي ٤: ٤-١٣؛ أمثال ٣: ٥؛ ١بطرس ٢: ١١، ١٢؛ متى ٧: ٢٣؛ متى ٢٥: ٢١.
آية الحفظ: «وأن تكون سيرَتُكُم بين الأمم حَسَنَة، لكي يكونوا، في ما يَفْتَرون عليكم كَفَاعِلي شَر، يُمجِّدون الله في يوم الافتقاد، مِن أجل أعمالِكُم الحَسَنة التي يُلاحِظونَها» (١بطرس ٢: ١٢).
علينا نحن كوكلاء أن نحيا كشهود للإله الذي نعبده ونخدمه، ذلك يعني أنه علينا أن نبذل تأثيرًا قويًّا على مَن حولنا، تأثيرًا للخير.
فالمطلوب إذن هو أن لا نكون مُنعَزلين عن العالم مِن حولنا. بدلًا من ذلك، لنا امتياز أن نعكس طريق حياةٍ أفضل لأولئك الذين لا يعرفون الأشياء التي أُعطيت لنا. إنَّ فِعل الوكالة في حياتنا يجعلنا ننجح ونتقدَّم ونزدهر بينما نسعى لتلبية دعوة الله لنا لنحيا حياة التقوى. يمنحنا الله القدرة على الإبداع لكي نعيش بشكل يختلف عن أي نمط حياة آخر في العالم (٢كورنثوس ٦: ١٧)، وهذا شيء سوف يلاحظه الآخرون وقد يسألون عنه. ولذلك قيل لنا: «قدِّسوا الرب الإله في قلوبكم، مُستعدِّين دائِمًا لِمُجاوبة كل مَن يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة وخوف» (١بطرس ٣: ١٥).
في هذا الدرس الأخير سوف نبحث في المواهب التي يعطيها الله للوكلاء الصالحين. وسوف نبحث أيضاً في القوة لعمل الخير التي يمنحها الله لنا لتغيير حياة الناس للأفضل. ما هو السِّرُّ الذي يؤدي إلى هذا النجاح والقدرة على عمل الخير؟ «هذَا السِّرِّ ... هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ» (كولوسي ١: ٢٧).
* نرجو التَّعمُّق في موضوع هذا الدرس، استعدادًا لِمُناقَشته يوم السبت القادم الموافق ٣١ آذار (مارس).
الوكالة والتَّقوى
التَّقوى موضوع شاسِع. الأتقياء يعيشون حياة القداسة (تيطس ١: ١)، ليصيروا مثل المسيح بروح العِبادة وبأفعال يُسَرُّ بها الله (مزمور ٤: ٣؛ تيطس ٢: ١٢). التَّقوى هي دليل على الدِّيانة الحقَّة ونوال وعد الحياة الأبدية. لا توجد فلسفة، أو ثراء، أو شُهرة، أو قوَّة، أو سلالة متميِّزة تستطيع أن تُقدِّم وعدًا مثل هذا.
اقرأ ٢تيموثاوس ٣: ١-٩. ما الذي يُحذِّر منه بولس هنا وله علاقة مُباشِرة بحياة الوكيل الأمين؟
يُقدِّم سِفر أيوب وصفًا لصِفات أيوب وأعماله. إنَّه يوضح كيف تَظْهَر حياة التقوى، حتى مِن خلال الآلام والمُعاناة. ويُظهر أيضًا مدى كراهية الشيطان لنمط حياة التَّقوى. حتى الله ذاته شهد بأنه ليس مثل أيوب في الأرض في نمط حياته وإيمانه (أيوب ٢: ٣).
«كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عَوْصَ اسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هذَا الرَّجُلُ كَامِلاً وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ» (أيوب ١: ١). وهكذا، نرى رجلًا لم يكن إيمانه مُجرَّد تعبير بالكلام أو طقوس دينية، مع أنَّ ذلك كان جُزْءًا مِن حياته (أيوب ١: ٥). كان خوف الله يتجلَّى في كامل حياته، حياة التَّقوى، حتى في خِضَمِّ تجاربه المُروِّعة. إنَّ حياة التَّقوى لا تعني أننا أصبحنا كاملين، تعني فقط أننا نعكس الكمال في محيطنا أو مجالنا الخاص بنا.
اقرأ حزقيال ١٤: ١٤. ما الذي تقوله هذه الآية عمَّا يشهد لصفات هؤلاء الرِّجال؟ ما هو القاسِم المُشترك الذي يجب أن يُرى فينا جميعا؟
الوكالة، في حقيقتها، هي تعبير عن حياة التَّقوى. الوكلاء الأمناء ليس لهم مُجرَّد صورة التَّقوى، إنَّهم أتقياء فعلًا. وتظهر هذه التَّقوى في طريقة عيشهم، وفي الكيفية التي يتعاملون بها مع الأشياء التي ائتمنهم الله عليها. إنَّهم يُعبِّرون عن إيمانهم ليس فقط من خلال ما يفعلون، ولكن أيضًا من خلال ما لا يفعلونه.
القناعة
«ليس أنِّي أقول مِن جهة احتياج، فإني قد تعلَّمتُ أن أكونَ مُكتفيًا بما أنا فيه» (فيلبي ٤: ١١). إذا كان لنا أن نكون مُكتفين وقانعين بما نحن فيه وعليه، فمِن أين تأتينا بهذه القناعة أصلًا؟
كتب بولس الرسول إلى تيموثاوس واصِفًا مجموعة مِن الناس فاسدي الذِّهن ومعدومي الحق: «يظنّون أنَّ التَّقوى تِجارة» (١تيموثاوس ٦: ٥). أي وصف يُمكن أن يكون أفضل مِن هذا في وصف بائِعي الضلال الذين يظهرون في وسائل الإعلام! إنَّهم يكسبون مِن وراء ذلك المال الوفير وهم يقولون لمستمعيهم أنَّهم إذا فقط كانوا مؤمنين (وهذا الإيمان يشمل دعم كرازتهم)، فسوف يُصبحون هم أيضًا أغنياء؟ إنَّ المساواة بين الثروة والإيمان ليس سوى مظهر آخر مِن مظاهر المادِّيَّة ولكنه تحت غطاء مِن الدِّيْن.
الحقيقة هي أنَّ الثروة لا علاقة لها بالتَّقوى. فلو كان الأمر كذلك، لكان يجب أن يُحْسَب بعض أبغض الناس في العالم أتقياء لأنَّهم أكثر الناس ثراءًا. لكن بولس الرسول ردَّ على هذا المفهوم بقوله: «التَّقوى مع القناعة تجارة عظيمة» (١تيموثاوس ٦: ٦). التَّقوى مع القناعة، تحت أي ظرف كان، هي أعظم أنواع الغِنى لأنَّ نعمة الله أثمن بكثير مِن أي ربح مادِّي. لذلك، يجب أن نكون قانعين «بالقوت والكسوة» (١تيموثاوس ٦: ٨). ففي النهاية، مهما كان قدر ما نملكه، فهناك دائمًا المزيد نسعى للحصول عليه إذا كان تفكيرنا يأخذ ذلك الاتجاه.
«القناعة في كل الظروف هي فن عظيم، سِرّ روحي. هي سرٌّ يجب أن نتعلَّمه، لكن يجب أن نتعلَّمه كَسِرّ... القناعة المسيحية هي هذا الإطار العذب، المستتر، الهادئ، اللطيف لروح تخضع بِحُرِّيِّة وتبتهج بتدبير الله الأبوي الحكيم في كل الظروف... إنها قارورة طِيب غالي الثّمن، وهي مُعَزّيّة ومفيدة للقلوب المضطربة في الأوقات والظروف المُزعجة» (Jeremiah Burroughs ،The Rare Jewel of Christian Contentment، صفحة ١، ٣).
الثِّقة
اقرأ أمثال ٣: ٥. ما هي الرِّسالة الأساسية المُوجَّهة لنا في هذه الآية، خاصة في الجزء الأخير منها حول عدم «الاعتماد» على فهمنا؟ (انظر أيضًا إشعياء ٥٥: ٩؛ ١كورنثوس ٤: ٥؛ ١كورنثوس ١٣: ١٢).
إنَّ هدف وشِعار وكلاء الله هو: «توكَّل على الرب بكل قلبك، وعلى فهمِك لا تعتَمِد» (أمثال ٣: ٥).
في أغلب الأحيان، بالطبع، يكون القول أسهل مِن الفِعل. في كثير مِن الأحيان نؤمِن بالله بعقولنا. إننا نؤمن بمحبته وعنايته، ومع ذلك يصيبنا القلق والاضطراب إلى حدِّ المرض عند مواجهتنا لأمرٍ ما؟ قد يبدو المستقبل أحيانًا مُخيفًا جدًا، على الأقل في مُخيِّلتنا الشخصيَّة.
كيف إذًا نتعلَّم نحن كوكلاء الثِّقة في الله؟ بأنَّ نتقدَّم إلى الأمام بإيمان وطاعة الرَّب في كل عمل نقوم به الآن. الثِّقة هي فِعل العقل، وهي لا تُسْتنفَذ بالاستعمال؛ على العكس، فكلَّما زادت ثقتنا في الرَّب، ازدادت الثِّقة نموًّا. إنَّ عيشنا كوكلاء أمناء هي طريقة نعبِّر من خلالها عن ثقتنا في الله. هذه الثقة هي الأساس وقوَّة الدَّفع للوكيل، وهي تَظهر جليًّا فيما نقوم به من أعمال.
«تُحبُّ الرب إلهك مِن كل قلبك». إنَّ عبارة «كل قلبك» تُستخدم دائِمًا في الكتاب المُقَدَّس بشكل مجازي. وهي تعني أنَّ قراراتنا تنبع مِن الداخل الروحي للذات والذي يصنع منَّا ما نحن عليه (متى ٢٢: ٣٧). وهذا يشمل صفاتنا ودوافعنا وبواعِثنا ونوايانا — جوهر وجودنا.
من السهل أن نثق في الله بخصوص الأشياء التي لا نستطيع أن نتحكَّم بها أو نُسيطر عليها. وفي هذا، ليس لنا خيار سوى أن نثق فيه. ولكن، الثقة الحقيقية ‹من القلب› تأتي عندما يتوجَّب علينا أن نتَّخذ قرارًا بخصوص شيء نستطيع التَّحكُّم فيه أو السيطرة عليه، وعندما تكون ثقتنا في الله هي دافعنا لأن نختار هذا الطريق أو ذاك.
لقد أَوْضَحَ الرّسل ثقتهم بالله مِن كل قلوبهم: «كانوا بالطبيعة ضُعفاء وعاجزين مثلهم مثل أي ممَّن ينخرطون في العمل الكرازي حاليًّا، ولكنَّهم وضعوا كل ثقتهم في الرب. كانوا يملكون الثراء، ولكنه كان ثراء تَأدِيب العقل والنَّفس؛ وهذا شيء يمكن لأي إنسان أن يمتلكه إذا هو جعل الله أوَّلًا وأخيرًا والأفضل في كل شيء» (روح النبوة، خدّام الإنجيل، صفحة ٢٥).
تأثيرنا
«لأنَّكم كُنتُم قبلًا ظلمة، وأما الآن فنور في الرَّب» (أفسس ٥: ٨). في هذه الآية، يقول بولس الرسول أن التغيير الكامل للقلب هو شيء يمكن للآخرين أن يروه «إن سَلَكنا في النور» (١يوحنا ١: ٧؛ إشعياء ٣٠: ٢١)، فإنَّ شهادتنا اليومية المتمثلة في إدارة وكالتنا ستكون نورًا مؤثِّرًا في عالم مُظلِم.
قال يسوع: «أنا هو نور العالم» (يوحنا ٨: ١٢). نحن نعكس نور الله من خلال حياتنا وما نقوم به يومياً.
كيف تكون وكالتنا مُعلَنة أمام الناس بالطرق التي تُمجِّد الله؟ ما هو تأثير أعمالنا على الآخرين؟ متى ٥: ١٦؛ تيطس ٢: ٧؛ ١بطرس ٢: ١١، ١٢.
الوكالة هي إدارة ممتلكات الله، ولكنها تذهب إلى أبعد مِن هذه المسؤولية. فوكالتنا مُستَعلنة أمام عائلاتنا ومجتمعاتنا والعالم والكون بأسره (١كورنثوس ٤: ٩). إننا نظهر في حياتنا القدرة على فعل الخير، وهي القدرة التي تأتي من إتباع قوانين ملكوت الله. ويمكننا أيضاً إظهار هذه القدرة على فعل الخير في أعمالنا ووظائفنا. ونحن لدينا القدرة على تغيير حياة الناس الذين نعمل معهم. كما أننا نظهر المسيح للآخرين عندما نكون لطفاء معهم وعندما نتخذ خيارات جيدة. يباركنا الله عندما نفعل كل هذه الأمور.
أخلاقياتنا في العمل أيضًا يجب أن تتلاقى مع قِيَم وكالتنا. فإنّ أعمالنا أو أشغالنا هي مِنصَّة أخرى تظهر من خلالها وكالة الشخص البار. «ويخرج مثل النور برك، وحقك مثل الظهيرة» (مزمور ٣٧: ٦). إنَّ تأثير الوكيل حتى في عمله أو مهنته لا يوضع «فِي خِفْيَةٍ، وَلاَ تَحْتَ الْمِكْيَالِ» (لوقا ١١: ٣٣)، لكنه يُرى مثل «مدينة موضوعة على جبل» (متى ٥: ١٤). فإذ تعيش عن قصد بهذه الطريقة في البيت وفي العمل، فإنَّ تأثيرك سيكون على عقول وقلوب مَن هم حولك.
«كل شيء في الطبيعة له عمله المُعيَّن ولا يتذمَّر على وظيفته. وفي الأشياء الروحية، كل إنسان له مجاله وحرفته. والفوائد التي يطلبها الله ستكون متناسبة مع مقدار الوزنات التي أُوكِلت إلى الشخص وفقاً لمقياس هبة المسيح... الآن هو وقتك وفرصتك... لإظهار شَخْصِيّة ثابتة تجعل منك قيمة أخلاقية حقيقية. المسيح له الحق في الحصول على خدمتك. اخضع له مِن قلبك» (روح النبوة، هذا اليوم مع الله، صفحة ٢٤٣).
الكلمات التي نُريد (والتي لا نُريد) أن نسمعها
نحن غُرباء ونُزلاء على الأرض، والسماء بكاملها وجمالها وسلامها هي غايتنا النهائية (عبرانيين ١١: ١٣، ١٤). إلى ذلك الحين، علينا أن نعيش حياتنا ووجودنا هنا. إنَّ النظرة المسيحية الشاملة للعالم، خاصة في ضوء ما يكشفه الصراع العظيم، لا تسمح لنا بالوقوف محايدين في الوقت الحالي. فإما أن نقف مع الله أو نقف مع العدو. «مَن ليس معي فهو عليَّ. ومَن لا يجمع معي، فهو يُفرِّق» (متى ١٢: ٣٠). وعند المجيء الثاني للمسيح، سيتضح جليًّا وبلا لبس مع أي فريق نقف.
في فترة ما، بعد المجيء الثاني للمسيح، سيسمع أولئك الذين ادَّعوا أنَّهم يتبعون المسيح إحدى عبارتين. ما هما هاتان العبارتان وما معنى كلٍ منهما؟
متى ٢٥: ٢١
متى ٧: ٢٣
إنَّ كلمات المسيح «نِعِمًّا أيُّها العبد الصالح والأمين» هي أكثر الكلمات المُسِرّة والمَرْضِيَّة التي سيسمعها الوكيل. إنَّ التعبير الإلهي لقبول الله غير المشروط لاجتهادنا المُخلص في التَّصرُّف الحكيم في ممتلكات الله، سيجلب فرحًا لا يُعبَّر عنه لبذلنا أقصى جهدنا، حسب طاقتنا. وسَنسّر أيضًا عند إدراكنا أنَّ خلاصنا راسِخ، ليس في أعمالنا مِن أجل المسيح، بل في أعمال المسيح من أجلنا (انظر رومية ٣: ٢١؛ رومية ٤: ٦).
إنَّ حياة الوكيل الأمين هي انعكاس للإيمان الذي لديه بالفعل. والسعي للخلاص بالأعمال يظهر في كلمات أولئك الذين حاولوا تبرير أنفسهم أمام الله عن طريق أعمالهم (انظر متى ٧: ٢١، ٢٢). تظهر الآية الواردة في متى ٧: ٢٣ عدم جدوى تبرير الذات.
«إنَّ أتباع المسيح عندما يُعيدون إلى الرب حقوقه، فهم يُكوِّمون ويجمعون كنزًا سيُعطى لهم عندما يسمعون القول: «نِعمًّا أيها العبد الصالح والأمين... ادخل إلى فرح سيِّدك» (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ٤٩٢).
في الختام، الوكالة هي حياة نحياها تكون فيها أعظم وصيتين، محبة الله ومحبة القريب، هما القوة المحرّكة والدافع وراء كل ما نفعله.
لمزيد من الدرس: «جاء المسيح إلى هذا العالم ليُظهر محبة الله. على أتباعه أن يواصلوا العمل الذي بدأه. دعونا نُجاهد لمُساعدة وتقوية واحدنا الآخر. السَّعي لخير الآخرين هو الطريق الذي توجد فيه السعادة الحقيقية. الإنسان لا يعمل ضد مصلحته الشخصية عندما يُحب الله ويُحب الآخرين. كلما ازدادت روحه إنكارًا للذات، ازدادت سعادته، لأنه يُحقِّق قصد الله فيه» (روح النبوة، إرشادات حول الوكالة المسيحية، صفحة ٢٤، ٢٥).
«حيثما وجدت حياة في كنيسة، هناك ازدياد ونمو. هناك أيضًا تواصل وتلاقٍ مُستمر، هناك أخذ وعطاء، استلام وردّ ما هو مُلكٌ للرب. يمنح الله نورًا وبركة لكل مؤمن حقيقي، وهذه يمنحها المؤمن للآخرين في الأعمال التي يقوم بها من أجل الرب. وإذ يُعطي مما أعطاه الرب، تزداد قدرته على التسلُّم. ويتَّسع المجال لفائض جديد مِن نعمة الله والحق الذي يغدقه. فيمنحه الله نورًا أكثر، ومزيدًا من المعرفة. تعتمد حياة وتقدم الكنيسة على هذا الأخذ والعطاء. فالذي يأخذ ولا يُعطي، سوف يتوقف قريبًا عن الاستلام. فإذا لم يتدفَّق الحق منه للآخرين، فسوف يفقد قدرته على الاستلام. يجب علينا أن نُشارك بركات السماء إذا كُنَّا نريد أن نتلقَّى المزيد مِن البركات» (روح النبوة، إرشادات حول الوكالة المسيحية، صفحة ٣٦).
دليل دراسة الكتاب المُقَدّس للربع الثاني ٢٠١٨
في ضوء الكثير من الأحداث والنظريات العالمية حول زمن المنتهى، فإنَّه من السهل التركيز على الأمور التي نعتقد أنها تؤدي إلى مجيء المسيح بدلاً من التركيز على المسيح نفسه، الذي هو وحده مدعاة استعدادنا. دليل دراسة الكتاب المُقَدَّس لهذا الربع، الاستعداد الزمن المنتهى، بقلم نورمان ر. جالي، يدور حول زمن المنتهى، أما التركيز الحقيقي فهو على المسيح، ولكن في سياق الأيام الأخيرة وكيف نكون مستعدين لها. نعم، نحتاج إلى النظر إلى الأحداث التاريخية الهامة، وإلى التاريخ نفسه، لأن الكتاب المُقَدَّس يتحدث عن هذه الأمور فيما يتعلق بزمن النهاية. ولكن حتى في هذا السياق يتحدث الكتاب المُقَدَّس عن المسيح وعن طبيعته وصفاته، وعمَّا فعل لأجلنا وما يفعله فينا، وعمَّا سيفعله عندما يعود. إنَّ المسيح وإياه مصلوباً يجب أن يكون محور إيماننا؛ أو، كما قال بولس: «لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا» (١كورنثوس ٢: ٢). فكلما ركَّزنا عليه أكثر، أصبحنا مشابهين له أكثر، أطعناه أكثر، وكنا أكثر استعداداً لكل ما ينتظرنا، في المستقبل القريب وفي نهاية الزمان، في اليوم الذي فيه ندخل "المكان" الذي أعده المسيح لأولئك الذين يحبونه.
الاستعداد لزمن النهاية
١. الصراع الكوني٣١ آذار (مارس) – ٦ نيسان (أبريل)
٢. دانيال وزمن النهاية٧- ١٣ نيسان (أبريل).
٣. المسيح وسِفر الرؤيا١٤- ٢٠ نيسان (أبريل).
٤. الخلاص وزمن النهاية٢ - ٢٧ نيسان (أبريل).
٥. المسيح في المَقْدِس السماوي٢٨ - ٤ أيار (مايو)
٦. "تغيير" الناموس٥ - ١١ أيار (مايو).
٧. الأصحاح ٢٤ من إنجيل متى١٢- ١٨ أيار (مايو).
٨. اسْجُدُوا للخالق١٩ - ٢٥ أيار (مايو).
٩. ضلالات زمن النهاية٢٦ أيار (مايو) – ١ حزيران (يونيو)
١٠. أمريكا وبابل٢ - ٨ حزيران (يونيو)
١١. ختم الله أو سمة الوحش؟٩ - ١٥ حزيران (يونيو).
١٢. بابل وهَرْمَجَدُّون١٦ - ٢٢ حزيران (يونيو).
١٣. عودة ربنا يسوع المسيح٢٣ - ٢٩ حزيران (يونيو).